الحدث الترامبي، أو الكابوس..!!

حسن خضر.jpg
حجم الخط

بقلم: حسن خضر

لا تحتاج وقفة مع «الحدث الترامبي» إلى ما يبررها. ولا أجد مفردة تختزل رئاسة ترامب أفضل من الكابوس. ويمكن الزعم، بكثير من الثقة، أن ملايين الناس في العالم، وفي أميركا نفسها، لن يجدوا صعوبة في قبول مفردة كهذه في معرض التعبير عن مشاعرهم الخاصة في هذا الشأن. وفي السياق نفسه، يمكن الزعم، وبالقدر نفسه من الثقة، أن كل قراءة لـ «الحدث الترامبي» ستظل ناقصة ما لم نضع العلامات التالية في الاعتبار:
أولاً، لم تضع الهزيمة في انتخابات الرئاسة حداً للكابوس بطريقة حاسمة، فالمذكور لم يرفض الاعتراف بالهزيمة وحسب، بل ويدعي أن الرئاسة سُرقت منه، أيضاً، وقد شرع في تنظيم مهرجات خطابية ومسيرات، علاوة على المرافعات القانونية. وهذا كله ينطوي على احتمال العنف، ويُحرّض عليه.
ثانياً، ترامب هو «أسوأ مجرم في التاريخ». هذا حكم نعوم تشومسكي. مسوّغات الحكم أن التاريخ عرف ما لا يحصى من المجرمين والمجانين، ولكن أحداً من هؤلاء لم يشن الحرب على الطبيعة، وموقف المذكور من الاحتباس الحراري، وتلوّث البيئة، وقضايا المناخ، ورفضه للمواثيق والهموم الدولية ذات الصلة، بما فيها التزامات سابقة للولايات المتحدة، يمثل إعلاناً للحرب على كوكب الأرض.
ورغم أن لدينا في العالم العربي (مصر، والسودان، وبلاد الشام، والعراق، وشمال أفريقيا، واليمن) ما يكفي من الأسباب لوصف ترامب بأسوأ النعوت، إلا أننا لن نحتاجها في معرض التدليل على بنيته العقلية، والإنسانية، والسياسية المعطوبة، فمهما قلنا لن نزيد على ما جاء في كتابي مايكل وولف «النار والغضب» و»الحصار»، وكتابي بوب وودوورد «الخوف» و»الغضب»، إضافة إلى ماري ترامب، «أكثر مما ينبغي ولا يكفي أبداً: كيف صنعت عائلتي أخطر رجل في العالم»، و»حالة دونالد ترامب الخطيرة»، الذي يضم تحليلات لسبعة وثلاثين من كبار الأكاديميين والمختصين في علوم النفس، واضطرابات الشخصية، في الولايات المتحدة. القائمة طويلة، والخلاصة أن أميركا كانت على مدار أربع سنوات في قبضة نرجسي جاهل «لا تزيد ثروته اللغوية على خمسين مفردة»، كما قال عنه فيليب روث، وهو أحد أهم الكتّاب الأميركيين، بعيد وصوله إلى البيت الأبيض.
سنؤجل الكلام عن: «ولكن كيف تمكّن شخص بهذه المواصفات من حكم أميركا»، وكيف ولماذا: «أصبح زعيماً للجمهوريين، وصوّت له ما يزيد على سبعين مليوناً من الأميركيين قبل أيام»، وعن تأويلات من نوع «ترامب وجه أميركا الحقيقي، وبايدن قناعها الخادع). كل ما نريد قوله، الآن: إن ترامب تصرّف «كطفل مُدلل يصعب التنبؤ بردود أفعاله»، فألحق ضرراً باتحاد الولايات، والديمقراطية الأميركية، والتقاليد السياسية السائدة في تلك البلاد، لن تشفى منه (إن شفيت) في وقت قريب.
وكل ما نريد قوله، الآن، ثانياً: إن مواصلة التحقيق في الذمّة المالية والسياسية (ناهيك عن الشخصية) للمذكور بعد فقدان امتيازات وحصانة الرئاسة، قد يُميط اللثام عمّا «تشيب من هوله الولدان» (العربية لغة عجائبية، ونحن نذهب معها، أحياناً). فهناك ما يدل على التهرّب من الضرائب، وثمة أكثر من علامة استفهام بشأن قوّة أجنبية ربما تكون جنّدته، أو لديها ما يمكنها من ابتزازه، هذه الأشياء تقود إلى السجن، بطبيعة الحال. وإن حدث هذا، وعندما يحدث، سنتمكّن من الكلام عن خاتمة سعيدة للكابوس.
وكل ما نريد قوله، الآن، ثالثاً: إن ترامب هذا، وبكل ما ذكرنا من عطب، ونعوت، وشبهات، (لم نخترعها، بل شهد شاهد من أهلها) قد قوبل على مدار أربع سنوات بقدر واضح من التحفّظ، إن لم يكن الازدراء، من جانب الديمقراطيات الغربية، وأن الدب الروسي تلاعب به، والتنين الصيني قارعه باقتدار، وكيم جونغ إيل، النووي، «ضحك عليه»، ولم يُفْرط في «حبّه» سوى نتنياهو، و»العرب». «حب» نتنياهو مفهوم. فقد نال من ترامب ما لم ينله أحد من قبل. أما موضوع «العرب» فأكثر تعقيداً، وتحتاج معرفته لاطلاع مُسبق على تواريخ البداوة، ونشوء الدولة الحديثة، وانهيار القومية العربية، وصعود القوميات النفطية، والدينية. والهيمنة الأميركية.
وما يزيد من تعقيدات «الحب» أن المذكور لم يوفّر فرصة إلا وأهانهم بطريقة لا تقبل اللبس: سخر منهم، وقال إن السعوديين لا يستطيعون البقاء أكثر من أسبوعين دون حماية أميركية، وقال إن عليهم، هم والخليج، أن يدفعوا أكثر، وأن لا شيء لديهم سوى المال. وعلاوة عليه، وصف الرئيس المصري بدكتاتوره المُفضّل.
ومع هذا كله: لم يشن أحد الحرب على «الإسلام»، ويعاقب «المسلمين» بطريقة جماعية، كما فعل ترامب، الذي حرم مواطني سبع دول «إسلامية» من دخول بلاده، وتكلّم، كاذباً ومُحرّضاً، قبل عامين، عن مسيرة المهاجرين من هندوراس، «التي تضم أعداداً كبيرة من الشرق أوسطيين» (يعني من العرب المسلمين، فلا وجود للبوذيين، مثلاً، في الشرق الأوسط، وأغلب المسيحيين العرب يهاجر بطريقة شرعية من بلدان ضاقت بهم وعليهم). لذا، ثمة ما يبرر التفكير، دائماً، في تجليات من نوع «غضب المسلمين»، كما حدث مع ماكرون، مؤخراً، كردود فعل انتقائية، تماماً، تفتقر إلى العفوية، وتخضع لحسابات مُسبقة. فأميركا الترامبية استحقت أكثر من غيرها دعوات المقاطعة، والتظاهرات. ولكن لا حياة لمن تنادي.
والمهم، أن ترامب لم ينجح في أي مكان كما نجح مع أحبابه «العرب». فأردوغان التركي لاعبه بالبيضة والحجر. وإيران الملالي صبرت وصمدت وقاتلت، أما «العرب»، الذين كانوا في حاجته، فعلاً، فلم يكن في الحاجة نفسها ما يبرر السحب من رصيد الفلسطينيين كعربون للمحبة، ولا كل هذا القدر من خضوع وأريحية «المُحب». فاصل ونواصل.