تحت العشرين... جيل منتصب القامة..!

عطالله
حجم الخط

-خبر-كتب:اكرم عطا الله

18 تشرين الأول 2015

ليس مهماً هنا متى تنتهي هذه الهبة أو الانتفاضة سواء كانت قصيرة أم طويلة، فهي موجة من موجات الصراع الذي يأخذ طابعاً دامياً أكثر مع تقدم الزمن وسيطرة اليمين في إسرائيل وتسيد ثقافته .. ليس مهما طبيعة ومستوى ما فعله الشباب بقدر ما أن المهم هنا هو أن هناك جيلاً جديداً خارج كل حسابات موازين القوة .. وخارج حسابات التوازنات السياسية يلتقط الراية ويتقدم متجاهلا واقع أرادت إسرائيل بكامل ترسانتها فرضه على الفلسطينيين.
أغلقت حكومة اليمين كل نوافذ الأمل أمام شعب يرزح تحت الاحتلال وينهش جسده بالاستيطان .. جعلت خطاب اليأس وأسئلة اليأس هي الأسئلة الأكثر رواجاً في أروقة السياسة والأحزاب، ما العمل؟ وماذا بعد؟ وحين اصطدمت كل الأسئلة بحائط الصد اليميني قالوا لنا بشكل مثير للدهشة: نحن الذي بعد، ونحن الجواب، رفضوا للصولجان أن يسقط وفي أشد لحظات القضية سواداً عبؤوا من دمائهم قناديل الوطن وأضاؤوا مشاعل الطريق نحو الدولة.
هذا هو التاريخ الفلسطيني العجيب بصعوده وهبوطه، ودروبه الطويلة المتعرجة، هو نفس الجيل الذي يعلن تمرده علينا بعد أن يذهب الجيل الذي يسبقه لاستراحة المحارب أو لاستكانة الإحباط، حين هاجر جيل النكبة يائساً من العرب ومن كل شيء توزع في المنافي في ذروة اليأس خرج جيل العشرين الذي تلاه في ستينات القرن الماضي معلناً ثورة امتدت على مساحة العالم .. لم يصدقهم أحد ولكن ثبت لاحقاً أنهم صنعوا المعجزة.
    وعندما كبر هذا الجيل بعد بطش شارون والقوة 101 وحملة الإعدامات التي أحدثت كي الوعي لكافة سكان الضفة وغزة إلى الدرجة التي بدا فيها كأن الشعب سلم قدره .. خرج جيل العشرين الجديد معلناً انتفاضة الحجارة .. امتلأت بهم الشوارع والساحات العامة .. السجون وغرف التحقيق .. علقت صور شهداء الجيل على جبين الوطن وفي المفترقات .. الذين أرغموا دولة الاحتلال حينها أن تجثو على ركبتيها تبحث عن حل لتمرد قرر أن يستمر بلا توقف لأنه ليس لهذا الجيل من حدود لطموحاته ومخزون الإرادة الوطنية الكامن في صدره والذي حين يتفجر يجرف في طريقه كل الجيوش.
    منذ أشهر والصورة تزداد قتامةً واليأس يقترب من ذروته والقضية برمتها في الضفة وغزة في عنق زجاجة كأنها تتهيأ للسقوط في القاع، والإسرائيلي يرفض المفاوضات بعد فرصة الأشهر التسعة التي أفشلها أو بعد العدوان على غزة لرفع الحصار، وبات المشهد خانقاً بلا أمل وخصوصاً بعد إعادة انتخاب نتنياهو وتشكيله حكومة اليمين من جديد.. لكن كان هناك جيل هو نفس الجيل الذي كان يغلي دون أن يلاحظه أحد في حالة نسيان حتى لتاريخنا نحن، فباغتنا حيث لم نتوقع، قال لإسرائيل لن تنجح كل معادلات السيطرة على شعب أراد الحياة.
      الحقيقة أنهم تمردوا علينا في ثورتهم على إسرائيل، تمردوا على هذا الوضع الذي وصلنا إليه أو ساهمنا بإيصال أنفسنا إليه .. وقفوا على أقدامهم عندما هبطنا أو اقتربنا من السقوط في العدم، هم الجيل الذي قالت إسرائيل إنه ولد بعد أوسلو وقد كانوا أطفالا عندما حدث الانقسام، تحتفظ ذاكرتهم بجيل سبقهم خاض حرب الصراع على سلطة بلا سلطة على الذين اقتتلوا فأضعفوا أنفسهم ومشروعهم الوطني الذي تلقى ضربته الأكبر.
      قالوا لنا جميعا: سنمضي حتى دونكم، تصالحتم أم لم تتصالحوا، استمروا في حواراتكم العدمية، احصوا ما لا نهاية من جولاتها .. تنافسوا على الزعامة والرتب والرواتب والمعابر واغرقوا أكثر بتفاصيلها فنحن لا يعنينا ذلك .. ما يعنينا فقط هو أن الاحتلال يصفعنا جميعاً صباح مساء ولا تبدو في الأفق نهاية له أو كأنه اعتقد أن الاستسلام أصبح قدرنا الوحيد ويمكن أن يستمر إلى الأبد.
      من جيل النكبة وبعدها عقدان على جيل الستينات ثم عقدان على جيل الانتفاضة الأولى وعقد ونصف على الانتفاضة الثانية وعقد ونصف الآن على هذه الهبة الكبيرة هناك جيل يسلم جيلاً، ولكن المشترك بينهم أن الذي يستلم الراية هم أبناء العشرين أو يزيد قليلاً .. إنه الجيل الذي يمشي منتصب القامة كلما أرغمنا الاحتلال على الهبوط يرفعنا جميعاً .. وفي الوقت الذي يتجاهل النظام السياسي والقوى والأحزاب الشباب يقوم هؤلاء بأخذ دورهم دون استئذان بل أنهم يشكلون طليعة ثورة أو انتفاضة تغير وجه التاريخ وتكسر كل المعادلات التي تفرضها إسرائيل. هنا يجب القول إنه يجب الاستفادة واستغلال كل هذه الطاقات الكامنة في الشباب وتوجيهها لأنها تمثل احتياطي الإرادة.
      ولكن في ذروة اللحظة العاطفية التي فاجأنا بها هذا الجيل لا يجب أن يغيب عن بالنا أن القدس قبل ثورة الشباب ليست القدس بعدها، وأن استهداف إسرائيل للمدينة لم يتوقف، وأن إسرائيل التي باتت مثقلة بالفلسطينيين الذين يشكلون 40% من سكانها قد تستغل ما حدث لشرعنة إجراءات تغيير الواقع الديمغرافي فيها، لم تتوقف بل ستزداد في القادم، وما إجراءات هدم البيوت وسحب الهويات وعزل الأحياء لتدميرها اقتصاديا وتحويلها لثكنة عسكرية لا تهدف إلا لتحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم لتحقيق الترانسفير القسري والطوعي.
      فالمعركة على القدس انتقلت من الخفاء إلى العلن ومن الإجراءات الناعمة للإجراءات الشرسة، ما يضيف للفلسطينيين مهمة جديدة في ذروة الأحداث أو بعد نهايتها .. انها المهمة التي كان يجب أن تبدأ من قبل وقبل أن تنبهنا لها المعارك الأخيرة، والمشكلة أن إسرائيل تجيد استغلال أبسط الأحداث وتستخدمها في إطار مشروعها السياسي أو الديمغرافي، في حين لا يملك برنامج المواجهة سوى الاندفاع.
     ماذا يمكن أن نعمل للقدس وأهلها .. فقيرة، يتعرض تجارها لمقاطعة اقتصادية بهدف بيع محلاتهم، تفرض عليهم الضرائب الكبيرة، والملياردير اليهودي مسكوفيتش جاهز لشراء البيوت والمحلات، فيما صندوق القدس العربي خاو تماماً، وبينما يتعزز الوجود اليهودي في القدس تصدر فتاوى منع العرب والمسلمين من زيارتها وتركها خاوية .. لا يكفي ما أحدثه الشباب من صوت وصدى وصل إلى آخر المدى، بل برنامج حماية القدس من الإجراءات القائمة والقادمة وهو المطلوب، إنه الجيل الذي رفض أن يقتحم اليأس عتبة جباهه ليمشي مرفوع الهامة نحو الحلم الذي تحرسه دماؤهم... كم هم مدهشون حقاً.