الولايات المتحدة: انتخابات بلا حسم

حجم الخط

بقلم: سيفر بلوتسكر

 


في تحليل نتائج الانتخابات للرئاسة الأميركية يطرح السؤال: بفضل اي جماعات ديمغرافية واجتماعية اقتصادية في المجتمع الأميركي انتصر بايدن على ترامب؟. الجواب يوجد في الفروق في انماط تصويتها للمرشح الديمقراطي والجمهوري في انتخابات 2020 مقارنة بـ 2016، حين تغلب ترامب على كلينتون. لم يكن هؤلاء هم اليهود: فاضافة الى وزنهم الصغير في اجمالي الناخبين، فان نسبة اليهود الأميركيين الذين صوتوا للديمقراطيين لم تزد بين المعركتين الانتخابيتين. ففي ولايات اساسية، مثل بنسلفانيا، صوت اليهود بذات المعدلات لبايدن مثلما لكلينتون. اما التصويت المكثف لترامب فسجل في اوساط الطائفة اليهودية الاصولية وفي اوساط الاسرائيليين السابقين.
لقد جلب النصر لبايدن اساسا المقترعون من الطبقة الوسطى الدنيا، المستقلون، اصحاب المصالح وعاملو الخدمات الشخصية، الذين تضرروا بشدة من ازمة «الكورونا» واملوا في تلقي مساعدة اقتصادية اخرى من الادارة. الارتفاع في البورصة لا يثير حماستهم؛ التقليص في بدل البطالة حطم الكثيرين منهم. بعد أن افشلت رزمة المساعدات الثانية بسبب معارضة الحزب الجمهوري وخضوع الرئيس لمتفرغي الحزب نقلت هذه الجماعات قسما مهما من تأييدها الى بايدن، الذي وعد بمنح سخية. واضيف اليه جموع المقترعين الافرو-أميركيين الغاضبين الذين لم يشاركوا في المعارك الانتخابية السابقة.
الى جانب انتقال المقترعين الى بايدن كان ايضا نقل التأييد من مرشح ديمقراطي الى جمهوري. هذا لم يفهم ولم ينعكس بكامله في استطلاعات الانتخابات التي تنبأت لبايدن بفارق سبعة حتى عشرة في المئة على ترامب؛ في الواقع حصل على نحو 3.6 في المئة اكثر من الاصوات. فمن هم اولئك الذين اخفوا عن المستطلعين تفضيلاتهم الانتخابية؟ ملايين الأميركيين الذين اخافتهم مظاهرات الاحتجاج العاصفة ضد الشرطة ممن تخوفوا من انهيار النظام العام ومن السلب والنهب العنيف. ودفع الخوف الى أذرع ترامب أصحاب المحلات العائلية والكثير منها من اصل آسيوي ولاتيني أميركي، النساء من الطبقة الوسطى – العليا من ضواحي المدن وعاملي الأجهزة السياسية الذين تماثلوا مع الشرطة والمراقبين.
وبالغ المعسكران ايضا جدا في أهمية المظاهرات. فقد تباهى ترامب بالاف المؤيدين المتحمسين الذين جاؤوا الى مهرجاناته الانتخابية، ومن شدة جهله صدق ان هذه «أميركا كلها». وبحقيقة الامر، كان هؤلاء كسرة صغيرة من واحد في المئة من أميركا. كما أن اليسار الراديكالي وقع ضحية أوهام مشابهة حين اعلن عن مشاركة «أميركا كلها» في التظاهرات ضد الشرطة وضد الادارة. اما عمليا فلم يشارك في المظاهرات الا قلة القلة.
ان تحليل عناصر الانتصار لمرشح الكتلة الديمقراطية المركزي، من الانتخابات التمهيدية الحزبية وحتى التفوق في عدد اعضاء المجمع الانتخابي يمكن أن يشكل مرشدا للاحزاب التي تتطلع الى الانتصار في دول اخرى. أولاً، عليها أن تهجر الشعبوية على الاطلاق والشعبوية الراديكالية الثورية المزعومة على وجه الخصوص. فالناخبون الذين يميلون الى الشعبوية سيصوتون على اي حال لصارخ آخر. ثانيا، من الافضل الامتناع عن حملة دعاية وتشهير شخصية. فمستشارو بايدن تمكنوا من ابعاده عن دور «مناهض ترامب» المطلق، وهكذا منعوا هروبا محتملا لناخبين مترددين. فقد ركز بايدن على انتقاد كل الادارة وكل سياسة البيت الابيض، وبتقنين فقط تناول ترامب الشخص مباشرة. ودرس مهم آخر: حياكة وتصميم الرسائل السياسية – الاقتصادية للحزب ومرشحيه تتناسب مع الجماعات والطوائف المحددة، ولا سيما تلك الكفيلة بان تغير تصويتها.
في اختبار النتيجة عملت قيادة بايدن بشكل افضل بكثير من قيادة ترامب الذي غرق في خطابية التآمر لليمين المتطرف وغريب الاطوار. صوت لبايدن هذه السنة 18 في المئة اكثر من الأميركيين الذين صوتوا لكلينتون في 2016، ولترامب 16 في المئة اكثر من مصوتي ترامب في 2016. في استطلاعات الرأي العام نحو 80 في المئة من الأخيرين يؤمنون بأن الانتخابات سرقت من مرشحهم وان بايدن سيكون بالتالي رئيسا غير شرعي. 58 مليون أميركي لن يروا فيه رئيسا انتخب بشكل قانوني، وهو عدد مقلق جدا. لقد بقيت أميركا، مثلما كتب محللو «نيويورك تايمز» بلا حسم واضح، مع معسكرين وفكرين مختلفين.

عن «يديعوت أحرونوت»