الجدار الساخن

حجم الخط

معاريف– بقلم الون بن دافيد

أصداء الانفجار الهائل في بيروت التي سمعت حتى في قبرص، سارعت لان تتبدد، وعندما تفرق الدخان اتضحت مرة اخرى الحقيقة البائسة للبنان: ليس في هذه الدولة اي قوة يمكنها أن تتحدى حزب الله. فقد كان، وهو وسيبقى من يمسك الخيوط، يتوج الحكومات والرؤساء والقوة السياسية والعسكرية الاقوى في الدولة. وبصفته هذه قرر تحويل الحدود الشمالية الى خط مواجهة نشط، وعلينا أن نستوعب بان السنوات الاربعة عشرة من الهدوء الرائع التي كانت لنا في الشمال وصلت على ما يبدو الى نهايتها.

​كان في اسرائيل من اخطأ في التفكير بان أثر الانفجار سيؤدي الى لجم حزب الله بل وربما سيهز كرسي نصرالله. عمليا – حصل العكس. حزب الله رأى وسمع غضب المتظاهرين في شوارع بيروت ولم يتأثر. وحتى على الشرفة في بلفور يتأثرون أكثر لمشهد الاحتجاج. وعندها جاء القرار البائس للمحكمة الدولية عن اغتيال الحريري والذي بعد 11 سنة من العمل وملايين الدولارات التي استثمرت في التحقيق لم  تنجح في  ادانة المسؤولين عن العملية التي قتل فيها 21 شخصا. يمكن لحزب الله ان يتنفس الصعداء.

​حزب الله على علم جيد بضعف المحور الايراني – الشيعي الذي يوجد في نقطة درك اسفل: الضرر الشديد الذي الحقته العقوبات بالاقتصاد الايراني يشعر به في حسابه البنكي؛ بؤس قوة القدس التي لا تنجح في الانتعاش من تصفية سليماني يراه في سوريا؛ وامام ناظري يخرج الان الى النور المحور السُني – الاسرائيلي، الذي يبنى ضد ايران. على هذه الخلفية يشعر انه الوحيد الذي يمكنه أن يقود الان علم “المقاومة” لاسرائيل. يرى نصرالله ضعف زعماء المحور، ويفهم بانه يتبقى الراشد الوحيد بينهم. السؤال هو اذا كان ايضا الراشد المسؤول.

​ان مقتل نشيط لبناني في غارة في المطار في دمشق في شهر تموز وفر له فرصة للعودة الى استراتيجيته المحببة: سياسة المعادلة. وإذ يكون ملتزما بوعده للثأر لموت النشيط بقتل جندي اسرائيلي – حاول مرتين حتى الان وفشل. ومع أن المحاولتين – في هار دوف قبل شهر وقرب منيره هذا الاسبوع كانت محسوبة وتستهدف المس بجندي واحد، ورغم ذلك يعرف نصرالله انه لو نجح رجاله في قتل جندي لما تلخص الرد الاسرائيلي بهجوم على مواقع من الصفيح. وقد كان مستعدا لان يأخذ المخاطرة.

​كان ينبغي لمحاولة العملية هذا الاسبوع ان تنتهي ايضا بتصفية خلية القناصة التي اطلقت النار من ضواحي قرية حولة نحو القوة في منطقة منيرة. هكذا ايضا وصف مسبقا قائد المنطقة الشمالية ولكن لشدة الاسف، لم يعثر الجيش الاسرائيلي على الخلية (التي ينتشر مثلها عدد آخر في المنطقة) كي يبيدها. بدلا من ذلك اختار الجيش الاسرائيلي ردا محسوبا لا يلحق اصابات ولكن ينقل رسالة: لاول مرة منذ تسع سنوات هاجم الجيش الاسرائيلي مواقع لحزب الله في جنوب  لبنان.

​نصرالله يمكنه ويريد أن يعيش مع المعادلة المتوازنة هذه. وهو لا يعتزم التخلي عن عملية الثأر وفي هذه الاثناء يبقي الجيش الاسرائيلي في الشمال متحفزا أو كما يسمي هذا: “يقف  على رجل ونصف”. منذ ستة اسابيع والجيش الاسرائيلي يتصرف في اطار صيغة طواريء في الشمال: خفف الاستحكامات والقيادات. امتنع عن اعمال الامن الجاري المكشوف ويعنى بالجمع المكثف للمعلومات. كل ذلك دون خرق الحيل الطبيعية المدنية في الشمال. سيسر حزب الله ان يبقي الجيش الاسرائيلي في وضع متوتر من الان فصاعدا. وينبغي لهذا أن يكون فرضية عملنا: أن الحدود ا لشمالية تعود لتكون خط مواجهة.

***

​هذا الاعتراف يقضي باعادة انتشار جديد تماما للجيش الاسرائيلي على طول الحدود. لقد بني الجدار الحدودي مع لبنان في قسم منه قبل أربعين سنة، في  مواجهة المخربين من فتح، وبعضه الاخر بني قبل عشرين سنة، حين انسحب الجيش الاسرائيلي من لبنان. وفي مواجهة القدرات الهجومية لحزب الله اليوم، فان اسرائيل ملزمة بان تقيم عائقا يجعل صعبا جدا التسلل الى اراضيها كما يقلص امكانيات عمليات القنص ومضادات الدروع – عائقا من سور أو جدار على نمط الجدار الذي يحيط بغزة.

​ان كل مفهوم الامن الجاري لدى الجيش الاسرائيلي على الحدود والذي يستند هو ايضا الى استحكامات ومناورات من السبعينيات، يجب أن يتغير. فلا  مجال بعد اليوم لدوريات على الجدار، لاستحكامات او قيادات تكون عرضة لنار مضادات الدروع. على الجيش الاسرائيلي أن يقيم منظومة حدود تدار عن بعد، مع مواقع اطلاق نار يتم التحكم بها من بعيد، حوامات تنفذ الدوريات وجمع معلومات وقوات اعتراض سريعة تخرج من قاعدة غير مكشوفة.

​في  قيادة المنطقة الشمالية يفهمون هذا جيدا – والسؤال هو هل ستعطى لهم الميزانية لاعادة تنظيم الحدود الشمالية.

​عندما دخلنا في حالة التأهب قبل ستة اسابيع، حدد الجيش الاسرائيلي لنفسه ثلاثة اهداف: منع انجازات لحزب الله في صورة مصابين في قواتنا، منع التدهور الى الحرب والحفاظ على الردع حيال حزب الله. الهدفان الاولان تحققا حتى الان بنجاح ودون أن يكون على المجدفين في الجداول ترك ابحارهم.

​اما على الهدف الثالث – حفظ الردع – فتحوم علامة استفهام. لا توجد لاسرائيل أي رغبة أو مصلحة للدخول في مواجهة مع حزب  الله، ولكن في موازين القوى بين الطرفين – لا يوجد ايضا اي سبب يجعلنا نسمح لنصرالله ان يصيغ معادلات الردع.