الكيان الصهيوني بدأ بالانهيار.. فرصة اليسار النائم مازالت قائمة

حجم الخط

يقلم بسام ابو شريف 

 

استمعنا عبر مشاهدة برامج عديدة على شاشات التلفزيونات العربية والعبرية لوجهات نظر تحليلية لأسباب التناقض الحاد في المجتمع الاسرائيلي، هذا التناقض الذي أدى الى اندلاع مظاهرات حاشدة ضد نتنياهو وتطالب باستقالته، وتصطدم بمظاهرات مؤيدي نتنياهو .

وبلغت الحدة في التناقض حد استخدام العنف من قبل مؤيدي نتنياهو ضد معارضيه، وشاهدنا أن الشرطة والأمن والجيش لم يحاولوا منع اعتداء أنصار نتنياهو على معارضيه، وتنبهنا الى صراخ المسؤولين الباكي يناشدون المتظاهرين عدم الانزلاق الى حرب أهلية .

وجهات النظر التي سمعناها تقوم على أسس تحليلية سليمة، وجميعها تصب في شرح واقعي لما يجري، لكن هذه الآراء لم تصل الى نواح هامة جدا تنتشر هذه الأيام في عقول ومشاعر الاسرائيليين، لذلك سنحاول أن نشير الى بعض هذه المسائل لما لها من تأثير على المستقبل القريب للكيان الصهيوني، والصراع العربي الصهيوني في ظل معادلات جديدة أهمها فشل الولايات المتحدة واسرائيل في فرض مخططاتها على المنطقة نتيجة لصمود محور المقاومة الممتد من طهران الى القدس.

اذا كان أغلب المحللين يميلون لفرز الاسرائيليين بين يمين، ويمين متطرف فأنا أعتقد أنهم يرتكبون خطأ في هذا المستند، فالاسرائيليون يتأثرون بآراء الحزب الحاكم وتطميعه للاسرائيليين عبر وعود وهمية للانتصار في التوسع، واقامة اسرائيل الكبرى لكنهم في الوقت ذاته سريعين في الانتكاس من هذا المطمع الى ” الضبضبة “، والتقوقع عند أول هزيمة كبيرة فآراؤهم وان طمعت دائما للتوسع تتراجع عن ذلك بسرعة الهزائم السياسية أو العسكرية أو المعنوية التي تلم باسرائيل، ينتصر الليكود في الانتخابات عندما يظن الاسرائيليون أن مخطط التوسع يسير بتتابع ونجاح، ويخسر الليكود عندما تتهاوى وعود الليكود بفشله في تحقيق انتصار أو توسع، ولذلك يقوم نتنياهو باستخدام الغارات الصاروخية ضد أهداف في سوريا ليعوض عدم تحقيق انتصار واضح على صعيد مخطط  التوسع، ويأمر بتهجير أهالي القدس والسيطرة على مناطق مقدسية مثل وادي الجوز وسلوان والعيسوية وجبل المكبر للتدليل على سيره قدما في التوسع .

وأهم من هذا، هو تصعيد نتنياهو عددا وعدة لزحف أنصاره بحماية الجيش والشرطة نحو الحرم القدسي والتلويح لليمين ببناء الهيكل تعويضا عن فشل المخطط الأشمل، وهو صفقة ترامب / نتنياهو، ومع حلول العيد برهن نتنياهو عن فشل ذريع في تنفيذ مخططاته بمعركة خاضها في باحات المسجد الأقصى، فقد تحول الحرم الى ” ثكنة عسكرية “، يستنفر فيها أكثر من ثلاثة آلاف جندي وشرطي وقوات خاصة، وحاول جنود بالمئات يلبسون اللباس المدني ( ينتمون لأحزاب متحجرة الأفكار )، تحت علم الاستيطان وبناة الهيكل الاقتحام من عدة مداخل، واشتبكوا مع الشباب الفلسطيني الذي توافد لأداء صلاة العيد، واعتقلت القوات المحتلة العشرات من الشباب .

هذه معركة قررها نتنياهو تعويضا عن فشله في شمال فلسطين المحتلة، ولرفع معنويات الليكود التي انحطت بسبب انكشاف كذب نتنياهو، وفضيحة اطلاق النار من طرف واحد واحتفاظ حزب الله بوعده بالرد على جرائم جيش الاحتلال، فقد استمر القلق والرعب والتخوف مما ستحمله الأيام القادمة لاسرائيل .

ماهو الوضع الداخلي واقعيا

يخشى نتنياهو من تدحرج كرة الثلج لدى الجمهور الاسرائيلي، والكرة التي نقصدها هي الانكفاء عن مشروع ضم الضفة الغربية، فهذه الكرة ان تدحرجت عبر عوامل مختلفة فسوف تنتهي برفض الجمهور لفكرة الضم لما تحتويه من خطر على واقعهم الاقتصادي والأمني وليس رفضا ايديولوجيا، أو لعدم وجود الأطماع التوسعية .

سيكون موقفا مصلحيا نابعا من رغبة الاسرائيليين بالحفاظ على مايجنونه من الاحتلال كما هو  ويخشى أيضا من اتساع غير مسبوق لشعور العداء الذي بدأ يكنه ” الاسرائيليون “، للمستوطنين، وقد وصل الأمر الى حد أن اطلاق لقب مستوطن على مواطن اسرائيلي أصبحت “كمسبة”، أو نعت مسيء (أنت واحد مستوطن)، شتيمة في المجتمع الاسرائيلي  فالاسرائيليون قسموا أنفسهم الى اسرائيليين أصليين، والى مستوطنين مصلحيين يهددون استقرار الاسرائيلين الأصليين، ويهددون أمنهم ومصالحهم الاقتصادية، وينظر الاسرائيليون بغضب الى كمية الأموال التي تصرف على المستوطنات والمستوطنين، وكمية المساعدات وينظرون بنقمة وحسد شديدين لاستثمار الحكومة والمال اليهودي، والتبرعات الاميركية في اقامة مشاريع زراعية وصناعية في المستوطنات، وينظرون بغضب أكبر على القوانين التي شجعت شركات اوروبية واميركية على اقامة مصانع ضخمة لها على ركام قرى فلسطينية تم تجريفها كليا كما فعلت شركة لوريال .

أحدث هذا شقا يزداد عمقا في اسرائيل بين الأصليين والوافدين، بطبيعة الحال لايعبر الرافضين لامتيازات المستوطنين عن ذلك بشكل مباشر اذ بقيت مظلة الأطماع الصهيونية بالتوسع، هي التي تغطي كل المجتمع رغم ما يعمل فيه من عوامل التفسخ والتناقض .

من ناحية اخرى فقد نسبة عالية من الاسرائيليين الثقة بمصداقية الحكومة ورئيس الحكومة، وترى الغالبية ان ما يقوله حزب الله، هو أقرب للحقيقة مما تسمح بنشره أجهزة الرقابة المخابراتية الاسرائيلية، وأكبر دليل على هذا النكات و” التريقة “، الاسرائيلية على تناقضات ماسربته أجهزة أمن مختلفة عما جرى في شمال لبنان، وأصبح ذلك مصدرا للتنكيت على نتنياهو والأجهزة، لكن الأخطر وقعا هو اهتزاز ثقة الاسرائيليين ” بشكل عام “، بقدرة الجيش الاسرائيلي على مواجهة محور المقاومة وتحديدا كما يلخصه الاسرائيليون محور  “حزب الله”، أو “محور نصرالله”.

اهتزاز ثقة الاسرائيلي بقدرة الجيش على حماية الاسرائيليين قضية جوهرية، وتصيب الصهاينة في الصميم وتذكرهم بحرب 1973، وبيان موشي دايان وتذكرهم بحرب 2006، وهزيمة ” المركفاه “، المدوية .

يعيش الاسرائيلي ” المواطن “، قلقا ورعبا شديدا من المستقبل ولايعلم ما الذي سيحصل، وكما وصف أحد ضباط العدو المتقاعدين : ” يفكر الاسرائيلي ماذا سيفعل ان هو رأى الجنود السوريين، أو رجال حزب الله على شواطئ بحيرة طبريا ؟ “، هذه الحالة أدت الى انهيار غير ظاهر للدولة الصهيونية، فانهيار الدولة بدأ في عقول نسبة معينة من الاسرائيليين، وبما أن المجتمع الاسرائيلي قائم على تجميع لتشكيلات خلفيات ثقافية مختلفة، فان الشك باستمرار الكيان في الحياة أصبح طاغيا، وبدأ البعض بالتفكير بالبدائل وسؤالهم متى سنرحل عائدين من حيث أتينا، وتشعر التجمعات اليهودية العربية بأن وضعها هو الأصعب، فهنالك يهود عراقيون ومغاربة ويمنيون وسوريون ولبنانيون، وفوق هذا يهود مصريون يشكلون بمجملهم نسبة عالية لسكان اسرائيل، ومازالوا يستمعون لام كلثوم و” فوق النخل “، والمداح والغزالي وفي حفلات المغاربة لاتدق الا أغاني وموسيقى المغرب .

أين سيذهبون ؟

ربما يشجعهم اعلان من كل بلد من بلدانهم ترحيب البلد بعودتهم الى بلادهم الأصلية، هذا هو وضع اسرائيل اذا أضفنا اليه ماسبق أن قاله العديدون في تحليل استراتيجية نتنياهو واليمين، وهنا تبرز أهمية التفكير والتخطيط، والفعل المتقن لتسريع الانهيار،  وايجاد المخارج لمن يريد أن يرحل عن أرض قلسطين .

المقاومة الجدية والوضوح بما لايطاله شك بأن القرار المقاوم، هو قرار ازالة الكيان العنصري، وان من يريد أن يقيم على أرض فلسطين تحت نظامها الديموقراطي من اليهود مرحب بهم اذا التزموا بهويتهم الفلسطينية، وتساووا في الحقوق والواجبات مع أصحاب البلاد الفلسطينيين .
وللفلسطيني كامل الحق بأن يعود لأرضه وبلدته وقريته، وأن يعيد بناء ماهدم من قراه، وأن يعيد بناء فلسطين الحرة المستقلة كاملة السيادة، وأن يكون نظامها ديموقراطيا أصيلا وليس مزيفا كما هو في الكيان العنصري الصهيوني، لاشك أن نسبة ضئيلة من الاسرائيليين تفكر بهذا الآن، لكن تدحرج كرة الانهيار سوف يزيد النسبة بتسارع غير مسبوق .

* كاتب وسياسي فلسطيني .