الشباب لا يحتاج يوماً للإحتفاء الشكلي، ولا ينتظر من أحد جعجعة فارغة تستغل معاناتهم في سبيل تحقيق منافع ذاتية وشخصية، فالطاقات الجمة التي يتوافر عليها الشباب أحق أن تستثمر بشكلٍ حقيقيٍ يضمن لهم مستقبلاً أفضل، ويضمن للوطن السمو والارتقاء على سلم التقدم والإزدهار.
صدق من قال يوماً إن أردت معرفة أحوال أمةٍ بحق فانظر إلى شبابها، فالواقع المخزي الذي يعيشه المجتمع العربي والفلسطيني على وجه الخصوص نابعٌ من بوتقة الجهل والتخلف لقيادة العجزة التي تقبض على زمام الحكم في المنطقة، والتي لا تنفك عن تضييق السبل وإغلاقها أمام نبوغ الشباب وتبوأهم مواقع قيادية متقدمة في شتى المجالات، على الرغم من أن جميع نماذج النجاح دون استثناء من المجتمعات التي استطاعت بناء نفسها بنفسها بعد الدمار، وانتشلت نفسها من خانة التخلف إلى أفق التميز والإزدهار، وخلقت حالة من الإعجاز في تفوقها على العديد من الدول العظمى حول العالم، كانت ترتكز في مشاريعها على الشباب وتفتح أمامهم جميع الأبواب للإجتهاد والتخطيط ورسم معالم الدولة التي يصبون الوصول إليها ولنا في ذلك الكثير من النماذج مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية والبرازيل.
لقد أثبت التاريخ أن الرهان الرابح دوماً هو الذي يكون عنوانه الشباب، كما أثبت فشل المقياس الذي يعتمد على السن كمحدد يشير إلى حجم الخبرة والقدرة على تولي قمرة قيادة مؤسسات الدولة الحكومية والمدنية، وإدارة كبرى المشاريع والشركات، ولعل التوجه العالمي في الآونة الأخيرة يثبت صحة هذا الطرح، حيث تتجه جُل الدول المدنية المتقدمة لإعطاء فرص أكبر للشباب لتبوأ مواقع متقدمة، لنرى جُملةً من السفراء والوزراء ورؤساء حكومات ورؤساء دول لم يتعدى عمرهم ال35 ربيعاً، وعلماء ومخترعين وناشطين ومنسقين لمشاريع عالمية ضخمة ورؤساء مجالس إدارة كبرى الشركات ورجال أعمال وخبراء إقتصاديين بسن أقل من ذلك بكثير.
لذلك فما يحتاجه الشباب في هذه المرحلة العصيبة التي تعصف بالواقع العربي، والتي يمكن عنونتها "بمرحلة السواد الأعظم" في تاريخ أمتنا العربية والشعب الفلسطيني، هو إعطاء فرص حقيقية للشباب وفتح المجال أمامهم للإنطلاق في مرحلة بناء وطني حقيقي تقضي على كل معالم الرجعية والتخلف، وتنتشل البلاد من مستنقعات الوحل والظلام إلى مرحلة بزوغ فجرٍ جديد عنوانه الأمل والعمل، ونسف الظروف التي ولدت حالة الإحباط المستفحل واستبدالها بأجواء إيجابية وصحية تصلح أن تكون أرضيةً خصبةً نزرع فيها آمال وتطلعات الشعوب، لنحصد ثمارها مستقبلاً مشرقاً لأبناءنا، وتميزاً مبهراً نضاهي به الأمم.