شجاع لكنه كذاب!

حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع


هذه قصة الجانب الإسرائيلي في صفقة السلاح لاتحاد الإمارات والإدارة الأميركية، كما رواه إسرائيليون كانوا ضالعين في المسيرة. استقبل البيان عن اتفاق التطبيع مع الإمارات، والذي نشر في 13 آب في جهاز الأمن بمفاجأة تامة. جمع وزير الدفاع بيني غانتس في مكتبه كبار رجالات جهاز الأمن. استقبل الاتفاق بالترحاب وكان القرار قبل كل شيء ملء النقص في المعلومات الاستخبارية – الاستيضاح إذا كان الاتفاق يتضمن سلاحا أميركيا – إماراتيا، وإذا كان نعم فماذا يتضمن. توجه غانتس بأسئلة الى وزارة الدفاع الأميركية. وكان الجواب لا لبس فيه: ستكون صفقة سلاح، وهي جزء من الاتفاق الثلاثي. ليس فقط طائرات «اف 35» المتملصة بل سيكون فيها أيضا عتاد متطور للغاية للقتال الإلكتروني وغيره.
لقد أوضح جواب «البنتاغون» لقادة جهاز الأمن بأن نفي نتنياهو في هذه الشأن لا يتطابق والواقع. «فهمنا ان علينا أن نصدق الأنباء في (يديعوت احرونوت) وليس الأنباء من مكتب رئيس الوزراء»، قال مصدر في جهاز الأمن.
أمر غانتس مدير عام وزارة الدفاع أمير ايشل بالشروع في مفاوضات مع الأميركيين بهدف الحفاظ على التفوق النوعي لإسرائيل حتى بعد تنفيذ الصفقة. وبكلمات أكثر ملموسية، الحصول على تعويض ذي مغزى مقابل موافقة إسرائيل على صفقة السلاح مع الإمارات.
في جهاز الأمن وضعت أوساط جهاز الأمن أفكارا لها. وفي منتصف أيلول تحدث غانتس هاتفيا مع وزير الدفاع الأميركي مارك آسبر. وكان هدف الحديث فتح الباب للمفاوضات على المستويات المهنية. في 22 أيلول وصل غانتس الى واشنطن، التقى آسبر ثنائيا وتلقى منه سلسلة من الوعود. بقي خبيران، في منصبين رفيعين في جهاز الأمن في واشنطن لإدارة المحادثات. وقد دارت هذه دون مشاركة رئيس الوزراء أو السفير الإسرائيلي في واشنطن. وحسب القانون الذي أجازه قبل سنين أصدقاء إسرائيل في الكونغرس الأميركي، فإن لإسرائيل الحق في الإعراب عن المعارضة لكل صفقة سلاح تمس بمصالحها. ويمكن للمعارضة الاسرائيلية ان تفشل كل صفقة. وكانت الإدارة الأميركية ملزمة بأن تضمن عدم معارضة إسرائيل. فضلا عن ذلك، أوضح الإماراتيون بأنهم سيوقفون عملية التطبيع اذا لم تقر صفقة السلاح. وكان المصدر الثالث الذي ضغط على وزارة الدفاع الأميركية هو البيت الأبيض لترامب. فقد أراد جارد كوشنير صفقة قبل الانتخابات.
في الاتصالات السرية التي سبقت الاتفاق كانت لإسرائيل ثلاث امكانيات: ان تقول «لا» لصفقة السلاح، ان تقول «نعم» للصفقة او ان تقول «نعم، لكن». وفهم جهاز الامن بأن نتنياهو قال، عمليا، «نعم، وشرعوا في جهود لتحويل الجواب الى «نعم، لكن».
كانوا يعرفون بأن صفقة السلاح مع الامارات كانت مجرد البداية. فالسعودية ستكون الزبون التالي، ربما مصر ودول اخرى ايضا. محظور للصفقة أن تزيل تماما القيود على بيع السلاح لدول في الشرق الاوسط. هذا خطير على اسرائيل.
تفاصيل الاتفاق الذي تبلور بين «البنتاغون» ومبعوثي جهاز الامن سريا. هذا اتفاق مركب، يشرح من كان مشاركا فيه. فهو يتضمن قدرات عسكرية لم تكن لاسرائيل حتى اليوم، تسويات لتأجيل الدفعات وتقديم موعد التوريد، وغيره. «يوجد فيه امور حساسة جدا ومهمة جدا»، كما يشدد أحد المشاركين. «مع هذا الاتفاق أنام بهدوء: حوفظ على التفوق النوعي لاسرائيل».
كل شيء تم بضغط الزمن، لأن الاماراتيين طالبوا برفع صفقة السلاح لاقرار الكونغرس في أقرب وقت ممكن. لم يكونوا مستعدين للمخاطرة: اصروا على أن تعلن اسرائيل بأنها لا تعارض اقرار الصفقة. وفي هذا الشأن هم ثابتون تماما: منذ احتفال السلام في الساحة الجنوبية في البيت الابيض يقولون المرة تلو الاخرى: توجد صفقة، بموافقة اسرائيل. وهذا ايضا ما قاله، بضغط الأميركيين، ترامب وجارد كوشنير. صباح يوم الاحد، سافر المدير العام ايشل لواشنطن كي يجمل التفاصيل الاخيرة. ويوم الثلاثاء، ابلغ غانتس بأن الاتفاق جاهز وانه يوافق عليه. يمكن لغانتس ان يأتي ليوقع. عاد ايشل الى البلاد، سافر غانتس الى واشنطن يوم الاربعاء ليلا، ويوم الخميس وقع على الاتفاق. وعندما هبط في البلاد يوم الجمعة، نشر بيانا مشتركا مع نتنياهو عن الاتفاق الامني مع الادارة الأميركية. بضغط الأميركيين والاماراتيين اضطر نتنياهو لأن يعترف: اسرائيل اعطت ضوءا اخضر لصفقة السلاح.
وعندها فهم نتنياهو بأنه انكشف، الانباء الملفقة لم تكن في «يديعوت» التي نشرت هنا بل في بلاغاته وبلاغات كل صفحات رسائله. وسارع لأن يصدر بيانا يقول عمليا: لست أنا من وافق على صفقة السلاح الاماراتية – غانتس وافق، في محادثاته في واشنطن. وفي غضون دقائق أصدر غانتس بيانا خاصا به، عرض فيه نتنياهو ككذاب. وأمس، عقد نتنياهو مؤتمرا صحافيا تمسك فيه مرة اخرى بروايته – بخلاف التقارير من واشنطن، من ابو ظبي ومن جهاز الامن في اسرائيل. الاتفاق مع اتحاد الامارات جيد جدا. وهو جيد ايضا بالثمن الذي ستكون فيه اسرائيل مطالبة بدفعه مقابله. هكذا كتبت غداة الاعلان عن الاتفاق. والصفقة التي وقعت مع «البنتاغون» تضيف علاوة اخرى على الحساب. ومحظور أن ننسى خطوات التطبيع مع السودان. فقد ولدت البشرى السودانية بطلب من محمد بن زايد، حاكم الامارات: طرد محافل الارهاب الاسلامي من السودان يضمن الملاحة في مضائق باب المندب – شريان حيوي لنفط الامارات. وهو يضرب ايران. اسرائيل تخرج كاسبة، وهذه بشرى ممتازة. نتنياهو جدير بالتقدير على القرارات الشجاعة التي اتخذها: التنازل عن الضم في الضفة؛ التسليم بتوريد سلاح أميركي متطور لدول عربية. لشدة الاسف، يفضل أن يسوق للجمهور اسطورة السلام بلا مقابل، ونفي ما لا يمكن نفيه وتسمية الحقيقة أنباء ملفقة. ان نفيه العابث يذكر الجمهور بنفيه الكاذب في موضوع الغواصات. فهذا يطلخ خطوة سياسية علينا جميعا أن نتباهى بها.
في حكومات سابقة كان يمكن لتبادل الاتهامات بين نتنياهو وغانتس أن تؤدي الى تفكيك الحكومة. ليس في حكومات نتنياهو. يوم الجمعة، يوسخون؛ يوم الاحد، يواصلون كالمعتاد، حتى الانفجار التالي.

عن «يديعوت أحرونوت»