لا يُخفي على أحدٍ أن الهواتف الذكيةً أصبحتَ الآن تلعب دورًا كبيرًا في حياةِ الناسِ، فقد أصبحت وسيلةً للتواصُلِ الاجتماعي والترفيهِ والمعرفةِ، ونتيجة لذلك أصبحت تنتشرُ بين الأطفالِ والمراهقينَ بشكلٍ لافتٍ، وزادت المدةُ التي يمضونها مع تلك الأجهزةِ الأمرُ الذي دفع كثيرًا من الإخصائيين ووُلاةِ الأمورِ لدق ناقُوس الخطرِ من الآثارِ السلبيةِ النفسيةِ والاجتماعيةِ وغيرها التي قد تترتبُ على هذا الاستخدامِ مُطالبينَ بتقنينهِ.
ومُؤخرًا تسبب نشرُ مقطع فيديُو عبر مواقعِ التواصُلِ الاجتماعي في قطاعِ غزة، لحفلِ مشاهيرِ “التيك تُوك”، بسخطٍ وغضبٍ عارمٍ في أوساطِ المواطنينَ الغزيينَ، في ظلِ هذه الظروفِ الصحيةِ الطارئةِ، وتشديدِ الإجراءاتِ الحكوميةِ لمُواجهةِ انتشارِ جائحةِ فَايرُوس كُورُونا "كُوفِيد 19"، لا سيما أبرزُ هذه القراراتِ منعُ إقامةِ جميعِ الحفلاتِ والتجمُعاتِ، يدفعنا هذا التصرفُ للتساؤُلِ حول مخاطرِ تطبيقِ "تيك تُوك" بشكلٍ خاصٍ وتطبيقاتِ التواصُلِ الاجتماعي المُختلفةِ الأخرى، وكيف تحمي نفسكَ وعائلتكَ من هذه التطبيقاتِ؟
التيك تُوك أو بالإنجليزية ""TikTok، انطلقَ بشكلٍ فعليٍ في أيلول/سبتمبر 2016م، وهو عبارةٌ عن تطبيقٍ اجتماعيٍ مُتخصصِ بنشرِ الفيديوهاتِ بين روادهِ، حيثُ يقومُ المُستخدمُ بنشرِ فيديُو أو مقطع قصيرٍ مع أصدقائهِ لمُشاركتهِ لحظاتِ حياتهِ بكل سُهولةِ، ويتربعُ هذا التطبيقُ في المرتبةِ الرابعةِ بين التطبيقاتِ الأكثرِ تحميلًا في العالم لسنةِ 2018م، وبذلك فإنهُ ينافسُ كلًّا من تطبيقي سناب شات وانستغرام.
اليوم لم يُعد مِقصُ الرقيبِ التقليديِ ومُوظفي مُراقبةَ المحتوى في الإنترنت، فاعلينَ أمامَ هذا السيلِ الجارفِ من البياناتِ والمعلُوماتِ والصورِ والمقاطعِ التي تعجُ بها وسائلُ التواصُلِ الاجتماعي خاصةً وإنه عالمٌ مفتوحٌ بلا قُيودٍ ولا معاييرَ في داخلِ بيُوتِنا، فهُنا تظهرُ العديدُ من المخاطرِ جراءَ استخدامِ هذه الوسائلِ.
إن أحدَ المخاطرِ المُستجدةِ على التربيةِ والقيمِ الأسريةِ السويةِ والمُجتمعية، هي استخدامُ وسائلِ التواصُلِ الاجتماعي بشكلٍ سلبيٍ، ويكُونُ أكثرَ خُطورةً إذا كان المجتمعُ مُحافظَ مثل سُكانِ قطاعِ غزة، وتزدادُ الأضرارُ أكثرَ بقضاءِ وقتٍ كبيرٍ، ولنا أن نتخيَل حجمَ تضييعِ الوقتِ، وما يكتنفُهُ من مخاطرِ سُلوكيةٍ ونفسيةٍ واجتماعيةٍ وبالتأكيدِ أمنيةٍ.
أصبحت مُواقع التواصُلِ الاجتماعي من أهم الوسائلِ التي ارتكزت عليها "المخاطِرُ الأمنيةُ"، فهي تُمثلُ أداةً رئيسيةً في حربِ المعلوماتِ في ظلِ استباحةِ البياناتِ بشكلٍ كبيرٍ، والاختراقاتِ والتجسُس بغرضِ الحُصولِ على المعلُوماتِ الهامةِ ذاتِ الطبيعةِ السريةِ، والاستدراجِ وتشويهِ السُمعةِ، وتسببُ أيضًأ "مخاطِرَ اجتماعيةٍ ودينيةٍ" منها الترويجُ للثقافةِ الغربيةِ الغيرُ لائقةً في البلادِ العربيةِ اصبحنا نأخُذُها بدُونِ تفكيرِ، والتقليلُ من التَّفاعُلِ الأسريِ والانفصالِ الاجتماعيِ، ورغبةِ الشَّبابِ في الهجرةِ إلى الدولِ الأجنبيةِ، وزعزعةِ القناعاتِ الفكريةِ والثوابتِ العقائديةِ والمُقوماتِ الأخلاقيةِ والاجتماعيةِ التي من شأنِها إحداثُ بلبلةٍ داخلَ المُجتمعِ.
ومن تلك المخاطرِ هي "النفسيةُ" مثلُ الاكتئابِ والإحباطِ، تُشيرُ الدِراساتُ الحديثةُ التي أُجريت على تأثيرِ مواقعِ التواصُلِ الاجتماعي على المُراهقينَ يقارنُونَ حياتهُم مع حياةِ الأشخاصِ الآخرينَ الذين يُظهرونَ لحظاتهم السعيدةِ عبرَ هذه المواقعِ يُسببُ لهُم الاكتئابَ وحتى الغضبِ والغيرِ والحقدِ الاجتماعي، وأيضًا تُسببَ التوترُ والإجهادَ، واضطراباتِ النومِ، وإدمانَ الإنترنت.
وذكرت شركةُ "ايبُوك" المُتخصصةَ في تقريرها السنويِ الخاص برصدِ مواقعِ التواصُلِ في فلسطينِ خلالَ عامِ 2019م، إن نسبةَ استخدامِ موقعِ فيسبُوك في فلسطينِ بلغت 92.2%، وهي بذلك النسبةُ الأعلى، وحلَ في المرتبةِ الثانيةِ واتساب بنسبةٍ بلغت 72.3 ٪ من الاستخدامِ، يليها التطبيقُ الثالثُ الانستغرام، وبحسب ايبُوك فقد ارتفعُ استخدامُ تُويتر بعد انتقالَ بعضَ المُستخدمينَ إليها بنسبةِ 25.6% يليها بين الشباب تطبيق تيك توك بنسبة 17.5٪، فيما ظهرَ اهتمامٌ بموقعِ لينكد إن الذي يُشكلُ عصبَ الوظائفِ والأعمالِ بنسبة 22.3٪.
وأصبح "تيك توك" يتوسعُ في الأسواقِ حيث أُتيحَ في أكثرِ من 150 دولةً، وتم تحميلُهُ من قبلِ 104 مليونِ شخصٍ في النصفِ الأولِ من عامِ 2018م، لكن يجبُ الأن مواجهةَ التعدي على بعضِ الحُقوقِ والمبادئِ والأخلاقِ التي لا تتفقُ مع ديننا وشريعتِنا ومبادئِ مُجتمعُنا الشرقي وتقليدِ الغربِ في كلِ شيءٍ.
أؤكدُ هُنا أهميةُ دورِ الأسرةِ في تثقيفِ الأطفالِ وتربيتهم، وضرورةِ معرفةِ ما يُشاهدُهُ الطفلُ، والمُحتوى الذي يُقدم له ويُقبلُ عليه، ولا يجبُ مشاهدةُ الفيلمِ وحدُه، إلا بعدَ اطلاعِ الأسرةِ عليهُ والتأكدُ من خلوهِ من أيِ أشياءَ تضرُ الطفلَ، ولا يجبُ التخلصُ من أبنائِنا عن طريقِ منحِهِم التليفونِ المحمُولِ أو الآيبادِ فقط، بل يجبُ معرفةَ ما يُشاهدُونهُ بشكلٍ دائمٍ، وهل مفيدٌ أم لا.
يجبُ أن نزيدَ الوعيَ لدينا وأبناءنا بالاستخدامِ الإيجابيِ للإنترنت، ووسائلِ التواصُلِ الاجتماعي، وتشجيعُهُ على أن يعيشَ حياتَهُ الطبيعيةَ، ويقضيَ وقتهَ في مُمارسةِ الرياضةِ والهواياتِ، وتصحيحِ المفاهيمِ والسُلوكياتِ الخاطئةِ، التي يكتسبُها من مُشاهدةِ مقاطعِ الفيديُوِ على الإنترنت، وتعزيزِ وعيهِ بأهميةِ القيمِ والمبادئِ الدينيةِ، التي يقومُ عليها المُجتمعُ الفلسطينيُ والعربيُ، ويجبُ أن نقضيِ وقتَ مناسبِ، وتشجيعَ المواهبِ التي تتوافقُ مع طبيعةِ المجتمعِ، وأن نعملَ على إنتاجِ مُحتوى هادِفٍ، وعلى الأقلِ من واجبِ الجميعِ التنبُهُ بِخُطُورةِ هذه القضيةِ.