بعد أن دفع رفيف دروكر قدماً بانفعال بني غانتس، عاد الآن ليقترح علينا مسيحاً دجالاً جديداً لليسار، الجنرال غادي آيزنكوت. هل أحد ما يعرف ما هي ايديولوجيا هذا المسرح من الجيش، حتى لا ينتهي بنا الأمر مع زعيم «يسار» يؤيد تسوية البؤر الاستيطانية؟ ماذا يهم ذلك؟ حسب دروكر، هو يجب أن يقود، بالأساس لأنه «توجد له إمكانية كامنة لجذب ناخبين اكثر، وهو اكثرهم أهلية لمواجهة بنيامين نتنياهو في مواضيع الخارجية والأمن»، («هآرتس»، 30/11).
إن السعي الحثيث من قبل الوسط – اليسار نحو الرتب تحول الى محاكاة ساخرة. رغم كل اخفاقات الماضي، البعيدة والقريبة، إلا أن اعضاء المعسكر يواصلون تخيل زعماء نظريين ومصطنعين لهم، يتم حشرهم في قالب تم تشكيله مسبقاً. ومن خلال التمسك بصور الماضي لاسحق رابين واهيود باراك، يتخيلون شخصاً أمنياً كبيراً من اجل أن لا يتم التشكيك بوطنيته، وبهذا يسقطون في البئر التي حفرها اليمين بشكل جيد، الذي يعمل على هز وطنية اليسار. وهم يتجاهلون التجربة السياسية التي راكمها رابين، وحتى ايهود باراك، الى أن صعد مشياً وليس بالمظلة الى رئاسة الحكومة. وهم يتجاهلون حقيقة أن السياسة هي مهنة، واكتساب المهارات ضرورة من اجل تطبيق ايديولوجيا وسياسة بالفعل. وكل من تابع من وراء الكواليس «ازرق ابيض» في السنة الاخيرة عرف الى أي درجة يبرز ويضر بهم انعدام التجربة السياسية.
من المفهوم ضمنا أن الوهم العسكري يبعد النساء عن رئاسة القيادة النظرية هذه. المرشح المتخيل المناوب لن يكون في أي يوم شخصاً لا يرونه في هذه الدوائر أصلاً، وبهذا يرسخون ما هو قائم. والأسوأ من ذلك هو أنه في الساحة السياسية الحالية التي فيها الشراكة السياسية مع القائمة المشتركة ضرورية اكثر من أي وقت مضى، فان وضع رئيس اركان سابق في الواجهة سيصعب اكثر تحقق هذه الاحتمالية بدلا من دفعها قدماً.
كل من يقومون بتتويج الزعماء، الذين يتحمسون لرؤساء الاركان السابقين، بشكل عام يكونون مسرورين اكثر اذا كان هذا الجنرال شرقياً بالصدفة، وربما تقليدياً. ايضا هنا يتجاهلون حقيقة أن الهوية السياسية للزعماء لا تكمن بالضرورة في هويتهم الحقيقية، بل بما يمثلونه رمزيا. فقط يجب علينا أن نتذكر مناحيم بيغن والنظر الى نتنياهو.
ولكن اكثر من ذلك، يبدو أن من قاموا بتعيين انفسهم يغرقون في تحليل اكثر عمقا للواقع. هيا نرى من يوجد حولنا، في أي قائمة يمكن وضعه، وأي رسائل ضبابية يمكن أن نعطيه لقراءتها، وكم مقعداً سيجلب حسب الاستطلاع. هذه المقاربة ستفشل دائماً. لأنه غاب عنها تماماً العنصر السري في الوصفة، ذاك الذي يقود الى انقلابات كبيرة: الأحاسيس. الرجل أو المرأة الذين يسحبون معهم الجمهور في ضوء الرؤية، بسبب الطريق التي يرسمونها، وبسبب التجربة المتنوعة التي اكتسبوها والتي قادتهم الى هذه الاستنتاجات، يحددون من يكونون. بسبب تطلعهم الى القيادة والتغيير. ليس لأن شخصاً ما قد اختارهم في المختبر حسب سيرتهم الذاتية.
يحتاج اليسار الآن الى شراكة يهودية – عربية، قيادة قيمية لها رؤية واضحة وقدرة تنفيذ ترتكز على تجربة سياسية فعلية. لا يحتاج اليسار مرة أخرى الى جنرال من بورصة الأسماء المملة. واذا كنا نريد طرح أسماء معينة، بدلاً من الإشارة الى طريق مرغوب فيها سيسير عليها من يسير، كان بالإمكان على الأقل تحدي الخيال الاجتماعي وتقديم اقتراحات اكثر قدرة على تقديم اختراقة.
عن «هآرتس»