من المهم ان نقف باحثين و مستمحصين تحركات رئيس المكتب السياسي اسماعيل هنية منذ خروجه من غزة من عدة شهور ، مؤشرات لمتغيرات جديدة سواءا على الساحة الاقليمية التي كانت عبثبتها المفاجئة انفجار بيروت التي تشبه الى حد ما انفجار نووي محدود او الى الاقرب انفجار تفريغي بضغط عالي يؤدي الى انفجار مروع ، المهم ما يخصنا في الساحة الفلسطينية و المرتبط بشكل او بأخر بالمتغير الاقليمي المدفوع بضغط دولي من صراع في شرق البحر المتوسط و تناحر يقرب الى الصراع لقوى اقليمية متصاعدة تمثلها ايران و تركيا و دخول اسرائيل على خط تقسيم النفوذ في المنطقة و خاصة منطقة الخليج و التي دفعت المتحدث باسم البرلمان الايراني بأن الدخول الاسرائيلي الى الخليج من خلال التطبيع يمثل تهديد امنى اقليمي لايران ، هذا التهديد الذي حمل في فحواه بأن اي تحرش من قبل اسرائيل بإيران سيقابله رد قوي من ايران على دول الخليج على اعتبار انها دول تدخل في نطاق العدوان على ايران .
هذه اللوحة و المشهد في ظل انشغال مصر كقوة اقليمية في البناء الداخلي و التهديدات التي تواجهها من الجهات الأربع و اهمها الجبهة الليبية و الصراع على النفوذ في شرق المتوسط و سد النهضة في افريقيا .
اذا ما وقفنا على تلك المتغيرات و هذا المشهد المرعب الذي يطمع الكثير في وجود حل دبلوماسي بدلا من القوة التدميرية التي يمتلكها الجميع ، القضية الفلسطينية و التي يمثلها النظام السياسي الفلسطيني المنقسم على نفسه في الضفة وغزة و امام تهديدات كوشنير وغريبلات الذي اشار في مقابلة له على العربية ليلة امس بأن على الفلسطينيين "ان لا ينتظروا حلا من خلال الامم المتحدة" اي مازال النظام الامريكي و الاقليمي ايضا ينظر على ان القضية الفلسطينية هي في نطاق القضية الداخلية الاسرائيلية وقضية امنية بحته في عصر انهارت فيه القومية العربية و الالتزامات العربية بسبب متغيرات دولية باعتبار ان قضية فلسطين قضية العرب اي الفرصة المتاحة امام الفلسطينيين هو الحوار او المفاوضات المباشرة مع الاسرائيليين وهو ردا مباشرا من الادارة الامريكية الامريكية على مقولة الرئيس الفلسطيني بأنه يقبل المفاوضات من خلال الامم المتحدة او مؤتمر دولي او من خلال الرباعية الدولية .
على الجانب الفلسطيني المبتعد كليا عن ايجاد خطوات فاعلة تؤسس لبرنامج فلسطيني موحد وبرنامج سياسي و تباطؤ في ردات الفعل لصنع حدث وطني يفرض معادلته في الداخل على الخارج وباعتبار ان كل الانشطة التي قامت بها السلطة هي انشطة هلامية لمحاربة صفقة القرن و مقاومتها وكذلك الضم التي عبرت عنها السلطة بنشاطها في مهرجانين في اريحا او تظاهرات خجولة محدودة العدد في رام الله و اكتفت السلطة ببرنامج الرئيس التحرك للمجتمع الدولي و الرفض بكلمة لا و طرحه المقاومة السلمية التي ايضا تواجهها قوى الامن بالقمع ، تحرك خطابي لا غير ، حتى اللقاء بين العاروري وجبريل او بين حلس و المتحدث باسم حماس على الفضائيات كان خطابيا مجاملا لا اكثر ، اما هنية الذي طرح وجهة نظر حماس امام رئيس السلطة و الذي كان محوره انه فرغ خطاب محمود عباس من مضمونه بعدم الاعتراف باسرائيل و فلسطين من النهر الى البحر و المقاومة هي السبيل الوحيد و هذا ما يتناقض مع ما طرحه الرئيس عباس من مفاوضات من خلال مؤتمر دولي لتحقيق دولة على اراضي 67 عاصمتها كل الاماكن المقدسة "في القدس !" .
من تلك المقدمة التي اراها طويلة ولكن من الضرورة ان اقوم بتفنيد مشهدها انتقل هنية الى قطر كإقامة ربما دائمة في ظل انتخابات لحركته قادمة يتم فيها التنافس من جديد بينه وبين رئيس المكتب السياسي السابق مشعل ، و يتصف هنية بأنه الوسطي و المعتدل في حماس عن مشعل ولكن هنية الذي ذهب لإيران قاسم سليماني و الثناء و الشكر لدعم ايران المقاومة الفلسطينية و من ثم انتقاله الى تركيا لمقابلة اردوغان و دور قطر في قطاع غزة الذي تراجع فيه الدور المصري و دخول قطر الواسع بالاتفاق مع الاسرائيلية للدفع بعدة مشاريع و الحقن المالي الاغاثي وتعهدات قطرية لضمان الهدنة مؤشرات بانحياز حماس لايران وتركيا التي قد تأتلفان مرحليا بناءا على معادلة الازمات التي يتعرض لها النفوذ الايراني والتركي في المنطقة ، المهم في هذا الموضوع هو زيارة هنية للبنان ولقائه مع القوى المختلفة سواءا في مجلس النواب او لقائه مع حسن نصر الله و الذي يجب الوقوف عليه هو زيارته لمخيمات لبنان ميدانيا واهمها مخيم عين الحلوة الذي له رصيد كبير في التجربة الفلسطينية و المقاومة منذ عام 71 الى ما بعد 86 م وهو المخيم المركزي في لبنان و الذي يمكن ان يكون له بعد امني في المعادلة اللبنانية وكذلك المعادلة الفلسطينية .
هنية استقبل بزحف شعبي يتعدى عشرات الالاف وحمل على الاكتف ، يذكرني المشهد عندما رفع ابو عمار عند عودته الى غزة على اكتف الشعب الفلسطيني مشهد له ما بعده من برنامج لحماس وخاصة انها تعمل حثيثا على فصل الخلاف و ربما الصراع على قيادة منظمة التحرير في المستقبل من خلال الانتخابات او فرض متغيرات قد تدخل فيها حماس لزعامة منظمة التحرير و هي تؤسس لهذه الارضية شعبيا و جماهيريا سواءا في الداخل او في الخارج .
اما حركة فتح التي تعاني من صراعات داخلية و تناحر واصبحت تمثل اكثر من تيار ثلاث او اربع تيارات عبر مسيرتها واهمها الان التيار الاصلاحي المتمثل بقيادة محمد دحلان و التيار الرسمي الذي يقوده محمود عباس و هنا نضع الاتي :
1 – التيار الرسمي الذي يمثله الرئيس محمود عباس وهو المسؤول رسميا عن حركة فتح و برنامجها و عن المفاوضات باعتبار انه اخذ شرعية اقليمية و دولية اصبحت الان في محل عدم تجديد الشرعيات له فهو قابع في المقاطعة في ظل عدم ترحيب اقليمي و دولي له في عواصم تلك الدول و اصبحت طائرته التي كلفت 50 مليون دولار الرابضة في مطار عمان يلتفها الغبار هذا التيار الذي دفع الى عقد مجلس وطني لتجديد شرعيته و مؤتمر حركي سابع ايضا مفصل بالمقاس و اخيرا مؤتمر امناء الفصائل الوطنية و الاسلامية الذي عقد بكونفرنس بين رام الله و بيروت لتجديد شرعيته ولقد تحقق له ذلك رغم ان برنامجه مازال كما هو يتمسك بالتزامات السلطة نحو اسرائيل و المفاوضات خيار استراتيجي و يرفض اي تقارب او تسوية الاشكاليات مع التيارات الاخرى لحركة فتح كاتيار الاصلاحي والانتفاضة و تيار الكفاح المسلح وتيار العودة و غيره من المصطلحات و مكتفي بأنه يمثل حركة فتح التيار الرسمي في تخيله انه سيحافظ على نفسه في قيادة منظمة التحرير.... وياللعجب!!!
2 – التيار الاصلاحي الذي يقوده محمد دحلان وهو تيار واعد بالاصلاح والذي حاول مرارا بمبادرات لحل الاشكاليات الداخلية في داخل حركة فتح و البحث عن وحدتها و تحديث برنامج حركة فتح بما يناسب المرحلة و الذي لاقى رفضا تاما من التيار الرسمي اصبح التيار الاصلاحي في حركة فتح ذات انتشار واسع في غزة والضفة و مخيمات لبنان و الخارج ايضا في اوروبا وامريكا و غيرها ، التيار الاصلاحي الذي يإس من الوصول الى وحدة حركة فتح في ظل وجود محمود عباس و من حوله اصبح يدرك تماما اهم المهام المرحلية لهذا التيار وهو فكفكة الازمات التي يمر بها الشعب الفلسطيني في غزة بالتحديد والقدس ومخيمات لبنان في ظل اهمال متعمد او غير متعمد من حركة فتح ومنظمة التحرير نحو التزاماتها بالمخيمات الفلسطينية وبالوضع الماساوي الذي يمر به الشعب الفلسطيني في غزة على اعتبار ان انقاذ الروح الفلسطينية من الفقر والجوع والجياع هي المهمة الوطنية الاولى نحو ايجاد مواطن يمتلك القوة للدفاع عن حقوقه ومقاومة الاحتلال ، هذا هو التيار الاصلاحي ومهامه العاجلة ونحو ايجاد معادلة وطنية يسودها الفهم والتفاهم لكل من الاطراف التي ناتجها يجب ان يكون لصالح المواطن الفلسطيني والقضية الفلسطينية .
اما الجانب السياسي فلازال التيار الاصلاحي يلتزم ببرنامج منظمة التحرير ومؤتمر حركة فتح والمجالس الوطنية التي تنص على اقامة دولة فلسطينية على اراضي 67 وعاصمتها القدس الشرقية وليس كما قال محمود عباس عاصمة دولة فلسطين على ( الاماكن المقدسة في القدس ).
في ظل هذا التناحر وجدت حماس نفسها تلعب في مناطق فراغ يجب ام تملئ وتحقق الذاتية المتمردة والمقاومة للشعب الفلسطيني وبالتالي كان لقاء هنية نصر الله على قاعدة تاطير ابناء المخيمات لتقوية جبهة المقاومة في لبنان امام متغيرات قادمة في الساحة اللبنانية والساحة الاقليمية ، فهنية قد طرح قصة تاطير ابناء المخيمات قتاليا في ظل غياب واضح لحركة فتح التيار الرسمي الذي يدعو لعدم التدخل في المعادلات اللبنانية بل اكثر من ذلك الى سحب سلاح المخيمات ، هذا المبدأ الذي دفع الى مذبحة صبرا وشاتيلا ، المهم ان حماس تتقدم في مناطق فراغ تركتها حركة فتح في صراعها البيني الداخلي وتركت مناطق الفراغ من خلال برنامجها التفاوضي الذي يعترف فيه التيار الرسمي باسرائيل كدولة جارة يعترف بها كدولة في الشرق الاوسط يجب حمايتها امنيا ً وبدون اي مقابل لذلك .
اذا ً زيارة هنية الى مخيمات لبنان لها مؤشرات الى ما بعد ذلك ، فهل حركة فتح تستيقظ من ضمن التنافس الداخلي بين القوى الوطنية والحركات الاسلامية لقيادة الشارع الفلسطيني وتحاول ان تعيد مجدها في مخيم المقاومة الفلسطينية في لبنان ذات التاريخ العريق ام تبقى حركة فتح تئن في مضاجعها من آلام الشقاق الداخلي والخارجي لتتبوء الحركة الاسلامية قيادة الساحة الفلسطينية وبرغم محاولات التيار الاصلاحي في المخيمات الفلسطينية بالوقوف الى جانب ابناء المخيمات ولكن هناك قوى اخرى قد تدعم التوجه الاسلامي في داخل المخيمات بالتكاتف مع حزب الله وهذا يضع حركة فتح بتياراتها المختلفة امام اما تحديث برنامجها وقياداتها والبحث عن وحدتها ام انها ستكون في كتب التاريخ .