مقومات المقاومة الشعبية

حجم الخط

د. مصطفى البرغوثي يكتب

هناك إجماع فلسطيني على أهمية تفعيل المقاومة الشعبية باعتبارها الشكل الأمثل في هذه المرحلة للنضال ضد مخطط الضم والتهويد

وإذ يواجه الشعب الفلسطيني تحديات غير مسبوقة عبر مخطط الضم وصفقة ترامب تستهدف تصفية وجوده، و مستقبله،وحقه في تقرير المصير، فقد صار واضحا أن الضم جزء من استراتيجية أوسع للحركة الصهيونية تتضمن مرحلتين:

الأولى :ضم وتهويد ما لا يقل عن 62% من الضفة الغربية بالمصادرة، والاستيطان، والجدار، وتقطيع الأوصال، وأخيرا بالخطة الأخيرة التي أعلنها نتنياهو. وما يجري هو تكرار حرفي لما فعلته إسرائيل بأراضي 1948.

أما المرحلة الثانية فهي محاولة ترحيل الشعب الفلسطيني من خلال القمع والتنكيل ، والتضييق عليه اقتصاديا، واجتماعيا، وإنسانيا.

لا يوجد ما هو أفضل من ثلاث وسائل لإفشال هذاالمخطط.

تعزيز الصمود و البقاء على الأرض .

و المقاومة الشعبية الواسعة والفعالة .

واستنهاض أوسع حملة للمقاطعة وفرض العقوبات على منظومة الأبرتهايد التي أنشأها حكام إسرائيل.

وإذا كانت الانتفاضة الأولى، وسفن كسر الحصارعلى غزة، وقرى المقاومة الشعبية مثل باب الشمس و أحفاد يونس ، وهبة الأقصى، ومسيرات العودة و كسر الحصار نماذج فعالة للمقاومة الشعبية، فقد نشأت أحيانا تحت إسمها أنشطة اتسمت ب الاستسلام للروتين وبالضعف من حيث المشاركة الجماهيرية أو التأثير.

و حيث أننا على أبواب مرحلة جديدة يُجمع فيها الجميع على أهمية المقاومة الشعبية فلا بد من إعادة التذكير ببعض الأساسيات:

أولا –​المقاومة الشعبية لا تنفي ولا تتعارض مع أشكال المقاومة المشروعة الأخرى التي استخدمت سابقا،والتي يقرها القانون الدولي والانساني، بما فيها المقاومة المسلحة، ما دامت تحترم وتلتزم بالقانون الإنساني الدولي.

ثانيا –​إن تجربة الشعب الفلسطيني منذ أوائل القرن الماضي أثبتت أن أكثر أشكال المقاومة تأثيراً هي المقاومة الشعبية، وأبرز نموذج لذلك كانت الانتفاضة الأولى.

ثالثا –​المقاومة الشعبية لا تصل الى مرحلة النضوج إلا بإشراك فئات شعبية واسعة فيها، ولذلك تسمى شعبية. وإذا كان من الممكن القبول في بعض المراحل الأولية بنشاطات تشارك فيها أعداد محدودة، فلا يمكن ان توصف المقاومة بصفة الشعبية إن اقتصرت على عدد قليل من النشطاء، الذين يتنقلون من موقع الى اخر، مصطحبين بعض المتضامنين معهم أحيانا، و دون أن ينجحوا في إشراك فئات أوسع بما في ذلك أهل موقع الحدث للمشاركة في النشاط.

رابعا –​ المقاومة الشعبية ليست ولا يجب أن تكون مؤسسة رسمية تعتمد على التوظيف للنشطاء، ولا يمكن أن تكون منظمة غير حكومية تعتمد على التمويل الخارجي – بل جوهرها هو المشاركة التطوعية والمساهمة الطوعية. وهي ليست احتكاراً أو حكراً على مجموعة او مجموعات، بل حركة مفتوحة للمساهمات الشعبية المتنوعة على اشكالها.

خامسا-​إن جوهر المقاومة الشعبية يتمثل في مبادئ تجسدت في الانتفاضة الأولى، وهي تنظيم النفس، والاعتماد على النفس، وتحدي إجراءات الخصم والتمرد عليها، أي تحدي الاحتلال الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري وقوانينه. وأسلوبها الرئيسي خلق حالة “الحيرة” لدى الخصم، اي جعله يخسر ان تصدى لفعل او نشاط المقاومة الشعبية، ويخسر ان سمح له بالنجاح.

​وليس ذلك سهلاً دائماً، كما أنه ليس ناجحا بالكامل دوما، ولذلك فإن نجاح فعل المقاومة الشعبية مثل كثير من الأفعال يعتمد :

1) على حسن التخطيط للحدث.

2) على الإمساك بزمام المبادرة والانضباط في التنفيذ.

3) على القدرة على التحكم بكافة مراحل النشاط. التحكم في لحظة البدء والتحكم خلال النشاط واهم شيء التحكم بلحظة انتهائه.

إن أهم هدف للخصم سيكون دفع المشاركين للخروج عن خطتهم وانتزاع زمام المبادرة منهم، وإن نجح في ذلك سيلغي مفعول النشاط لأن حالة ” الحيرة ” لن تتحقق.

ولا بد هنا من ترسخ القناعة بأن معيار القوة هو تحقيق الهدف من النشاط، وليس الاستعراض الكلامي او الجسدي.

كما أن الوجود الإعلامي مهم لحماية النشاط ولردع الخصم من استخدام العنف المفرط، وإحداث التأثير الشعبي المحلي والعالمي.

4) إن قوة المقاومة الشعبية تعتمد على قدرتها على التنظيم والابتكار والتجديد والابداع، وكذلك في قدرتها على المرونة في التعامل مع الظروف المتغيرة.

سادسا- الوحدة، والشراكة، والحزم، في ممارسة المقاومة الشعبية. أولا، الوحدة، وحدة الجميع، ولا شك أن المؤتمر الصحفي المشترك لحركتي فتح وحماس أظهر إمكانية تجاوز الانقسام الداخلي وتعاون جميع القوى الفلسطيني في تنظيم مقاومة شعبية مؤثرة وواسعة.، فغياب الوحدة يضعف المشاركة، وغياب الوحدة يستخدم ذريعة لتبرير التقاعس من قبل المترددين والمشككين، وغياب الوحدة يعزز الطابع الفئوي العصبوي الكفيل بأن يكون سما قاتلا لأي تحرك شعبي.

وثانيا الشراكة، الشراكة في القيادة، والمشاركة في التخطيط، والشراكة في التنفيذ من أعلى السلم إلى أدنى درجة فيه، فبدون الشراكة والإحساس بالملكية الجماعية للفعل النضالي لن يشارك معظم الناس.

والشرط الثالث هو الحزم في تبني إستراتيجية وطنية كفاحية بديلة تتخلى عن وهم إمكانية الوصول إلى حل وسط مع المحتلين، و تؤمن بإمكانية تغيير ميزان القوى عبر هذه الإستراتيجية.