في الوقت الذي يزداد فيه الإقبال على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في ظل جائحة كورونا، يزداد الشعور بالخوف والقلق على صحة أطفالنا لكثرة استخدامهم الإنترنت.
فقضاء الطفل وقتا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك أو مواقع الألعاب مثل "ببجي" له أثر سلبي في انخفاض مستوى التحصيل الدراسي للطلبة، ويترتب عليه مجموعة من المشكلات التربوية، مثل: ضعف التركيز، وتشتت الذهن، وضعف القدرة على الاستذكار، وضعف البصر، والنوم في أثناء الحصة الصفية، والغياب المتكرر، وعدم الرغبة في الدراسة، وينتهي المطاف إلى التسرب من المدرسة.
وإذا ما تحدثنا عن الألعاب الإلكترونية التي يختارها أطفالنا فنجدها تشمل ألعاب الصراعات والحروب والقتل، وهذا ما أكدته الأبحاث العلمية أن شيوع سلبياتها أكثر من إيجابياتها؛ لأنها تنعكس سلبا على نفسية الطفل الذي يميل للتقليد والاقتداء بسلوكيات أبطال الألعاب، وغالبا ما تكون هذه الألعاب موجهة بحيث تلعب دورا نفسيا يشد الأطفال إليها؛ لتمرير الأفكار المرغوبة، لذلك حذر العلماء من أن أعراض الإدمان المرضي على ألعاب الفيديو قد تسبب اضطرابات النوم، والفشل على صعيد الحياة الخاصة أو الدراسة، وحدوث الكسل والخمول والعزلة الاجتماعية، إضافة إلى التوتر الاجتماعي، وفقدان المقدرة على التفكير الحر، وضعف العزيمة والإرادة لدى الطفل، إضافة إلى ارتفاع معدل القلق والاكتئاب، وزيادة التوتر والعصبية، والتلفظ بألفاظ بذيئة، وبطء قابلية الطفل لقبول قيم المجتمع التي منبعها في الأصل الدين الإسلامي.
في ظل هذا التسارع والتطور في التكنولوجيا الرقمية، لم يعد بإمكاننا أن ننكر أو نتجاهل الأثر السلبي الذي يتركه استخدام شبكة الإنترنت، ومواقع السوشال ميديا (فيسبوك، إنستغرام، واتس اب، سناب شات...) على أطفالنا، وعلى نموهم العقلي والعاطفي، فانخراط الطفل في هذا العالم الافتراضي الذي يتسم بإشاعة معلومات كاذبة، ومحرجة، أو عدائية تتعلق بأشخاص آخرين، فتجد الطفل ينخرط في دردشات، وضمن بيئات خاصة، ولكنها في الحقيقة بيئات تعرض أطفالنا لخطر عريض ومجهول، فانتهاك الخصوصية، والتعرف إلى كل شيء يخص المستخدم، قد يؤدي إلى تهديد خصوصيته، ويمهد الطريق إلى التجسس والمراقبة لكل تحركات المستخدمين وأقوالهم وأفعالهم.
لذلك يوصي الخبراء الاجتماعيون إلى ضرورة تحديد مدة زمنية لاستعمال مواقع التواصل الاجتماعي، ووضع قيود على الأطفال الصغار؛ كي لا يدمنوا على هذه المواقع، وهم في طور النمو، فالطفل الذي يستخدم الموبايل أو الإنترنت أكثر من 35 ساعة أسبوعيا، فهو مدمن للإنترنت، ويجب الاهتمام به، ومعالجته من إدمان الإنترنت في مصحة نفسية متخصصة.
وتشير الإحصائيات إلى ازدياد حالات العنف طرديا مع زيادة استخدام الناس للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وظهر ما يسمى بالعنف الإلكتروني، أو العنف التقني، أو العنف الرقمي، وهو العنف الذي يمارس من خلال المواقع الإلكترونية، واستخدام كاميرات الموبايل والبلوتوث، والتسجيلات الصوتية، إضافة إلى اختراق الخصوصيات عبر مواقع الإنترنت بهدف إيقاع الأذى بالآخرين... وبهذا انتقل العنف من الواقع الحقيقي المعاش إلى الواقع الافتراضي الذي أنتجته العولمة والتكنولوجيا الحديثة، وأصبح لهذا العنف ملامح وأساليب أخرى، وأنواع جديدة، فرضها هذا الفضاء، وحملت معه انعكاسات سلبية على تفاعل الأفراد، وارتباطاتهم المتبادلة، بسبب ما ينتج عنه من انفعالات سيئة، وعدم الشعور بالأمن والأمان.
لذلك يجب التعامل مع التكنولوجيا الحديثة بحذر، خاصة لما تحمله من تهديدات ومخاطر تنعكس على المجالات كافة، وليس الاجتماعية فقط.
لذلك لكي تحصل أدمغتنا على الراحة والانتعاش المطلوبين، فمن المهم أن نترك الهاتف من حين لآخر.
كذلك أن يجعل المرء من عطلته مناسبة للاسترخاء والتمتع بالعطلة، وعدم السماح بوقوعه تحت التأثير السلبي لهذه الوسائل.
إن مواقع التواصل الاجتماعي تؤثر على الناس بشكل عام، وعلى الأطفال بشكل خاص، وفقاً لظروفهم المسبقة، وسمات الشخصية لديهم، كما أن الاستخدام المفرط لمواقع "السوشال ميديا" غير مفضل، ولا يُنصح به، ولكن في الوقت نفسه، لا يمكننا القول أن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي سيئة بشكل عام، فمن الواضح أن لها فوائد لا تحصى في حياتنا، فيمكننا من الوصول السريع والمباشر إلى الأخبار والمعلومات والتنوع فيها، وعززت من فرص التعلم للطلبة من خلال المنصات والمدونات والمواقع التعليمية، إضافة إلى البقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة، وتبادل الأفكار، والاحترام والتسامح، والتحاور البناء، حول العديد من القضايا، وتبادل الخبرات الحياتية في مجالات الحياة المتعددة.
لذلك نطالب بضرورة الاستخدام الأمثل لهذا الفضاء، وما يرتبط به من مواقع وتقنيات حديثة لخدمة الإنسان، ورقي العقل الإنساني.
لذلك مطلوب منا جميعاً، كأولياء أمور ومدارس ومؤسسات، توفير بيئة آمنة وشاملة لأطفالنا على الإنترنت، واتخاذ إجراءات تحقق التوازن المناسب بين ضمان استفادة الأطفال من الإمكانات التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وبين كفالة حقوقهم، ومن بينها حقهم في عدم التعرض للعنف، لذا لا بد من توعيتهم باستمرار لحمايتهم من أي مخاطر، والعمل على بناء جسور الثقة معهم، وتعزيز ثقة الطفل وقدرته على التأقلم، وتمكينه من التغلب على المخاطر المحتملة، وهذا يتمثل في:
* عدم قبول دعوة صداقة مع أشخاص غير معروفين.
* عدم الكشف عن التفاصيل الشخصية لأشخاص مجهولين.
* عدم تصديق كل ما يقوله الآخرون خاصة من أعمارهم.
* الابتعاد عن تحميل بعض الملفات غير القانونية (موسيقى، وأفلام، وفيديوهات...).
وأخير نؤكد على تعزيز دور الأسرة في توجيه أبنائهم ومتابعتهم، ومنحهم الحب والاحترام، وتفعيل دور مدارسنا في توعية الطلبة للاستخدام الآمن للإنترنت.
لذلك لا بد من تضافر جهود جميع مؤسسات المجتمع للوصول إلى الحلول الكفيلة بحماية أطفالنا، حتى نتمكن من بناء عالم جديد لهم، ينعمون فيه بالأمن والأمان.