محكمة العدل العليا نسيت ماذا يعني أن تكون يهوديا

حجم الخط

هآرتس – بقلم تسفي برئيل

قرار محكمة العدل العليا الغاء أمر هدم بيت نظمي أبو بكر من قرية يعبد قرب جنين وضع معيار جديد، تاريخي بطبيعته وثوري بتداعياته. يمكن أن نذهب أبعد من ذلك ونقول، نظريا، إن القرار من شأنه أن يقطع ارجل سياسة هدم البيوت بشكل عام. نظريا، لأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي وصف القرار بأنه “بائس”، سارع الى التعهد بأن هدم البيوت سيستمر لأن “هذه هي سياسته”. أبو بكر هو الشخص الذي ألقى في شهر أيار الماضي على قوات الجيش الاسرائيلي طوبة بوزن 10 كغم من فوق سطح بيته في يعبد، وبسبب ذلك قتل الجندي عميت بن يغئال.

​لو أن هذه الحادثة وقعت قبل خمس سنوات، عندما كانت رئيسة المحكمة هي مريام ناؤور، لكان يمكن التخمين بأن النتيجة كانت ستكون مختلفة تماما. في النقاش الذي جرى برئاسة ناؤور في تشرين الثاني 2015 حول الاستئناف ضد هدم خمسة بيوت لمخربين، قالت بشكل قاطع إن “هدم البيوت في الحقيقة يعتبر خطوة صعبة وقاسية، بالاساس بسبب ضرره على أبناء عائلة المخرب، الذين احيانا لم يساعدوه ولم يعرفوا عن خططه. ولكن مع الاخذ بعين الاعتبار القوة الرادعة لاستخدام هذه المادة، احيانا لا يوجد مناص من القيام باستخدامها”. لم يكن في هذه المعادلة القضائية شفقة على فلسطينيين أبرياء.

​في هذا الاسبوع هز القضايان مناحيم مزوز وجورج قره القواعد التي وضعت عليها ناؤور حكمها. “لا تنسب النيابة أي علاقة للمرأة والاولاد بالافعال الاجرامية لوالد العائلة – سواء بالمساعدة أو بمعرفة نيته بتنفيذ العملية أو تأييد افعاله لاحقا”، كتب مزوز واضاف “من هنا فان المس بالبيت يشكل في المقام الاول مس بزوجته واولاده الذين بقوا يعيشون في البيت الذي سيتركهم هدمه بدون مأوى”.

​خلافا للقاضية ناؤور فان مزوز وقره لم ينفعلا من مبدأ الردع الذي يقف في اساس سياسة هدم البيوت، التي تم تجديدها في العام 2015. فقد وصفوا الهدم كعقاب عن طريق خلق فصل راسخ بين المتهم (الذي لم تتم ادانته بعد) وبين ابناء عائلته – الزوجة والاولاد الثمانية، الذين لا يجب عقابهم على افعال والد العائلة. العقاب هو مفهوم حاولت حكومات اسرائيل التهرب منه. أي أنها عاقبت وبصورة ظالمة، لكنها منحت العقاب صفات صديقة للبيئة مثل الردع. حيث أن دولة قانون كما تريد اسرائيل أن تظهر صورتها في نظر نفسها وفي نظر العالم، تعاقب فقط من خلال اجراءات قانونية وليس بعمل تخريبي فظيع ضد الممتلكات.

​هذا هو ايضا السبب الذي من أجله لم تقلق مسألة براءة العائلة الجهاز القضائي خلال عشرات السنين. معاقبة العائلة اعتبرت ردع، واذا كان المتهم مذنبا فان جميع افراد البيت مذنبون. المحكمة العليا “القديمة” والمخلصة وافقت بدون نقاش على ادعاء الردع بالكامل، وكان من المريح جدا لها أن تصدق بأن هدم البيوت وهدم العائلات يخدم الحرب ضد الارهاب. ولكن عدم صلاحية هذا الافتراض تم اثباته في السنوات الخمس التي مرت منذ أن أيدت ناؤور على صيغة الهدم من اجل الردع: خلال هذه السنين هدم الجيش اكثر من 60 بيت وشقة لمخربين لم يرتدعوا من هذه العملية. بالطبع يمكن الادعاء بأن عدد المخربين كان سيكون أعلى كثيرا لولا الردع الموجود في عملية الهدم. ولكن مثلما في كل ادعاء خيالي آخر، ليس له أي اساس يستند اليه.

​ليس مفاجئا أن رئيس الحكومة انقض بغضب على المحكمة، وعضو الكنيست شلومو كرعي (الليكود) قال: “جرافة دي9 هي قفازات حرير مقابل ما يحتاجه حقا جهاز انفاذ القانون والقضاء في اسرائيل”. لا شك أن محكمة عليا كهذه لا تتفق حسب رأيهم مع قيم دولة يهودية تعتبر نفسها تقوم بدور الاله الذي يلقي خطيئة الآباء على الأبناء. المحكمة العليا التي تحرم الدولة ومواطنيها اليهود من فرحة الانتقام، هي نفسها تستحق هدم رادع.