باينريت، حل الدولتين لم يمت وفيما يلي المعطيات

حجم الخط

هآرتس – بقلم شاؤول ارئيلي

جدعون ليفي امتدح في الاسبوع الماضي (“هآرتس”، 12/7) مقال لبيتر باينريت نشره في صحيفة “نيويورك تايمز” الذي كتب فيه بأن حل الدولتين قد مات بسبب عدد المستوطنين في الضفة الغربية الذي لا يمكن التراجع عنه. الاستنتاج العملي للسنوات هو أنه يجب اقامة دولة واحدة. لأنه حسب اقوال باينريت “هدف مساواة اكثر هو واقعي الآن اكثر من هدف الفصل”.

​الاسهام المهم لمراسلين في مستوى باينريت هو احيانا في تقديم مقولة تصف ببساطة واقعا معقدا. ولكن في هذه الحالة فان مقولته تعادل تجربة شرح لماذا الناس في الطرف الثاني من الكرة الارضية لا يسقطون في الفضاء بذريعة أن “الكرة الارضية مستوية”. أمر قابل للاستيعاب، بسيط، لكنه تماما لا يعكس الواقع. لأنه يجدر الاعتراف بالواقع وبالمعطيات الرسمية.

​هناك قولان مكملان متضمنان في موقف باينريت. الاول هو أن عدد المستوطنين حول حل الدولتين الى أمر غير ممكن. والثاني هو أن الحل المرغوب فيه هو دولة واحدة.

​بالنسبة للقول الاول هاكم بعض الحقائق: أولا، نظام الاستيطان الاسرائيلي في الضفة هو نظام انتقائي، لا يندمج مع سكان الضفة. 62 في المئة من قوة العمل تعمل في اسرائيل، 25 في المئة في اجهزة التعليم في المستوطنات والممولة بدرجة مخيفة، ونسبة ضئيلة تعمل في الزراعة والصناعة، التي  فيها 99 في المئة من العاملين هم عمال فلسطينيون. نظام الشوارع للمستوطنات هو فعليا تقريبا منفصل ولا يوجد فيه أي منطق تخطيطي. لا يوجد نسيج حياة مشترك بين المستوطنات المتجاورة إلا في حالات استثنائية، ولا يوجد مشاريع اجتماعية وثقافية بين السكان الفلسطينيين واليهود.

​ثانيا، بالنسبة للوضع الديمغرافي والمكاني: في قطاع غزة الذي يعيش فيه 2.1 مليون فلسطيني، لا يعيش أي اسرائيلي. أي أنه يوجد فصل. 99 في المئة من الاسرائيليين في شرقي القدس يعيشون في أحياء يهودية خالصة، أي أنه يوجد فصل. نسبة الاسرائيليين في الضفة منذ عشرين سنة تقريبا هي نحو 18 في المئة من اجمالي عدد السكان في الضفة، وهي نسبة تشبه نسبة الاقلية العربية في اسرائيل عشية اقامة الدولة. والاسرائيليون المعنيون بذلك يمكن أن نقترح عليهم البقاء في بيوتهم كسكان في فلسطين. من جنوب غوش عصيون ومن شمال نابلس نسبة العرب لليهود هي 40: 1، أي هناك فصل.

​99 في المئة من الاراضي الخاصة هي بملكية فلسطينية. المنطقة المأهولة لمجمل المستوطنات لا تصل حتى الى 2 في المئة من اراضي الضفة. نصف المستوطنين يعيشون في المدن الثلاث الكبرى المحاذية للخط الاخضر والقدس، وفي اطار تبادل الاراضي لاقل من 4 في المئة من المساحة يمكن الحفاظ على سيادة اسرائيلية على 80 في المئة من الاسرائيليين الذين يعيشون خلف الخط الاخضر (بدون ارئيل)، أي يوجد فصل. وهناك امكانية كامنة لاسرائيل لاستيعاب الباقين من ناحية التشغيل والسكن.

​بخصوص الادعاء بأن دولة واحدة هي الحل المرغوب فيه، سأعرض عدة اسئلة قصيرة: كيف يمكن لدولة ناتجها الخام الاجمالي للفرد هو 40 ألف دولار أن تستوعب سكان مع ناتج خام اجمالي للفرد يبلغ اقل من عشر هذا المبلغ؟ هل السكان اليهود سيخاطرون بالهبوط الدراماتيكي وغير المحتمل الذي سيحدث بصورة لا مناص منها في مستوى الخدمات الصحية والرفاه والتعليم عند استيعاب سكان بهذا القدر، الذين 98 في المئة منهم سيصنفون في اسفل السلم الاجتماعي – الاقتصادي، أو أننا سنكون شهود على “هرب الادمغة” وهجرة الشباب؟ هل الفلسطينيون سيخدمون في اجهزة الامن لـ “اسراسطين”؟ ماذا سيكون مستقبل اللاجئين الفلسطينيين، هل سيعودون الى اسراسطين ويحولوا الدولة الى دولة مع اغلبية عربية حاسمة؟ من سيتحمل العبء الاقتصادي لاستيعابهم واعادة تأهيلهم؟ هل شاهد باينريت الاستطلاع الذي اجراه مؤخرا معهد البحوث القومي والذي وجد أن 78 في المئة من الجمهور الاسرائيلي غير مستعدين لاعطاء حق المواطنة أو حق المقيم للفلسطينيين في المناطق التي سيتم ضمها لاسرائيل، أي يؤيد الابرتهايد ويعارض التنازل عن السيطرة اليهودية؟.

​حتى لو مرت سبعين سنة تقريبا إلا أن اقوال لجنة التقسيم في 1947 بأنه “يوجد الآن في فلسطين… يهود… وعرب، يختلفون عن بعضهم البعض في نمط الحياة وفي المصالح السياسية”، هذه الاقوال ما زالت سارية المفعول. هذه الفروق تغذي “الصراع بين حركتين قوميتين مطالبهما محقة، وليس بالامكان التوفيق بينها إلا من خلال التقسيم”، كما كتب قبل عقد من ذلك في تقرير لجنة بيل.

​دكتور باور موهان، نائب المندوب السويدي في اليونسكو – الشخص الذي أعد خارطة التقسيم غير الممكنة في 1947 – شرح اقتراحه باقامة فصل سياسي الى جانب وحدة اقتصادية للدولة اليهودية والدولة العربية هكذا: “حاولت توحيد فكرتين لا يمكن التوفيق بينهما، أمل لتعاون يهودي – عربي وخوف من عداء يهودي – عربي…”. وقد احتاج الى يوم واحد فقط بعد المصادقة على قرار التقسيم عند اندلاع حرب الاستقلال، كي يعرف أن اقتراحه غير عملي، وأن الخوف من العداء تغلب بشكل كامل على الأمل في التعاون غير الممكن المطلوب من الطرفين.

​نعم، امكانية حل الدولتين الآن ضعيفة جدا. ولكن ليس بسبب عدد المستوطنين. التوجهات التي تميز مشروع الاستيطان في العقدين الاخيرين – هبوط دراماتيكي في الهجرة الى الضفة من داخل اسرائيل، وزيادة عدد السكان التي تقوم بالاساس على التكاثر الطبيعي في اوساط الاصوليين في المدينتين اللتين اقيمتا على الخط الاخضر. وهبوط متواصل في التصنيف الاقتصادي – الاجتماعي وما شابه، تدل على أنه ليس بوسعها انهاء حل الدولتين. ومثلما اوضحت في مرات كثيرة، هناك امكانية مادية – مكانية لهذا الحل بالنسبة للقضايا الاربع الاساسية في النزاع وهي الحدود والقدس والامن وقضية اللاجئين.

​الاحتمال المتدني لحل الدولتين ينبع من غياب الاحتمالية السياسية، بالاساس في الطرف الاسرائيلي. يكفي أن نذكر بـ “تصريح شمير” الذي وقع عليه في السنة الماضية اكثر من اربعين وزير وعضو كنيست من اليمين، تعهدوا فيه بأن يعملوا على الغاء حل الدولتين واقامة دولة واحدة لشعب واحد في ارض اسرائيل.

إن عدم معرفة باينريت للحقائق المكانية – الديمغرافية – الاجتماعية والتوق الصادق لليفي من اجل المساواة، أديا الى الاستنتاج بأنه يمكن اقامة دولة واحدة دون فحص مجمل الجوانب السياسية والثقافية والامنية والاقتصادية المرتبطة باقامتها. يجب على ليفي أن يعرف بأنه لا يمكن فرض حياة مشتركة على الشعوب التي لا تريد ذلك ولا تحترم بعضها البعض. وباينريت، رجل العلوم السياسية، يجب عليه التركيز على تفسيرات لانعدام الاحتمالية السياسية حيث هناك قوته، وأن يقترح خطوات يمكن أن تؤدي الى التغيير.