-خبر-كتب:طلال عوكل
22 تشرين الأول 2015
الزيارة العاجلة والمفاجئة التي قام بها أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون للأراضي الفلسطينية المحتلة، لا تستحق إدراجها في عداد التحرك الدولي المطلوب، والذي ينتظره الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، إلاّ باعتبارها مقدمة مكملة لتحرك وزير الخارجية الأميركي جون كيري.
لقد تعوّدنا على زيارات غير مثمرة لكي مون، الذي لا يملك شيئاً سوى الإنشاء الإنساني الذي لا تفهم منه شيئاً، فهو في هذه المرة يتحدث عن الاحباط الذي يشعر به الفلسطينيون، ويرى أنهم يستحقون أن يعيشوا في دولة، ولكنه يعترض على الأسلوب ويقصد الهبّة الشبابية.
لا يقول كي مون ماذا على الشعب الفلسطيني أن يفعل حتى يحقق حريته، فالكفاح بكل أشكاله التي تجيزها أممه المتحدة غير مناسبة، واللجوء إلى الأمم المتحدة بمشاريع قرارات على أساس القانون الدولي لا يمر أي منها بسبب الاعتراض الأميركي الدائم، وانتظار دور فاعل وجدي للرباعية الدولية أصبح غير ممكن بسبب فشلها الذريع.
قد يبدو أنه بحاجة إلى تبرير وظيفته المرهونة للإرادة الأميركية أو أنه يبحث عن راحة ضمير، وربما أراد تمرير رسائل أميركية قبل أن يلتقي كيري كلا من نتنياهو والرئيس محمود عباس حتى يعرف الوزير الأميركي في أي مربع يتحرك.
الهبّة الشبابية متواصلة وتظهر تحدياً أكبر في وجه الإجراءات الارهابية والعنصرية الإسرائيلية، بينما المجتمع الدولي لا يزال متردداً وفي أحسن الحالات ينتظر أن يدمي الطرفان بعضهما البعض حتى ينضجا لتوليفة تؤدي إلى وقف المواجهات، بأقل مستوى من الشروط. الولايات المتحدة التي تجاهل رئيسها القضية الفلسطينية من بين اهتمامات وأولويات سياسة بلاده، لا تتحرك إلا حين يتطلب منها الوضع الساخن التدخل لحماية إسرائيل، وقد تأكد عبر التجربة أنها لا تملك أية مبادرة جديدة بعد فشلها الذريع عبر عشرين عاماً من احتكارها للملف.
لا نعتقد أن كيري يحمل جديداً، بما في ذلك الضغط على السلطة الفلسطينية والقيادة، لأنه يفعل ذلك كل الوقت، وكل الوقت لا يكتفي بتوجيه التهديدات مباشرة وإنما يجند بعض الدول العربية للمساعدة في الاتجاه ذاته الذي يريده، وما يريده هذه الأيام هو أن يعود الوضع إلى ما كان عليه قبل الهبّة الشبابية.
أوروبا مترددة، ومشغولة في أولوية التعامل مع ملف الهجرة الجماعية، كما عبر عن ذلك وزير الخارجية الألماني، وهي لم تبذل جهداً لدعم مشروع القرار الفرنسي لمجلس الأمن بإرسال مراقبين إلى القدس، والذي رفضته إسرائيل والولايات المتحدة على الفور.
وفي وقت سابق طلب نتنياهو من الرباعية الدولية تأجيل زيارة وفدها إلى الأراضي المحتلة، فبماذا ينصح كي مون الفلسطينيين؟
إذن واهم كل من يعتقد أو يراهن على تحرك دولي جدي وفاعل، يقود إلى تصحيح مسيرة التسوية، وتأمين انطلاق مفاوضات جديدة بشروط يقبلها الطرفان، فعدا عن أن نتنياهو وحكومته مقتنع حتى العظم بمشاريعه التوسعية التي لا اعتراف فيها بأي حق للفلسطينيين فإن المستوطنين قد سلبوه القدرة على التفكير.
عبثاً يحاول أي طرف إعادة الأمور إلى الوراء، فلقد كانت الهبة الشبابية بداية الطريق نحو إجراء تحويله في الطريق السابق الذي دمرته إسرائيل ولم يعد صالحاً للحركة. الفلسطينيون لن يعودوا إلى ما كانوا عليه، ولا الإسرائيليون فلقد حفرت الهبّة خنادق عميقة في وعي الطرفين.
في غياب الخيارات، يجد الفلسطينيون أنفسهم ماضين في اتجاه الدخول تدريجياً في مربع الاشتباك والصراع المفتوح، بعد أن ينزعوا كل الذرائع وبعد أن يستنفد المجتمع الدولي الفرصة المتاحة التي توفرها الهبّة الشبابية.
أما الإسرائيليون فإنهم يتجهون عن سابق قصد وترصد نحو الانزلاق في مستنقع العنصرية والتمييز، والفصل بمزيد من الجدران وبمزيد من الإجراءات العقابية للفلسطينيين على كل أرض فلسطين التاريخية مقابل المزيد من الدلال والحماية للمستوطنين، ولرعاية سياسة التدمير والإعدامات الميدانية، والتهجير.
لا يخجل نتنياهو، أن يتهم بحضور كي مون الرئيس محمود عباس بأنه السبب وراء ما يسميه موجة الارهاب، بعد انضمامه لحماس وداعش، ولا يخجل من أن يدعي بأنه ودولته من يحمي المقدسات، رغم أن الشواهد كثيرة على استهدافها.
سيترتب على نتنياهو أن يحقق في أسباب هروب جنوده، من ساحات الطعن، وأن يحقق في أسباب عمليات الانتحار المتزايدة والهروب من الخدمة العسكرية، وعليه أن يخصص ميزانيات ضخمة وربما يستعين بأطباء نفسيين من الخارج لمعالجة مواطنيه ومستوطنيه من صدمات الرعب التي تجتاحهم.
أما الجيش الإسرائيلي عليه أن يعيد صياغة عقيدته القتالية واستراتيجياته، نحو أن يتحول إلى شرطة لحماية المستوطنين المذعورين، والإسرائيليين الذي يتلفتون حول أنفسهم حين يتحركون خارج منازلهم.
وإذا ظن نتنياهو أن العرب لم يعودوا مهتمين بسبب أوضاعهم، بالقضية الفلسطينية فإن عليه أن يحضر دفاعاته في الأمم المتحدة وفي ساحات «الجنائية الدولية» وفي ساحات الرأي العام الدولي، وربما عليه أن يهضم الرسالة التي تفيد بأن عدداً من الدول العربية تستعد لتقديم مشروع قرار باستعادة حائط البراق الذي صادرته إسرائيل بالقوة وحوّلته إلى حائط مبكى.