رسالة متفجرة

حجم الخط

هآرتس – بقلم عميره هاس

كريم يونس، عميد الأسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية، ارسل رسالة الى اللجنة المركزية في فتح التي هو عضو فيها. في رسالته طرح ادعاءات ضد سجين آخر من فتح. اساس هذه الادعاءات هو أن هذا السجين راكم قوة شخصية ومالية وسيطر بواسطة الترهيب على سجناء آخرين بفضل علاقاته مع سلطات مصلحة السجون ومع الشباك.

​“حتى لو كان فقط نصف هذه الاتهامات صحيح، فهذا يكفي من اجل ضعضعتنا واقلاقنا جميعا”، قال عدد من اعضاء فتح للصحيفة. شقيق السجين قال للصحيفة مرتين خلال اسبوع بأن هذه الرسالة هي رسالة مزيفة. “لا توجد أي مشاكل بينه وبين كريم”. وقد اتهم بأنه تقف من وراء هذا التزوير “جهات تعمل مع الاحتلال”. وقال ايضا للصحيفة بأنه لا توجد طريقة اخرى تمكنه من التحدث مباشرة مع أخيه لأنه سجين. ومحاولته الاخيرة لاجراء اتصال معه لم تنجح. لذلك، سنحافظ على الضبابية ولن نذكر اسمه ولن نفصل الاتهامات الخطيرة. ولكن الرسالة حقيقية وغير مزيفة.

​في الشباك لم يردوا على اسئلة “هآرتس”. ومن مصلحة السجون ورد أن “الحديث يدور عن سجين مثل كل السجناء، لا يحصل على حقوق زائدة. الامور التي ذكرت في الاستجواب غير معروفة لدينا. مصلحة السجون تقوم بعمليات نقل للسجناء طوال الوقت على اساس اعتبارات داخلية”.

​لو أن أي جهة اخرى طرحت اتهامات كهذه ضد السجين لكان يمكن حلها كجزء من الشللية والحرب بين الجماعات وبين الشخصيات الكبيرة التي تميز بشكل كبير حركة فتح، خاصة منذ تأسيس السلطة الفلسطينية، التي اصبحت العمود الفقري لنظام الحكم (مهما كان محدود وعاجز) وللاجهزة الامنية. ولكن كريم يونس، كما يقول الجميع، هو فوق الخصومات الداخلية وفوق حسابات القوة والمكاسب الشخصية التي تسود في حركة فتح وتفتتها. يونس، الذي هو من قرية عارة التي تقع داخل اسرائيل، والذي قضى 38 سنة في السجن، لا توجد له تطلعات للزعامة الشخصية والرغبة في الاندماج في السلطة الفلسطينية عندما سيطلق سراحه بعد سنتين تقريبا. وهو يسمى بتحبب “عميد الاسرى” بفضل طبيعته وعمره وعلاقته الأبوية مع السجناء الشباب والسنوات الكثيرة التي قضاها في السجن والتجربة التي راكمها.

​رسالة يونس أرسلها قبل ستة اسابيع تقريبا. وأمر ارسالها تم تسريبه لوسائل الاعلام قبل نحو ثلاثة اسابيع ونشرت في البداية في موقع الاخبار والثقافة المستقل “متراس” في 18 آب الماضي. وفورا بعد ذلك في موقع الاخبار المستقل “وطن” وفي عدد من المواقع. وسائل الاعلام الرسمية التزمت بالصمت. الجمهور الواسع، هكذا يمكن أن يتولد لدينا الانطباع، لم يطلع على وجودها. ادعاءات مشابهة ضد هذا السجين حلقت في الجو منذ بضع سنوات. اشارات بسيطة، التي أخفت أكثر مما كشفت، كان يمكن العثور عليها في الادانات التي نشرت في السابق حول المس بسمعته.

​حتى قبل تسريب الرسالة فان اعضاء فتح عرفوا عنها وتحدثوا عن مضمونها. ويبدو أن من قاموا بتسريبها شكوا في أن لجنة التحقيق التي تم تشكيلها في فتح (برئاسة عباس زكي من اللجنة المركزية) تنوي اغلاق الموضوع. اعضاء لجنة التحقيق نفوا ذلك وقالوا إنهم يلتقون مع سجناء محررين كثيرين من اجل سماع شهاداتهم ويتلقون رسائل من السجون حول هذا الموضوع. في 17 آب جرى نقاش في المجلس الثوري لفتح. سكرتير المجلس، ماجد الفتياني، قال لموقع “وطن” إن الرسالة لم تتم مناقشتها في الجلسة، وأن هذا هو موضوع خاص باللجنة المركزية، لكن تمت مناقشة الضرر الذي اصاب يونس (القصد كما يبدو هو الهجوم اللفظي عليه من جانب مؤيدي السجين موضوع الرسالة، ونقله الى سجن جلبوع وبعد ذلك الى سجن مجدو). وأكد الفتياني مع ذلك بأن هناك خلل في حركة فتح يجب حله.

​رسالة يونس ليست شائعات تتعلق بصغائر الامور. فهي تشير الى ظاهرة خطيرة، كما يبدو، ليس بين سجينين، بل هي تتعلق بفتح في السجن وخارجه، ومن شأنها أن تكون لها تداعيات تتجاوز التنظيم. العائلة الممتدة لعضو آخر من فتح اعلنت الحرب، حسب تعبيرها، في منشور في الفيس بوك، ضد العائلة الممتدة للسجين موضوع رسالة يونس، لأنه حسب ادعائها هو الذي دفع مصلحة السجون الى ادخال ابنها الى العزل في السجن. اعلان الحرب جاء بالتشاور مع عائلات سجناء آخرين، كتب في المنشور. بجهود كبيرة وبعد أن مرت اسابيع على التوتر الشديد، تمت ازالة “اعلان الحرب”. ولكن هناك سجناء آخرين يدعون ادعاءات مشابهة ضد الشخص موضوع الرسالة.

​الآن بعد مرور ستة اسابيع على ارسال الرسالة، يبدو أن الموضوع تم اغلاقه. هناك مواضيع ملحة اكثر على الاجندة، قالوا في اللجنة المركزية. وباء الكورونا (في يوم الجمعة وقع محمود عباس على أمر رئاسي يعلن عن وضع طواريء لثلاثين يوم: عدد المصابين والمرضى يرتفع كل يوم، وليس هناك حرص على وسائل الحذر. وفي محافظة نابلس وحدها قامت الشرطة بتفريق ستة احتفالات زفاف)، اتفاق السلام بين اتحاد الامارات واسرائيل والضائقة الاقتصادية.

​كل هذا صحيح، لكن من الصحيح ايضا أنه يوجد للسجين مدار الحديث ظهر عائلي قوي، الذي يكنس المخاوف والادعاءات لاعضاء فتح. في المجتمع الذي يخاف فيه الجميع من الصراع الدموي بين من يتنافسون على عرش وراثة أبو مازن، فان التهرب من مضمون الرسالة وأهميتها يشبه وضع عبوة ناسفة اخرى تحت البساط، بدلا من تفكيكها.