يصل وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو الى منطقتنا اليوم كي يحقق هدفين هما في واقع الامر واحد: تجنيد التأييد للخطوة الامريكية لاستئناف العقوبات الدولية على ايران وضم دول عربية اخرى الى التحالف العلني الذي عقد بين اسرائيل ودولة الامارات، في ضوء التهديد الايراني في الشرق الاوسط.
من اسرائيل يعتزم بومبيو الاقلاع الى اتحاد الامارات، كي يعد الارضية لاحتفال التوقيع على اتفاق السلام الشهر القادم في ساحة البيت الابيض، ومن هناك يواصل الى البحرين المجاورة والى السودان على شواطيء البحر الاحمر، الكفيلتين بان تنضما قريبا الى الحلف الجديد.
لقد كان البحرين من الدول الاولى التي أعربت عن تأييد حماسي للاتفاق بين اسرائيل ودولة الامارات. في السودان لا يزال يوجد جدال داخلي حول الارتباط بالحلف، جدار تسبب حاليا بتنحية الناطق بلسان وزارة الخارجية السودانية، الذي استعجل فبارك الانجاز. ولكن معقول الافتراض بان هذه الخطوة، التي يؤيدها رئيس الحكومة الانتقالية، عبدالفتاح البرهان ستتحقق آجلا أم عاجلا – وان كان فقط بسبب رغبة السودان الشديدة للخروج من قائمة الدول الداعمة للارهاب.
عندما ستنضم الى هذه العربة عُمان والمغرب، وبعدهما، ربما بتأخير ما السعودية ايضا، سيكون هذا ائتلاف مثير للانطباع، شهادة قاطعة على قوة التحول الشرق اوسطي، الدراماتيكي الذي أحدثه حاكم الامارات، ولي العهد محمد بن زايد، اي “الاعتراف باسرائيل والتطبيع الكامل للعلاقات معها، دون انتظار حل النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني.
صحيح أن الكثير من عناصر الائتلاف الجديد الذي يضم ايضا مصر والاردن، يتشاركون مع اسرائيل القلق والرغبة في كبح تطلعات ايران للحصول على سلاح نووي وتثبيت هيمنة في المنطقة من خلال ضعضعة استقرار الانظمة العربية. ولكن سيكون من الخطأ ان نشخص الائتلاف الجديد المتحقق في المنطقة فقط كمحور عمل ضد ايران وضد منظماتها المرعية في الشرق الاوسط. فولي عهد الامارات، الذي يسعى لان يعطي لبلاده مكانة كعامل مؤثر في المنطقة كلها، يرى سيطرة الاسلام السياسي كخطر اكبر حتى من ايران، ويتصدر رؤيا من التسامح الديني والانفتاح الاجتماعي والثقافي الى العالم الواسع.
لهذه الاعتبارات، يمكن لاسرائيل بسهولة أن ترتبط بهم، فمحمد بن زايد هو معارض شديد ليس فقط لنظام آيات الله في ايران بل وايضا للرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي يحاول ان يثبت بالقوة الاسلام السياسي في بلاده، ويعارض قطر، التي الى جانب الاتراك تدعم حماس وتستضيف في نطاقها رئيس مكتبها السياسي اسماعيل هنية. لقد دعم الرئيس المصري السيسي حين اطاح في 2013 بحكم الاخوان المسلمين، برئاسة محمد مرسي، ويعمل الان عسكريا في ليبيا ضد المرتزقة الاتراك الذين جاءوا لمساعدة النظام المؤيد للاسلام في طرابلس. وهو يؤيد الاسد، كونه خاف من الطابع الاسلامي للمتمردين عليه.
ليس كل عناصر الحلف الجديد، الذي يقوده محمد بن زايد نضجوا منذ الان لاقامة علاقات سلام وتطبيع كاملة مع اسرائيل. ولكن الائتلاف المضاد، برئاسة ايران، تركيا وقطر متبلور اقل بكثير وبعيد اكثر بكثير من أن يصبح حلفا متينا. فالدول الثلاثة وان كانت تحمل علم الاسلام السياسي الا ان لكل واحدة منها تطلعات واهداف متضاربة. ايران الشيعية وتركيا السُنية تتنافسان فيما بينهما على التطلع لقيادة العالم الاسلامي، صحيح حتى الان دون نجاح زائد.
لاردوغان يوجد كما هو معروف تطلعات خيالية لاستعادة عهد الامبراطورية العثمانية. في تركيا يوجد أزمة اقتصادية خطيرة، ولكن هذا لا يمنعه – بل وربما بالذات يشجعه – على قرع طبول الحرب مع اليونان وقبرص حول السيطرة على مرابض الغاز في شرق البحر المتوسط والحلم بالسيطرة المتجددة على 13 جزيرة تعود لليونان. وفي هذا السياق تقتبس هذا الاسبوع “التايمز” اللندنية رئيس الموساد يوسي كوهن كمن وصف تركيا، برئاسة اردوغان المغامر، كاخطر من ايران.
بين الائتلافين الجديدين اللذين قاما في الشرق الاوسط اختار الفلسطينيون، لشدة الاسف، الاعتماد على دعم ايران، تركيا وقطر، بدلا من الاعتراف بالواقع الجديد الناشيء. بعد أن اتهموا حكام الدول العربية بالخيانة وبـ “طعن السكن في الخاصرة”، اكتشفوا هذا الاسبوع لخيبة املهم العظيمة بان الجامعة العربية ايضا لا تسارع الى شجب دولة الامارات على تطبيع العلاقات مع اسرائيل. عمرو موسى، أمين عام الجامعة ووزير الخارجية المصري سابقا، حظي بوابل من الشتم والسباب على لسان صائب عريقات، مقرب ابو مازن، بعد أن قال ان لكل دولة الحق في ان تقرر لنفسها طبيعة علاقاتها مع اسرائيل.