كثر الحديث عن التطبيع بين الانظمة العربية واسرائيل ، وبين ماهو منظور وما هو في الانتظار . ولم يخرج هذا الحديث او هذه المواقف عن مضمون التطبيع في هذه الاونة ، وفي هذا التوقيت ، والمعايير المزدوجة في التعامل مع تلك الظاهرة من قبل النظام السياسي الفلسطيني ، حيث يتعامل بفرضيات الامر الواقع مع ما مضى من تطبيع وخاصة من قبل دول مهمة من دول الطوق . وتعامل فيها هذا النظام السياسي مع تلك الدول بنعومة وتشابك في المواقف السياسية والدبلوماسية وبما يخدم مصالحة واطروحاته ومن خلال منظور اتفاق اوسلو الذي لم يعلم عنه العرب الا بعد صياغة الاتفاق ، الغريب ان هناك ضجة فلسطينية سواء من النظام المنفصم على نفسه في الضفة وغزة او من الاخوان ومحوره في المنطقة على ما اقدمت عليه الامارات العربية من الاعلان عن معاهدة سلام بينها وبين اسرائيل . واتهامات بببيع القدس وفلسطين والقضية ، اي خروج الامارات من التعريف القومي للصراع كفلسطين قضية العرب الاولى الى حيز اعادة ترتيب دول الشرق الاوسط ، والحلول الشرق اوسطية التي تكون فيها جزئية فلسطين جزئية ثانوية وليست رئيسية في هذه الترتيبات ، اي صياغة المعادلات الاقليمية وقواها في المنطقة ، وهذا واقع ، لا يمكن التغافل عنه ، باثارة العواطف والاشجان القومية التي مضت ، فالعالم تغير وسيتغير في صراع اقتصادي ياخذ شكل الحروب المختلفة التي سيتبلور عنها جغرافيات جيوسياسية اخرى ومعادلات ستفرض نفسها على ماهية عملات النقد الدولي ، وسباق الجيل الخامس الذي بدأته الصين ، وغزو الفضاء لكثير من الدول الطموحة التي ستلتحق بالركب عبر سفن الفضاء والاقمار الصناعية ، التي سجلت فيه الامارات العربية من قريب تسجيل نحو غزو الفضاء .
التاريخ لا يرجع للخلف ولا يعيد نفسه ، بل دائرة المصالح ومربعاتها تتغير من زمن لاخر .. والاغبياء هم من لا يستطيعوا اقتناص الفرص في الوقت الذي كان يمكن ان يحققوا اهدافهم او جزء منه ... وفي هذه الحالة البكاء والصراخ والنحيب لا جدوى منه ..... واعتقد ان القيادة الفلسطينية فشلت في تحقيق اي شيء للشعب الفلسطيني في الوقت الذي كان ممكنا فيه تحقيق شيء ، وبالتالي وقعت رهينة لظرف ومناخات وضعت نفسها فيه ووضعت الشعب الفلسطيني والقضية في منطقة كوارث وازمات ، بالمقابل الطرف الاخر في الصراع حققت اسرائيل ما تريديه على الارض وحققت وستحقق ما تهدف اليه اقليميا في افريقيا واسيا وامريكا .
يجب ان لا نتعامل مع قضية التطبيع عاطفيا بل فهم الدوافع وتحديد المربع الفلسطيني واضلاعه وقواه التي يمكن ان تتعامل مع هذا الواقع ، فبالعواطف لن نكسب شيئا بل مزيد من فقد ما تبقى من حفريات صلبة للقضية الفلسطينية .
الشرق الاوسط الجديد الذي نظرت له كوندا ليزا رايس في عام 2003م وبالتاكيد هو باكورة مراكز دراسات استراتيجية امريكية لاعادة صياغة دول الاقليم بعد الحرب العالمية الثانية والصراع في النغوذ بالدرجة الاولى بين امريكا واوروبا وسعي امريكا ان تخرج اوروبا من المنطقة لصالح امريكا ودخول الاتحاد السوفيتي كقوة استغلت الصراع بين امريكا واروبا بمحاولة استيعاب الدول الوطنية والتي تمثلت في ثورة يوليو وما تلاها من ثورات في العراق وسوريا وليبيا واليمن والجزائر ومحاولة تلك الدول الخروج من الفك الامريكي الى الدب الروسي ، وعلى اعتبار ان قضية فلسطين قضية العرب الاولى وتدمير ما يسمى اسرائيل ، لقد وجد الامريكان في انهيار الاتحاد السوفيتي فرصة لاعادة صياغة حلف امريكا اوروبا في المنطقة ، بتفجير ما يسمى الدول الوطنية من الداخل من خلال ما يسمى الربيع العربي وجعلها دول فاشلة تأن تحت وطئة ازماتها الداخلية وتغيير في انظمتها السياسية بما يسهل فرض الجيوسياسية في المنطقة وما يتبعها من خطوط عرض وطول امنية واقتصادية ... ترتبط بامن اسرائيل كقوة رئيسية في المنطقة .
اذا المنطقة مقبلة عل اعادة ترتيب المنطقة بين قو دولية وقوى اقليمية متوسطة القوة وبالتالي اصبح النظام الاقليمي العربي في خطر امام تلك القوى ، وبالرغم ان مصر تعتبر قوة اقليمية صاعدة ولكنها تعاني من ازمات اقتصادية داخلية واعادة ترتيب اولوياتها وتعاني من تهديد على اكثر من جبهة فرضتها محفزات اثارة الارهاب لدوافع فتح الطريق امام قوى اقليمية مثل تركيا وايران . واسرائيل التي تحاول ان تثبت ان لها الذراع الطولى في المنطقة تضرب في العراق والسودان وسوريا ولبنان وغزة وهي المسؤلة عن تفجيرات استراتيجية في قلب وعقر دار القوة الاقليمية في الخليج المتمثلة بايران .
الحلف العربي الذي انشقت عنه قطر والمتمثل في مصر السعودية الامارات البحرين والذي رفع لواء الحفاظ عل الامن القومي العربي اصبح امام تحديان ايران من ناحية وتركيا من ناحية اخرى ايران في الخليج واليمن وشرق الوطن العربي وتركيا في تداخل مع ايران في شرق وشمال سوريا والعراق وليبيا والبحر الاحمر ..... الخليج الذي انشقت عنه قطر التي اختارت ان تكون لجانب تركيا كقوة اقليمية وقوات تركية وقوات امريكية لدولة كبرى .... اصبحت نظرية الامن العربي بعد حرب اليمن التي مازالت لم تحقق اي شيء من اهدافها لاخراج النفوذ الايراني من اليمن وعلى حدود السعودية وفي حصار الخليج من اليمن ومن اطول سواحل ايرانية مشرفة على البحرين والامارت والسعودية ... اصبحت تلك الدول بحاجة لقوة اقليمية ثالثة تساعد على حفظ امنها امام تغول ايراني تركي على مناطق فراغ تجدها القوتين ايران وتركيا في تلك المنطقة ..
بالتاكيد ان الموقف الامريكي من الخليج موقف مبتز لقدرات تلك الدول وكما قال ترامب التي( تمتلك المال) فامريكا لم تساعد تلك الدول على احراز اي تقدم في حربهم ضد الحوثيين والنفوذ الايراني في تحديد خياراتها باللجواء لاسرائيل كقوة اقليمية تشكل حالة اتزان لتلك القوى في منطقة الخليج ... اما مصر التي ليلا نهارا تنمي قدراتها العسكرية فهي قادرة على حماية امنها الداخلي والاقليمي .
بعد ما تقدم من تحليل فان معاهدة السلام الاماراتية الاسرائيلية تصب في هذا المنطق وهذا التحليل وان وجد الفلسطينيين انفسهم وسيجدونه اكثر على قارعة الطريق ، فلم تعد فلسطين هي قضية العرب المركزية بل لهم جغرافيتهم الاقليمية التي يعملون على حفظها امام ايران وتركيا وان اتى ذلك على حساب الفلسطينيين وقضيتهم التي لها 100 عام ولم تحل وفي ظل اخطاء قيادتهم التي لم تستغل الزمان والمكان لاحداث انجاز في وقته والان تتباكي على الظرف والنسيان والاهمال ومن العرب الذين اداروا ظهرهم لهم امام ضغط بمتغير دولي واقليمي يهددهم ويهدد انظمتهم ووجودهم .
كما قلت العواطف واكالة الاتهامات والتشجنجات... والسب والقذف لن يغير من الواقع شيئا ومن خطوط التغيير ومعادلة مثلث القوى في المنطقة . بالقدر الذي يمكن ان يصنعه الفلسطينيون ذاتهم ومن داخلهم بصناعة مربعهم داخل هذا المثلث ، من اذابة لمنطق الفصائلية وتهدد الاحزاب والاهداف والمصالح وتوزعهم على مثلث اقوى ايران تركيا اسرائيل ، وهذا ينهي قضيتهم للابد وما حققوه من اعتراف طوال نضال 50 عام سيذوب امام ضغوط معادلات كبرى في المنطقة ... على الفلسطينيين ان يصيغوا معادلتهم في مربعهم وهو مصدر قوتهم ويصنعوا حالة اشتباك حقيقة مع الاحتلال ونضال متوقع ان يدفع فيه الفلسطينيين تضحيات بشرية كبيرة ولكن بالتاكيد باستطاعت الفلسطينيين تحويل اسرائيل من قوة اقليمية لقوة تدافع عن نفسها داخل حدودها وهو بمثابة نصر للفلسطينيين والامن القومي العربي.... خطوات عاجلة يجب ان تُستحث عليها القيادة الفلسطينية بسحب الاعتراف باسرائيل واعلان المقاومة الشعبية المفتوحة مع الاحتلال لكي تعيد دول الاقليم حساباتها من جديد وبمؤثر الضغط الشعبي ...وتغيير الحالة الوظيفية للاجهزة الامنية الفلسطينية وترتيب البيتن الفلسطيني على المستوى الشعبي والمؤسساتي ... والا كتب الفلسطينيون قدرهم بانفسهم بانهم اختفوا من تحت الشمس بمطالبهم الوطنية .
والله من وراء القصد.