فقدان المناعة الوطنية: إسرائيل تفككت في عهد نتنياهو إلى قبائل

حجم الخط

بقلم: تسيبي لفني


في اليوم التالي لـ"كورونا"، ستكون إسرائيل مختلفة. مررنا بأزمات أمنية واقتصادية وتغلبنا عليها. أما هذه المرة فقد انكسرت المناعة الوطنية التي تتشكل من التكافل المتبادل، والثقة بالقيادة، والإحساس بأننا شركاء في أمر أعظم منا – دولة إسرائيل. بقيادة نتنياهو تفككت إسرائيل الى قبائل. ثمة هوة عميقة فيها، وروح كراهية تحوم فوقها.
باتت الأجواء مسممة جداً. تتصدى إسرائيل، اليوم، لإحدى الفترات القاسية في تاريخها، حيث يقف على رأسها رئيس وزراء ليس فقط متهما نهائيا، بل يعمل على تدمير أساسات الديمقراطية.
لا توجد ديمقراطية دون حرية الإنسان، ودون هيئات مستقلة تحافظ عليها، ولا تأتمر بإمرة الحكم: إعلام يكشف النقاب، وشرطة تنفذ القانون على الجميع، ومحاكم تعمل دون خوف ودون تحيز.
في دولة القانون، لا يوجد أحد فوق القانون، الانفاذ متساوٍ ونقي من كل اعتبار سياسي، ويوجد سور بين قرارات الشرطة والنيابة العامة في الاجراءات الجنائية وبين السياسيين.
المفهوم من تلقاء ذاته كان أن القرارات يجب ان تتخذ لصالح الجمهور، نقية من المصالح الشخصية، الاقتصادية او السياسية لأي من وزراء الحكومة.
حماة الحمى، المستشار القانوني ومحكمة العدل العليا، هم المخولون بوضع الخطوط الحمر عند الحاجة، كاختصاصيين غير سياسيين. هم بشر، يمكنهم ان يخطئوا ويمكن انتقادهم (أنا التي أقمت هيئة الرقابة على النيابة العامة). ولكن دون تدمير الاساسات. كل هذا كان مفهوما من تلقاء نفسه. اعتقدنا انه اجماع، ولكنه لم يعد كذلك. ليس بالنسبة لأولئك الذين يفضل الفقه بالنسبة لهم على القانون وأمر الحاخام يفوق قرار المحكمة العليا. ليس بالنسبة لأولئك الذين خرجوا من حملة نزع شرعية عن حماة الحمى ومحكمة العدل العليا، التي وصفت كغير صهيونية وتساعد العدو.
وما الذي يتناسب اكثر مع المتهم الجنائي بانهيار منظومة انفاذ القانون والقضاء؟ وهكذا، فإن رئيس وزراء كان حذرا في الماضي من هجمات مباشرة، اكتشف أن الباب مفتوح، فانقض بهدف تدمير منظومات دولتنا التي يقف على رأسها. رئيس وزراء يدعي بأنه تحاك في إسرائيل الملفات، ويشهر بالمستشار القانوني، ويتنكر لصلاحيته في أن يقرر بأن للمتهم الجنائي تضارب مصالح في أن يتدخل في تعيين محافل انفاذ القانون والقضاء، ليعطي الاشارة للوزراء وللمؤيدين لتكرار الادعاءات الخطيرة بتهديد المستشار القانوني بنصوص سائبة والمطالبة بالتدخل السياسي في المنظومات الاكثر حساسية. وكلما كررنا غير الطبيعي هكذا تعتاد الأذن الجماهيرية على "التطبيع غير الطبيعي". كل هذا جزء هو جزء من حرب رئيس الوزراء ضد من يعتقد خلافا له وجعله عدو الامة.
حين ألم بنا الوباء في الموجة الاولى، كان يخيل أننا نوجد كلنا في القارب ذاته. نتكافل الواحد مع الآخر، نفهم عظمة اللحظة. الى أن تبين ان الزعامة نفسها تدوس على التعليمات بقدم فظة.
تحت رعاية الوباء يعمل رئيس الوزراء على أن يسحب حقا اساسا ديمقراطيا آخر – الحق في التظاهر. ومنذ زمن وهو يدعي ادعاء مدحوضا بأنه بين الانتخاب والانتخاب من المحظور على المواطنين الاحتجاج لأن هذا "ضد رغبة الشعب". وهذا ادعاء مدحوض ليس فقط لأنه لم يكن حسم في ثلاث حملات انتخابية، بل لأن احترام النتيجة لا يستوجب من المواطنين تمجيد رئيس الوزراء.
ثمة حق للناس في التظاهر، حسب القانون، ولدعوته ان "ارحل" وكل دعوة غير عنيفة اخرى. أقف متأثرة لمشهد أهالٍ واطفال ينزلون الى المفترق القريب من بيتهم يحملون يافطات كتبوها بأيديهم معا، شبان وشيوخ، يرفعون اعلاما ويكافحون في سبيل قيمنا. إن الأمر العاجل كي نجتاز الوباء هو المعايير على اساس اعتبارات منطقية، طبية واقتصادية – لمن يريد أن يصلي، يتظاهر، وينال الرزق. قانون واحد، موضوعي وليس سياسيا وانفاذ موحد للجميع.
بعد أن بذر بذور الفوضى بيديه، سيحاول نتنياهو استغلال الفوضى كي يركز في يديه صلاحيات شمولية. عندما سنخرج أصحاء من الوباء، سيتعين علينا ان نشفي الدولة وان ننظف السم المسكوب. الفشل هو ايضا اداري، ولكن الادارة الجيدة وحدها لا تكفي. ينبغي أن نعيد بناء ما هدم، ونعود لنعزز الديمقراطية، ونبني من جديد ثقة الجمهور بمؤسساتها. كل هذا يمكنه ان يتم فقط من قبل زعماء محترمين.
من ادعى بأن الشرطة، النيابة العامة، والمستشار القانوني سياسيون، لا يمكنه أن يصلح. ومن هاجم المحاكم لا يمكنه أن يعيد ثقة الجمهور بها. ثقة الجمهور حرجة. علينا ان نحترم قراراتها، سواء أحببناها ام لا. هذا موقف مبدئي، رسمي، ومن المحظور أن يتغير في الائتلاف، في المعارضة، وبسبب الوقفة اللحظية.
ان الوحدة ليست وصفة لإسكات الآخر. الوحدة يجب ان تنشأ حول القاسم المشترك وان كان الادنى والذي يمكن لكل مجموعة ان تبني عليه فكرها. سنواصل الجدال ولكن بشكل مختلف، باحترام. القاسم المشترك هو دولة يهودية وديمقراطية، دولة قانون فيها مساواة، حرية رأي وحرية تعبير. وُلدت إسرائيل هذه، وهي لم تكن كاملة الاوصاف في حينه، ولن تكون كذلك في المستقبل. إذا ما اتفقنا على هذا الحد الادنى سيكون بوسعنا أن نرى الجمال في القبائل المختلفة التي تعيش داخلها. ولمن يقول اني افرض معتقدي كقاسم مشترك، اجيب ان هذا ليس معتقدي الخاص، هذا وثيقة الاستقلال.

عن "يديعوت"