الاتفاق مع الامارات يضع اسرائيل في قلب النزاعات في الشرق الاوسط

حجم الخط

هآرتس – بقلم تسفي برئيل

اتفاق التطبيع الذي يتوقع توقيعه بين اسرائيل واتحاد الامارات يطرح من قبل رئيس الحكومة كفرصة اقتصادية ستفتح اسواق جديدة أمام الشركات الاسرائيلية، وسيرسخ رسميا التعاون بين الدولتين في مجالات البحث والطب والحواسيب. هذا بلا شك ايضا انجاز سياسي يحمل في طياته امكانية كامنة لاتفاقات سلام مع دول عربية اخرى مثل البحرين وعُمان والسعودية. مستشار وصهر الرئيس الامريكي ترامب، جارد كوشنر، قال في السابق في “ان.بي.سي” بأن “التطبيع بين اسرائيل والسعودية هو أمر مفروغ منه”، دون الاشارة الى موعد، ولكن ايضا دون نفي الرياض.

​الاتفاق يضع اسرائيل على محور الدول المتورطة عسكريا وسياسيا في الحروب وفي العمليات التي تجري في الشرق الاوسط. وبهذا، هو يضعها ايضا على لوحة الهدف. هذا محور اعتيد على تسميته بالمحور المناهض لايران، لكن هذا تعريف مقلص وهو غير دقيق تماما.

​دولة الامارات تطورت في السنوات الخمس الاخيرة الى دولة عظمى اقليمية صغيرة، تم اشراكها ايضا في حرب اليمن. وهي تعمل مع مصر والسعودية وفرنسا وروسيا ضد تركيا وقطر في الساحة الليبية. وقد استأنفت العلاقات الدبلوماسية مع سوريا الاسد. وخططت مع اسرائيل ومصر ولبنان بناء انبوب لنقل الغاز من الحقول في اسرائيل ومصر وقبرص ولبنان الى ايطاليا. المشروع الذي تم تجميده بسبب انخفاض اسعار الغاز وبسبب ازمة الكورونا، لكن لم يتم الغاءه، استهدف منافسة وحتى المس بالمشروع التركي لنقل النفط والغاز من ليبيا الى اوروبا، بعد التوقيع على التحالف الاستراتيجي بين تركيا وليبيا.

​التوتر بين تركيا ودولة الامارات غير جديد. فبين الدولتين اللتين حتى قبل عقد كانت بينهما علاقة وطيدة، والعلاقة التجارية بينهما قدرت بسبعة مليارات دولار في السنة، يسود الآن عداء شديد الى درجة أن سفير الامارات في واشنطن، يوسف العتيبة، قال إن تركيا هي العدو الاكثر خطورة على الدول العربية. قبل ثلاث سنوات، عندما فرضت السعودية ومصر والبحرين والامارات مقاطعة اقتصادية على قطر، تركيا هي التي هبت لمساعدتها. وقد ارسلت اليها قطار جوي مستعجل من الغذاء والاحتياجات الاساسية، وأقامت قاعدة عسكرية في الدوحة وأدانت دول الخليج بسبب سلوكها مع قطر.

​تركيا التي تمنح رعايتها للاخوان المسلمين خلافا لدولة الامارات التي تعتبرهم عدو ومنظمة ارهابية، والتي تحاول الآن الانضمام الى جهود اعادة اعمار لبنان، تثير مخاوف دول الخليج. هذه الدول تقدر بأن رجب طيب اردوغان يحاول سحب البساط من تحت أقدام السعودية التي هي حتى الآن تعتبر راعية السنة في لبنان. وليس غريبا أن رد اردوغان على الاتفاق بين اسرائيل والامارات كان اكثر شدة حتى من رد ايران. وقد اعلن في الاسبوع الماضي بأنه يفحص قطع العلاقات مع أبو ظبي، في حين أن ايران أدانت الاتفاق فقط ولم تهدد بقطع العلاقات. وسبب ذلك هو أن ايران بحاجة الى دولة الامارات كمحطة لعبور البضائع وبسبب كونها تستضيف ثلاثة آلاف شركة ايرانية، الكثير منها تحت سيطرة حرس الثورة الايراني. من المثير للاهتمام أن اردوغان يسعى الى معاقبة الامارات، في حين أن تركيا نفسها لها ممثلية دبلوماسية في اسرائيل.

​الفلسطينيون الذين يظهرون الآن مثل أكبر الخاسرين من الاتفاق لا يمكنهم الادعاء بأنهم تفاجأوا أو أنه تمت خيانتهم. وبرود الدول العربية وتجاهل الجامعة العربية التعهد بتحويل نحو 100 مليون دولار شهريا للسلطة الفلسطينية ووقف الضغوط السياسية على اسرائيل من قبل دول رائدة مثل مصر والسعودية والهدوء النسبي الذي خلاله تم نقل السفارة الامريكية الى القدس والاعتراف بضم هضبة الجولان – كل ذلك ليس وليد السنة الاخيرة.

​المبادرة العربية التي تمت المصادقة عليها في العام 2002 في قمة الجامعة العربية في بيروت، كانت غير ذات صلة. والآن، بعد خطوة دولة الامارات، لفظت أنفاسها. حسب المبادرة فان التطبيع مع اسرائيل سيحدث فقط اذا انسحبت اسرائيل من جميع الاراضي، ومنها ايضا هضبة الجولان. تجميد الضم بالتأكيد لا يلبي هذا الشرط، ويبدو أنه حتى السعودية حررت نفسها من قيود المبادرة التي تحمل اسمها.

​السلطة الفلسطينية التي رفضت في الشهر الماضي استقبال ارساليات مساعدة طبية وصلت اليها في طائرات هبطت في مطار بن غوريون “حتى لا تستخدم كجسر للتطبيع مع اسرائيل”، تجد نفسها امام عرض تطبيع فاقع. محمود عباس استدعى للتشاور سفير فلسطين في أبو ظبي، ودعا الى عقد قمة خاصة للجامعة العربية. ولكنه يعرف أنه لا يمكنه الذهاب بعيدا لأنه في اتحاد الامارات يعيش ويعمل نحو 150 ألف فلسطيني، معظمهم في دبي. والاموال التي يحولونها الى الضفة هي مكون مهم في مدخولات الاقتصاد الفلسطيني.

​ولكن رضا اسرائيل عن عزل الفلسطينيين لا يمكن أن يخفي الفيل الكبير الذي يربض في الضفة والقطاع. مثلما أن اتفاقات السلام مع مصر والاردن لم تمنع اندلاع الانتفاضات في المناطق ولم تهديء قطاع غزة، هكذا ايضا الاتفاق مع الامارات لن يزيح عن اسرائيل المسؤولية عن الحياة في المناطق المحتلة.