حول الاجتماع مع رئيس الوزراء

ريما كتانة نزال.jpg
حجم الخط

بقلم: ريما كتانة نزال

بعد مرور أكثر من عام على حَلْف الحكومة الثامنة عشرة اليمين، استقبل رئيس الوزراء الأمانة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية بناء على طلبها.
يقولون في كل تأخيرة خيرة، وكان الاجتماع كذلك رغم أن المصطلح برأيي يحمل معاني اختلاق الأعذار والتباطؤ.
التأخير منحنا الوقت الكافي لتحديد الأرض التي نقف عليها في العهد الجديد، وساعدنا الوقت لاستيعاب المواقف، بسبب أن الفترة التي غصت بالمواجهات المجتمعية مكنتنا من فحص الإرادة بميزان الذهب الحساس، وظهرت الخارطة واضحة أمامنا.
بعد الاجتماع، وعلى الرغم من تغطية الاتحاد وقائع اللقاء بالتفصيل، بما فيه أجندته ونتائجه، إلا أن الاتصالات مع عضوات الأمانة العامة، سواء من قبل وسائل الإعلام ومن المراكز الحقوقية والنسوية الباحثة عن التفاصيل والمعلومات الدقيقة وعلى وجه الخصوص الاستيضاح حول مصير «قانون حماية الأسرة من العنف»، الذي شهدت مسوداته الشدّ والجذب في الفترة الأخيرة وشُنت هجمة شعواء عليه واتهم بالتعارض مع الشريعة، وجمعت التواقيع للمطالبة بإلغائه دون تحديد البنود المتعارضة مع الدين، حوّل الصراع على القانون كأم المعارك.
لا شك في أن الحكومة ومنذ استلامها مقاليدها واجهت العديد من التحديات المعروفة ما اقتضى تعديل برنامجها، بدءاً بسياسات الاحتلال في طريقه نحو تقويض المشروع الوطني بما فيه البدء بخطط الضم وحجز الأموال مروراً بانتشار الوباء ومصاعب مواجهته في الحالة الفلسطينية المُركّبة، انتهاءً بمعالجة ما طفا على السطح من الإشكالات الإدارية وأشكال الصراعات الداخلية المتعارف عليها بين مراكز القوى في داخل السلطة.
بعض التحديات السابق ذكرها وحسب التعبير المستخدم من قبل د. اشتية؛ بمثابة انقلابات قلبت الأولويات رأسا على عقب، عدا الارتدادات المتشكلة نتيجتها.
برأيي أن بيت القصيد يتمثل في انقلاب الأولويات الذي جعل صياغة خبر الاتحاد عن الاجتماع يحتوي على جزئية الغموض البنَّاء، وهو ما لا يُشفي صدور المهتمات والمهتمين بالشأن المجتمعي كما لم يُشفِ غليلنا، حيث لا يقين لديّ على الأقل بمصير قانون حماية الأسرة بسبب الهجمة الأصولية والتسييس المقصود للقانون، فأصبح رأس حربة.
في كل الأحوال، فقد أقر رئيس الوزراء بوضوح لا يقبل التأويل، أن قانون حماية الأسرة من العنف من مسؤولياته وصلاحياته، لكنه امتنع عن تحديد الموعد المتوقع قبل صدوره، وهو ما من المفترض أن يبدأ العداد بالحساب منذ بدء القراءة الأولى للمسودة التي وقعت في حزيران الماضي ولا بد أن تُسْتتبع بالقراءات الثانية والثالثة وفقا للاجراءات المتبعة، ما يجعل إحدى مهمات المجتمع المتأذي من تأخيره الاستمرار في الضغط للتسريع بإقراره لضرورته الاستثنائية، دون الاستشهاد بالأرقام المسجلة في خانة العنف الأسري للدلالة على أهمية وسرعة إقراره.
الجانب الأهم في الطرح المقدم من د. اشتية والذي ينبغي أن يحظى بالنقاش المعَمَّق يتمثل في انقلاب الأولويات في أجندة الحكومة الذي أتفهمه؛ بحدود. فالأولويات في فلسطين تنطلق من الثوابت المعروفة، تبعاً للثبات في الواقع الفلسطيني تحت الاحتلال الذي يتخذ صفة الديمومة، جاعلاً من المحور الوطني في صدارة أولويات جميع البُنى، مهما اختلفت أهدافها ومجال اختصاصها ورسالتها ومسؤولياتها ضمن مفهوم الثنائيات، ازدواجية البرنامج الوطني والاجتماعي، الذي اكتسب بعد تأسيس السلطة ضمن اتفاقية «أوسلو» المزيد من التسليم والاعتماد للثنائيات، كأحد المبادئ في معادلة تلازُم المسارات. 
هذا ما ينبغي التركيز عليه، حيث يُلاحظ أنه رغم التسليم والترويج لمبدأ تلازم المسارات وازدواجية البرنامج الوطني والديمقراطي في الحالة الفلسطينية، أن المبدأ يخضع للاعتبارات والمناخ العام والبيئة المحيطة..وملف المرأة في هذا السياق أكثر ما يتعرض لأشكال من التناقض المفتعل مع المبدأ الذي يتبناه الجميع، الفصائل والأحزاب وفي النقابات والاتحادات الشعبية والجمعيات، يتآكل المبدأ ويتعرض لأشكال من الحتّ والتآكل حتى التذويب. فباسم الأولويات صمتت الحكومة عن الاجتماعات العشائرية المطالبة بإسقاط اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي انضمت لها الدولة كأحد أعمال السيادة، بالتالي صمتت عن مطالبتها بأن تستمر في نهج التمييز وعدم المساواة ضد المرأة. وباسم الأولويات وضع على الرف قانون الاحوال الشخصية وقانون العقوبات، وباسم الأولويات حاليا تتم المطالبة بإسقاط قانون حماية الأسرة بمعنى المطالبة بإبقاء العنف مسلطاً على رقاب الفئات المهمشة والضعيفة، المرأة والمسن والطفل وصاحب الإعاقة!
ما ابتسر من النقاش مع رئيس الوزراء لا بد من تعويضه لاحقاً كما وُعِدْنا، يتمحور حول ثنائية النضال الوطني التحرري والاجتماعي التحرري كمبدأ مقرّ في النص والبرنامج النظري، بمعنى النضال الشامل الذي ينخرط فيه الشعب الفلسطيني بأسره، بكل فئاته وقطاعاته الاجتماعية في الوطن والشتات للخلاص من الاحتلال وحق العودة وبناء الدولة المستقلة.
ولكن فور محاولة ترجمته وتطبيقه ليتواءم مع فكرة التمكين وفك القيود المكبلة للقطاعات الاجتماعية للقيام بدورها الوطني، من خلال عكس مصالح وتطلعات القوى الاجتماعية التي يمثلونها في المجالات المختلفة، الاقتصادية والقانونية والاجتماعية والسياسية، وأخذهم مواقع مؤثرة في بنى الحركة الوطنية والدولة كأحد حقوق المواطنة.
باسم الأولويات يتم كسر أحد جناحي تنفيذ البرنامج الشامل والمترابط. لأن المرأة تأتي ضمن مفهوم الحيز المتاح ومفهوم الاحتياط، في الثقافة السائدة لدى أصحاب القرار بمختلف توجهاتهم؛ بمعنى أن حقها في المواطنة موقوف عملياً، والفرق كبير بين أن تكون الأنثى مواطنة لها من الحقوق والواجبات ما للمواطن الذكر، وبين وضع قوالب ومعايير خاصة للمرأة كمخلوق آخر تقود إلى استمرار التمييز واللامساواة وبين قالب إنساني يخضع الجميع لمعاييره.