الجامعة العربية، كانت تنتظر إحدى دولها للدعوة لانعقاد مؤسساتها لبحث ما يجري من أحداث دموية وعدوان وحشي إسرائيلي على أهلنا في القدس وعموم فلسطين المحتلة، غير أن أحداً لم يتقدم بهذا الطلب، حتى جاء الطلب الفلسطيني بعد تأخير وانتظار، لكي يدعو أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي لعقد اجتماع على مستوى المندوبين، بينما كان من المتوقع أن يجتمع وزراء الخارجية العرب لبحث هذا العدوان، غير أن دولة الإمارات العربية، هي التي طالبت بعقد مثل هذا الاجتماع، لدرء أي اتهامات بالتقاعس والتقصير في نصرة الأهل، خاصة بعدما قامت مظاهرات شعبية حاشدة في معظم دول العالم الغربي والشرقي، تأييداً للانتفاضة الفلسطينية وإدانة لما يرتكبه الاحتلال بحق أطفالنا وشبابنا في عموم الأرض المحتلة على اتساع خارطة فلسطين التاريخية.
براءة ذمة النظام العربي، رغم تنصله من مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية عموماً، لا يعفينا من ملاحظة وإدانة الشعوب العربية، من المحيط إلى الخليج، التي بدورها أدارت الظهر تماماً لما يجري من عدوان إسرائيلي مستمر ومتواصل على الشعب الفلسطيني، والذي لم يحرك ساكناً طوال أكثر من عامين استفردت القوات الإسرائيلية والمستوطنون بالفلسطينيين بارتكاب الجريمة تلو الأخرى، بشكل متواصل، دون أن تتحرك المنظومة الشعبية العربية، إلاّ في حالات محدودة ونادرة، وكانت أشبه برفع العتب، رغم كل التقدير لهذا التحرك في ظل غياب رسمي وشعبي عن نصرة شعب فلسطين.
وفي كل الأحوال، وحتى مع حراك رسمي وشعبي عربي، فإن الأمر سيقتصر على قيم معنوية، تشعر الفلسطينيين بأنهم ليسوا وحدهم، لكن ذلك لن يؤثر على العدو بالنظر إلى أن العرب لا يتخذون المواقف الكافية لإشعار حكومة نتنياهو بأن هناك ضغوطاً كافية للتراجع عن عدوانه، خاصة وأن هذا الأخير، أدرك "اللحظة العربية" الراهنة، من انكفاء ومن انشغال بالقضايا المحلية الداخلية، وهو ما ساعد نتنياهو في تنفيذ خطواته منذ زمن ليس بالطويل، في مواجهة مع أهالي القدس عندما اقتحم المستوطنون المسجد الأقصى، تنفيذاً بخطوات متلاحقة، لخطة التقسيم الزماني والمكاني، توطئة لبناء هيكلهم المزعوم.
إلاّ أن ما يخشاه ـ على أقل تقدير ـ نتنياهو، هو حراك دولي، خاصة بعد عدة إجراءات وخطوات أشارت إلى أن هناك حصاراً واسعاً، متنامياً، ضد دولة الاحتلال، خاصة في إطار الموقف من الاستيطان، وتزايد الاعتراف بدولة فلسطين، لذلك كان موقف نتنياهو من الزيارة التي كانت مرتقبة اليوم "الأربعاء" لوفد اللجنة الرباعية إلى إسرائيل والضفة الغربية، بهدف الوقوف على الأحداث ومحاولة وقف التدهور، وما يسمى ببناء الثقة بين الجانبين، غير ان نتنياهو طلب تأجيل هذه الزيارة، الأمر الذي يشير إلى أن هناك محاولة يائسة من قبل الاحتلال للإجهاز على الانتفاضة قبل وصول هذا الوفد بعد أسبوعين بعد طلب نتنياهو التأجيل من وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني وغياب الدور العربي والدولي، هو ما جعل اللحظة مناسبة للانقضاض على المسجد الأقصى بهدف تهويده، خاصة بعدما تبين من خلال خطابات القادة الأوروبيين أثناء اجتماعات الجمعية العامة، أن الملف الفلسطيني لم يعد يحظ بأي أهمية، غير أن كلمة الرئيس أبو مازن في الجمعية العامة، واتخاذه للمواقف التي من شأنها إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية أعادت الاهتمام الدولي، وهو ربما ما لم يلحظه نتنياهو، عندما اقتنص فرصة ظن أنها مواتية لتنفيذ مشاريع التهويد والاستيطان.
إلا أن كافة حسابات نتنياهو أكدت عدم قدرته على قراءة الوضع قراءة جيدة، طلب تأجيل زيارة "الرباعية" ظناً منه أنه قادر على لجم تطور وتصاعد الانتفاضة، خلال أسبوعين، تبين أنه ليس في محله، وعندما قامت وسائل الإعلام الإسرائيلية، بنشر صور وفيديوهات الرد الإسرائيلي الدموي على محاولات الطعن الناجحة وإظهار مستوى دموي عال في الرد الإسرائيلي، كان يهدف إلى إخافة شباب وشابات الانتفاضة ودفعهم إلى النكوص والتراجع، غير أن هذه الصور والفيديوهات، زادت من شرارة الانتفاضة وشجعت على المزيد من عمليات المواجهة، وهو ما رأيناه بالأمس في شتى مناطق الأرض الفلسطينية، وانقلب السحر على الساحر، الأمر الذي على الأرجح أدى إلى صدمة لدى المستويات السياسية والأمنية في إسرائيل، والدعوة المستمرة تقريباً لاجتماعات هذه المستويات، خاصة المجلس الوزاري المصغر، دلالة على ارتباك القيادة الإسرائيلية في الإجابة على سؤال "ما العمل؟" بعدما تم تنفيذ كل إجراءات القتل والقنص "بالقانون" الإسرائيلي الجديد، دون أن يؤدي إلى تراجع المواجهة، بصرف النظر عن مسميات ما يحدث، فالأمور خرجت من يد نتنياهو وحكومته، وأصبح الوضع الآن، وكما يقولون، كما لو أن أنبوباً لمعجون الأسنان قد تم الضغط عليه، إذ لا يمكن إعادة ما تم خروجه منه!!
نتنياهو يسعي لتغطية فشله في حرب الإبادة
25 سبتمبر 2024