تقوم الدولة الحديثة علي ثلاث سلطات و هي السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية والسلطة القضائية مع ضمان الفصل بينهن وعدم اغتصاب سلطة لصلاحيات سلطة أخرى، وعلى ذلك يُقيم الوضع القانوني ومن المبادئ المستقرة أنّ المتهم بريء حتي تثبث إدانته بحكم قضائي، وعليه عند وقوع أي جريمة حتي لو كانت الأدلة دامغة ضد متهم ولا يختلف عليها اثنان فيمنع أنّ يُسمي مجرم إلا أنّ ثبث إدانته بحكم قضائي، فعند وقوع الجريمة تتولي النيابة العامة تحريك الدعوى العمومية باسم المجتمع و تُشرف على إعمال الضبط القضائي وتجمع الاستدلالات والأدلة وتباشر التحقيقات ويستجوب المتهمين و تسمع أقوال الشهود ويأمن حق الدفاع وكل ذلك إلي غاية الاتهام و إجراءات المحاكمة رسم القانون لها الطريق وحدد الإجراءات ومنع تسمية المتهم مجرم أو مدان إلا بحكم قضائي، ومنع القانون أيضاً نشر نتائج التحقيقات وأمر بالحفاظ علي السرية، إلا أننا غالباً نُعاني من عدم احترام اختصاص كل سلطة وتغولها علي بعضها وخصوصاً تغول السلطة التنفيذية، ومع وقوع الكثير من الجرائم وتفاعل الناس لإدانتها و تشنيعها و تشكيل رأي عام ضاغط لسرعة المعاقبة والردع دون معرفة أو الإكتراث للأصول فهم غير مختصين ولا يعنيهم التفاصيل يتحركون بالعاطفة والفطرة وهو حق طبيعي، إلا أنّ الجهات الرسمية أصبحت تُجاري ذلك وتهتم للرأي العام ولو علي خلاف الأصول والقانون وبمجرد وقوع جريمة أصبحت وزارة الداخلية تعقد مؤتمرات صحفية لنشر ما توصلت إليه وكذلك بعض جهاتها و كأن الأمر سبق صحفي وأصبحت تنشر الأخبار كإنجاز، مع العلم أنّه بموجب قانون الإجراءات الجزائية يُمنع نشر نتائج التحقيقات وبمفهوم المخالفة يُعتبر جريمة وفي ذلك أيضاً إستباق للأحداث وعدم انتظار أو احترام لحكم المحكمة، فالنشر بعد الإدانة بحكم قضائي كإجراء رادع وعقوبة محل نظر، أما قبل ذلك مخالف للقانون وتعدي علي اختصاص السلطة القضائية وتشهير بمتهمين قد يحكم ببرائتم وأن ما ذكرت لا يمنعي أنّ أوجه التحية والتقدير للأجهزة الأمنية والشرطية علي جهودهم المبذولة بحفظ الأمن ومواجهة كورونا.
"حرب" غالانت على نتنياهو..ترهيب سياسي ام استباق سياسي!
28 أكتوبر 2024