فوز بايدن بالرئاسة إطالة مؤقتة لعمر السلطة ولكنه وحده لن يعطينا الدولة فما العمل !

حجم الخط

قلم: المحامي زياد أبو زياد

 

السؤال الهام الذي يواجهنا هو : كيف سنتعامل مع الإدارة الجديدة برئاسة بايدن وهل ستكون أفضل من إدارة ترمب أم أن الرجلان متفقان في الجوهر مختلفان في الأسلوب وأن ما كان يفعله ترمب بفظاظة سيفعله بايدن بلباقة وبدبلوماسية.

القول السائد في الشارع الفلسطيني هو أن لا فرق بين الإدارتين بل وهناك من يعتقد بأن ترمب أفضل من بايدن لأنه يلعب على المكشوف بدون قناع وأن بايدن سيسمعنا حلو الكلام ولكنه في نهاية المطاف سيفعل بالضبط ما كان يفعله ترمب ، وأنه كما قال الشاعر:

يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب.

لا أحد يتوقع أن يحقق بايدن انقلابا ً دراماتيكيا جوهريا في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل أو أنه سيأتي بالحل العادل الذي نريده نحن الفلسطينيون. فهو لا يخفي ولا ينكر دعمه والتزامه المطلق بأمن إسرائيل وضمان استمرار تفوقها العسكري بالمنطقة وبالعلاقة الاستراتيجية بين بلاده وإسرائيل وستكون سياسته استمرارا للسياسة التقليدية الأمريكية كما عهدناها في عهد كلنتون واوباما.

ومع ذلك فإنني أعتقد بأن فوز بايدن سيعطي القيادة الفلسطينية هامشا للتحرك وفرصة لالتقاط اللحظة وللنزول عن الشجرة العالية التي تسلقت عليها في عهد ترمب وبقيت عالقة فوقها بدون سلم للنزول ، كما أن فوز بايدن سيؤدي بالتأكيد الى إطالة عمر السلطة الفلسطينية لفترة زمنية قصيرة قادمة بعد أن كانت السلطة على وشك الإنهيار لو استمر ترمب في الحكم ، ذلك لأن الأمل في التوصل الى حل وإلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة هو المبرر الوحيد لبقاء السلطة فإذا ما تبدد هذا الأمل فإنه لا يبقى أي مبرر أو معنى لاستمرار وجودها كوكيل أو مقاول يعمل لصالح الاحتلال للقيام بالمهام القذرة كجمع النفايات أو إدارة شؤون البلديات نيابة عنه.

فالسؤال الجوهري هو: ماذا نريد ؟ والجواب بالطبع هو أننا نريد إنهاء الإحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين أو حل " عادل " لقضية اللاجئين.

وهنا لا بد من الإقرار بأنه لا توجد أي دولة أو رئيس دولة في العالم يستطيع أن يقدم لنا ما نريد بالمجان أو بدون أن يكون لدينا من الوسائل ما يمكنّا من أن نفرض إرادتنا عليه. لأنه وبكل بساطة " لا توجد وجبات مجانية ". ونحن لا نملك ثمن الوجبة التي نريد لأننا تنازلنا مسبقا ً عن الثمن ودفعناه قبل أن نحصل على الوجبة. فقد تنازلنا عن المقاومة ونبذناها ، وخلدنا الى الراحة وانهمكنا في الصراع على الاستحقاقات الوظيفية والألقاب الشكلية والرتب والمسميات الفارغة والإمتيازات المرهونة ببقاء الإحتلال واستشرى في جسدنا الفساد وقمنا ببناء وهم أسميناه دولة وهو لا يملك شيئا ً من مقومات الدولة ، ثم تشققنا وتصدعنا من الداخل وحلت بيننا العداوة والبغضاء متمثلة بالإنقسام والإنقسامات الداخلية على كل الأصعدة.

كل ما يمكن أن نتوقعه من إدارة الرئيس بايدن هو أنها ستؤدي الى تباطؤ أو توقف ولو مؤقت لعملية التصفية التي تتعرض لها قضيتنا وعلينا أن نتعامل مع هذه الإدارة بطريقة تختلف تماما عما تعاملنا به مع سابقتها إذا ما أردنا أن نتعامل معها كإستراحة محارب وكمرحلة نستطيع خلالها وقف الطوفان الذي يداهمنا وتجميع قوانا وإعادة بناء وضعنا الداخلي وخياراتنا.

وإذا ما أدركنا أن علينا أن نتعامل مع عهد بايدن بأنه فسحة زمنية نستطيع خلالها أن نعيد حساباتنا وبناء إمكانياتنا الذاتية كي نتوصل الى وضع نستطيع فيه انتزاع حقوقنا وتحقيق تطلعاتنا فإن علينا أن لا نصطدم بها بل أن نتعامل معها بواقعية سياسية لا نتوقع منها المستحيل ولا تقطع الحبل معها أوننسف الجسور بيننا وبينها.

فنحن مثلا ً لا نستطيع أن نطلب من رئيس الولايات المتحدة أن يلحس كلامه وأن يلغي قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل كما طلبنا من ترمب ولا نستطيع أن نطلب ذلك من بايدن ، ولكننا في نفس الوقت نستطيع أن نطلب من بايدن أن يحصر اعترافه بالقدس الغربية كعاصمة لإسرائيل وأن يعترف بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين وأن يعيد فصل القنصلية الأمريكية بالقدس العربية عن سفارة بلاده واعتمادها في القدس الشرقية سفارة لدولة فلسطين والإعتراف بدولة فلسطين.

ومن حقنا أن نتوقع من الإدارة الجديدة برئاسة بايدن وكبادرة حسن نوايا لخلق أجواء ايجابية للعمل المشترك الأمريكي الفلسطيني ، أن تبادر فور استلامها الحكم في كانون الثاني/ يناير القادم الى إعادة الوضع الى ما كان عليه قبل الخطوات التي اتخذها ترمب ضد فلسطين ، وذلك بإعادة تأكيد موقفها بعدم شرعية الاستيطان ومخالفته للقانون والمعاهدات الدولية وأن الأراضي الفلسطينية هي أراض محتلة وإعادة فتح ممثلية المنظمة في واشنطن واستئناف المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية وللأنروا ومستشفيات القدس ، وإعادة الخطاب السياسي الدولي إلى ما كان عليه فيما يتعلق بالحفاظ على الوضع القائم (ستاتسكو) للأماكن المقدسة في القدس كما كان عليه منذ 1852 وعدم المساس بها أو تغيير وضعها القانوني ، وكل هذا يتطلب تضافر الجهود الفلسطينية مدعومة عربيا ً وإسلاميا لحماية القدس والأقصى من أي مساس بها أو بوضعها ومكانتها.

ولا شك بأنه من الضروري البدء منذ الآن باستكشاف كل القنوات والطرق للوصول إلى بايدن والى من هم حوله والبدء في حوار معهم لاستباق الأحداث وأخذ زمام المبادرة.

وعلى القيادة أن تعيد النظر في مقترح عقد مؤتمر دولي للسلام الذي قدمه الرئيس عباس في خطابه أمام الجمعية العمومية ومواءمة هذا المقترح مع المستجدات على الساحة الأمريكية لضمان دعم وقبول أمريكا به إذ أن ما كان يصلح لمواجهة صفقة القرن وتحدي عنجهية الرئيس ترمب لا يصلح للتعامل به وبنفس الأسلوب مع الإدارة الجديدة برئاسة بايدن.

وعلينا أن أن نقدم المقترحات العملية البديلة لما نرفضه مما يُطرح علينا للحافظ على صورتنا الإيجابية وبما يتفق مع ثوابتنا الوطنية لتغيير الصورة النمطية الرفضاوية السلبية التي نجحت إسرائيل في صنعها للقيادة الفلسطينية.

إدارة الرئيس بايدن هي فرصة للنزول عن الشجرة واستغلال الوقت للعمل على إصلاح وضعنا الداخلي والإنطلاق نحو الهدف الذي لن يتحقق من خلال الاعتماد على الغير وإنما من خلال بناء وحشد طاقاتنا الذاتية وتوظيفها لخدمة برنامجنا الوطني. وهذا يتطلب إعادة بناء مؤسساتنا على قواعد الشرعية الانتخابية التي ذابت الألسن وجفت الأقلام من كثرة ما تكلمت وكتبت عنها ، وترتيب جدول أولوياتنا وإعادة الثقة بين الشعب والقيادة والتعبئة المعنوية والسياسية وتبني استراتيجية واضحة وثابتة هدفها استغلال كل الطاقات الشعبية للضغط باتجاه تحقيق الاستقلال والتحرر الوطني بما في ذلك المقاومة الشعبية كبرنامج وطني يُعمل به وليس كشعار للتلويح بهدف التخويف أو الابتزاز الذي لم يعد ينطلي على أحد.

وإذا لم نتمكن من ذلك فإن علينا أن نتوقع نهاية للوضع الحالي وللسلطة القائمة التي بدأت كمرحلة انتقالية ويجب أن تنتهي لا أن تتحول الى مرحلة دائمة لأن مطلبنا هو الدولة وبدونها لا معنى لاستمرار الوضع القائم.