ألقت قرارات الاجتماع الأخير للمجلس الأمني الإسرائيلي المصغّر، بشأن الأوضاع الأمنية في القدس المحتلة، بظلالها على حياة المقدسين بشكل أكبر مما كانت عليه قبل موجة الاعدامات الميدانية التي ينفذها الاحتلال بحق المقدسيين بحجج وذرائع واهية.
وسرعان ما تُرجمت قرارات “الكابينت” على الأرض، حيث نصب الاحتلال الاسرائيلي 32 حاجزا في القرى الواقعة في شرقي مدينة القدس والممتدة من شمالها إلى جنوبها، وتنوعت هذه الحواجز بين اسمنتية، تغلق مداخل وشوارع القرى تماما، وشرطية، يقف فيها عناصر من قوات الاحتلال يسمحون لمن يشاءون بالعبور ويمنعون من لا يريدون.
حواجز الاحتلال شملت القرى التي ادعى الاحتلال أن منفذو عمليات الطعن يسكنوا فيها، بالإضافة الى قرى أخرى اتهم أهلها بالضلوع في ” أعمال الشغب” التي افتعلها الاحتلال داخل وفي محيط المسجد الأقصى المبارك.
وانتشرت الحواجز الاحتلالية في قرى مقدسية عديدة يسكن فيها عشرات الالاف من المقدسيين كقرية جبل المكبر وصور باهر وسلوان والطور وعناتا وحزما وشعفاط، وحي الشيخ جراح ووادي الجوز و رأس العامود والثوري.
ازدحامات واهانات
أدى إغلاق الكثير من الشوارع الرئيسية في الأحياء والقرى المقدسية؛ إلى تجمع حركة المرور بشارع واحد في كل قرية أو حي ما تسبب في ازدحامات كبيرة، يقضي المقدسيون فيها الكثير من الوقت، حيث قال المقدسي يوسف بركات الذي يعيش في حي رأس العامود جنوبي المسجد الأقصى ” إن إغلاق شوارع الحي بالمكعبات الاسمنتية وزرع نقاط تفتيش فيها أثّر بشكل كبير على 30 ألف مقدسي يعيشون فيه”.
وأضاف، أن حواجز الاحتلال دفعت ابنه إلى عدم الذهاب إلى عمله خارج الحي بسبب الأزمات التي تفتعلها تلك الحواجز، التي من وظيفتها -كما يرى بركات-التنكيل بالمقدسيين، حيث ترغم كل من أراد عبور الحاجز على رفع ملابسه من مسافة بعيدة، وبعد اقترابه من الجنود، يتم تفتيشه بشكل فعلي مهين، على مرأى الجميع.
ودفعت حواجز الاحتلال المقدسي للتفكير مليا كيف سيخرج من منزله، وجعله يؤثر البقاء في المنزل اذا ما كان مضطرا للخروج، وأرغمت الواحد منهم على الخروج الى عمله قبل الموعد المعتاد بساعة واحدة، حتى لا يقع في معاناة الحواجز.
” يسألنا الجندي عن بطاقات الهوية، ثم يأمرنا بفتح جيب السيارة الأمامي، وأحيانا يطلب منا الترجل وفتح صندوق السيارة الخلفي، أما إذا كنا وصلنا الحاجز مشيا، يوقفنا على الحائط ويأمرنا بوضع وجهنا باتجاه الحائط ورفع أيدينا وفتح أرجلنا بأقصى حد، ثم يبدأ تفتيشه بحثا عن أي ذريعة لتوقيفنا أو قتلنا” شرح بركات.
طلاب المدارس
لم يكتف الاحتلال بالتنكيل بالبالغين، فأخذ ينكل بكل من يريد عبور الحاجز سواء كان رجلا أم سيدة، شاب أم طالب مدرسة. وعلى حاجز قرية العيساوية، شمال شرقي القدس المحتلة يقف الجنود على تلة ترابية عند مدخل القرية، يومئ الجندي برأسه لصفوف المنتظرين، ويأمرهم بالتقدم منفردين، ليقوموا بتنفيذ أواره برفع ملابسهم وخلع أحذيتهم التي باعتقاده ربما تحتوي على سكين!.
الطالب محمد عبيد قال إنه يتأخر عن مدرسته بين النصف ساعة والساعة يوميا بسبب الحاجز واجراءات الجنود المنتشرين فيه، حيث يقوم الجنود بتفتيش جميع الطلاب وحقائبهم ما يستغرق كثيرا من الوقت، بسبب التزاحم الكبير الذي يصادف حركة العمال أيضا.
المستشفيات والاسعاف
حتى المستشفيات في مدينة القدس لم تسلم من تداعيات الحواجز والاغلاقات، حيث نصب الاحتلال حواجزه بالقرب من مستشفى المطّلع والمقاصد في قرية الطور، وكذلك مستشفى الفرنساوي في حي الشيخ جراح ما يعيق حركة المرضى، ويصعّب من عملية نقلهم.
الطبيب أمين أبو غزالة، الذي يعمل في طوارئ الهلال الأحمر الفلسطيني قال، إن الحواجز في القرى والأحياء المقدسية منعت سيارات الاسعاف من الوصول إلى المصابين، مضيفا أن قوات الاحتلال تضع حواجزها بالقرب من مداخل المستشفيات ما يمنع طواقم الاسعاف من نقل المرضى إلى المستشفيات حتى في الحالات المستعصية، مطالبا إدارة المستشفيات والمسؤولين بالاعتراض الفعلي على إجراءات الاحتلال، لإخراج المرضى من دائرة التنكيل والتعذيب.
القدس القديمة
أما في بلدة القدس القديمة، فينتشر جنود الاحتلال على جميع مداخل البلدة، ويقومون بتفتيش الوافدين إليها عن طريق أبواب الكشف المغناطيسية، التي زرعها الاحتلال على مدخل باب الأسباط وطريق باب العامود والواد والسلسلة وباب الخليل، بالإضافة إلى التفتيش اليدوي للشبان والنساء.
ويستهدف جنود الاحتلال الشبان المتواجدين في منطقة باب العامود وطريق الواد المؤدية إلى المسجد الأقصى المبارك أكثر من غيرها، حيث يقومون بطلب بطاقاتهم الشخصية وتسجيلها، وكذلك تفتيشهم عند كل حاجز قد يمرون به.
الدور المطلوب
يرى عزام أبو السعود، المختص بشؤون القدس، أن الحواجز التي أقامها الاحتلال في القرى والأحياء المقدسية تهدف إلى إهانة المقدسيين وتضييق الحياة عليهم؛ لتنزيل سقف مطالبهم خاصة أن الهبّة المندلعة في المنطقة غير مؤطرة ولا يتبناها أي حزب سياسي أو قيادة، ما يجعل الاسرائيليين يراهنون على انتهائها خلال الأيام القليلة القادمة.
وطالب أبو السعود القيادة الفلسطينية باحتواء هذه الهبّة، والخروج بموقف الرجل القوي، الذي يتلاءم مع حجم الحراك الموجود الآن على الساحة الفلسطينية، ودعا القيادة الفلسطينية الى استغلال الموقف سياسيا ودوليا من أجل الضغط على إسرائيل.