"حراك فلسطيني أهوج"..ومكالمة الرئيس عباس!

حجم الخط

كتب حسن عصفور

بشكل ليس مفاجئا قام "إعلام دولة الكيان" بنشر تسجيل صوتي للرئيس محمود عباس، يتحدث فيه بـ "حميمية عالية" عن العلاقة مع دولة الإمارات، وما يتطلع اليه من تصويب للمسار المرتبك الذي أصابها، وتأكيد واضح حول تقديره الخاص لحاكمها القوي محمد بن زايد (الذي يرفض تولي منصب رئيس الدولة لجانب أخلاقي).

 تسريب لم يكن يرمي من إعلام عدونا القومي سوى لزرع فتن مضافة، لما بات حاضرا في علاقات كانت يوما نموذجا سياسيا، ولكن ما قد يكون معاكسا لنوايا إعلام الكيان، ان تلك المكالمة المسربة ترمي الى خلاف ما رمت إليه جهة الإعلان، وأن تمثل "نقلة تهدئة" فيما حدث بعلاقة تم النيل منها ما قبل الخطوة التطبيعية الإماراتية، وليست هي بذاتها ما أدى الى رد فعل الرئيس محمود عباس أولا وبعضا من فريقه، وتلك مسألة لا تحتاج أبدا لبرهان، لا أشخاصا ولا موقفا، وهي ليست القضية الرئيسية في التطور السلبي أبدا.

مكالمة الرئيس عباس، كشفت من حيث الجوهر أن هناك "قاعدة عمل مشترك"، وأن هناك جهود كانت قائمة لتطهير مسار العلاقة من تشويش انتقالي، مع الحق المطلق أن ترفض فلسطين قيادة وشعبا الخطوة الإماراتية، وأن تراها لا تخدم المواجهة مع دولة الاحتلال، وعدوانيتها المتنامية، بل وفي ظل قيامها بتنفيذ المشروع الأخطر على فلسطين وطنا وهوية ومصيرا، مشروع التهويد، بما فيه خطة الضم.

من المفارقة، التي قد تكون رمية من غير رام، ان يتم نشر المكاملة السرية، مع بيان للجامعة العربية تصاحب مع اتصال أمينها العام أحمد أبو الغيط مع الرئيس عباس، يعلن فيه عدم عقد أي لقاء طارئ لبحث الخطوة الإماراتية، وأن جدول الأعمال "الرسمي" العربي لن يرتبك بسببها، وعلى فلسطين ان تنتظر الى حين الجلسة الرسمية المقررة، دون أن ينسى الأمين العام التأكيد أن "مبادرة السلام العربية" لا تزال قائمة.

دوما هناك ما يمكن اعتباره "صدف سياسية" تفرض تقويم مسار الحدث، وتاريخ الثورة والمنظمة يمتلئ بها، ودون البحث في تفاصيلها، فما كان من "تسريب واتصال"، يمثل "جرس إنذار" للرئيس عباس بأن يعيد طريقة المعارضة غير الموفقة التي سمح بها، وأطلق عنان "البعض" أصحاب المصالح الخاصة سياسيا وشخصيا، مرتبطين بجهات تعمل على عزل الرئيس عباس في دائرة مغلقة الى حين ...

عدم تجاوب الرسمية العربية مع نداء "الرسمية الفلسطينية" رسالة سياسية واضحة، وعدم إدانة أي دولة عربية الخطوة الإماراتية هي أيضا رسالة سياسية، ومحاولة قوى مرتبطة بدول غارقة في صناعة "النكبة الفلسطينية المعاصرة" وبناء جدر جديدة تحاصر الرسمية الفلسطينية الى جانب حصارها السياسي – المالي، لا تهدف لتصويب مسار بل لخلق مسار إكمالي لدورها في تكريس النكبة القائمة.

بعد أيام مما حدث، يجب إعادة تقييم الموقف الرسمي الفلسطيني، وليترك الشعبي والفصائلي يعبر عن ذاته لرفض الخطوة التطبيعية، دون أن يكون مقادا من صناع النكبة المعاصرة، وألا يسمح ببعض أدوات التخريب السياسي، ان تعمل على تطهير ذاتها على حساب قضية وطنية، ولا يوجد الكثير من الأسرار في المشهد الفلسطيني.

قد يحتاج الرئيس عباس وسريعا، أن يشكل "خلية أزمة سياسية"، بعيدا عن المظهر الاستعراضي الذي لم يقدم خدمة لا لموقفه، وبالتأكيد لا لفلسطين، "خلية" تتعامل مع تفاصيل الحدث بكل جوانبه، ما عليه دون أن تقف ما له، وكيف يمكن وضع قاعدة انطلاق لحصار الضرر العام ضمن رؤية عربية مشتركة، مع الانتباه أن حركة الغضب تنطلق من قاعدة المشروع الوطني، وليس لغيره، ففلسطين ليست أداة "تصفية حسابات" لهذا البلد أو ذاك، بعضها مدفوع الأجر العلني.

"خلية أزمة" تتعامل وفقا للممكن السياسي وليس الرغبة السياسية، بما يعيد الاعتبار للحيوية الفلسطينية وكيفية احتواء الضرر وليس توسيع دائرة الضرر.

الأمر بيد الرئيس عباس لا غيره، ليعمل على تصويب ما يجب تصويبه قبل فوات الآوان، وعندها كثير من "طبالي الزفة" سينقلون لسانهم، كما سبق لهم ذلك، الى من يسود، وقطعا لن يكون مصلحة فلسطينية بل نقيضها...قبل الندم السياسي ليتحرك الرئيس عباس، قد لا يربح كثيرا ولكنه حتما لن يخسر أكثر!

ملاحظة: حاول رئيس حماس السابق خالد مشعل، الذي يعود بقوة للظهور الإعلامي، لغاية في نفس محوره الإقليمي، أن يتحدث عن رفضه التطبيع من أي دولة كانت...كان شجاعا جدا في تسمية الإمارات ولكنه كان مرتعشا لعدم تسمية قطر وتركيا..لا لا يا خالد مش حلوة!

تنويه خاص: مفارقة غريبة ألا يظهر وزير خارجية فلسطين في أي حراك كلامي ضد الخطوة التطبيعية الأخيرة...لو كان الأمر مش صدفة بيكون فعل خير للقادم!