يد أردوغـان المـمـدودة .. دونهـا اعتـبـارات إسرائيلية جــديــدة

حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل


«نحن معنيون بتوصيل علاقاتنا مع إسرائيل الى نقطة افضل»، هذا ما قاله أول من أمس، الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وأضاف، «لو لم تكن هناك أي مشكلات مع القيادة في إسرائيل لكانت علاقاتنا يمكن أن تكون مختلفة تماما». هذا التصريح كان يمكن فهمه أيضا بصورة معاكسة. لو لم تكن هناك أي مشكلات مع أردوغان لكانت العلاقات مع تركيا ستبدو مختلفة. المشكلات التي قصدها أردوغان هي بالأساس «سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين».
«إن عملياتها الوحشية تجاه الفلسطينيين غير مقبولة»، قال أردوغان. أيضا هنا يمكن لإسرائيل الادعاء بأن عمليات تركيا الوحشية تجاه الأكراد هي «غير مقبولة». يمكن للمرء أن يصطدم بلا نهاية من خلال المقارنة بين سياسة النظامين تجاه الأقليات فيهما. ولكن العلاقات بين الدول تستند الى مصالح، خرائط جيوسياسية متغيرة واستغلال الفرص.
أصبح أردوغان مثل إسرائيل يشعر بالضغط الأميركي الذي يمكن أن يستخدم عليه مع دخول الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن الى البيت الأبيض. وهناك للطرفين ما يخافان منه. فتركيا تلقت وجبة اولى من العقوبات من قبل الرئيس المغادر دونالد ترامب، الذي فرض قيود على رؤساء هيئة الصناعات الأمنية بالإضافة الى طردها من خطة بناء طائرات «اف35». ولكن هذا كما يبدو لن يرضي الكونغرس الذي تبنى قانون العقوبات المفروضة على تركيا أو بايدن الذي وعد ناخبيه بأنه خلافا لترامب «يعرف كيفية التعامل مع أردوغان».
تركيا التي قبل 15 سنة تقريبا تبنت سياسة خارجية تحدد «صفر مشاكل مع الجيران» محاطة بعلاقات صعبة ومتوترة مع معظم دول الشرق الأوسط. فالسعودية فرضت عليها مقاطعة غير رسمية أدت الى انخفاض 16 في المئة تقريبا في حجم التجارة بين الدولتين منذ تشرين الأول. واتحاد الإمارات اعتبر تركيا «التهديد الأكثر خطورة في المنطقة، اكثر من إيران». وبين تركيا ومصر لا يوجد أي تحادث منذ صعود عبد الفتاح السيسي الى الحكم.
صرح وزير الخارجية الروسي، سيرجيه لافروف، مؤخرا، أن «روسيا لا تعتبر تركيا حليفة استراتيجية»، بل هي فقط شريكة ودودة. وحتى هذه الصداقة مرت بهزة شديدة في أعقاب الحرب في ناغورنو كراباخ. ومع النظام السوري قطعت تركيا علاقاتها منذ السنة الأولى للحرب الأهلية. وواشنطن تعتبرها دولة مهددة لأنها تسببت بالضرر للناتو بسبب شراء أنظمة صواريخ روسية مضادة للطائرات، إضافة الى سيطرتها على مناطق في سورية والأضرار بالأقلية الكردية. والاتحاد الأوروبي يفحص فرض عقوبات عليها بسبب التنقيب عن الغاز والنفط الذي تقوم به في شرق البحر المتوسط، في مناطق تدعي كل من اليونان وقبرص سيادتها عليها.
ورغم تصريحات أردوغان المتغطرسة التي تستخف بالعقوبات، إلا أن أردوغان لا يبالي بالحصار السياسي الآخذ في الازدياد عليه ويحاول شق مسارات جديدة يمكنه من خلالها تغيير صورة بلاده. فهو يقيم علاقة مباشرة مع الملك السعودي سلمان وليس مع ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يعتبره المتهم المباشر بقتل الصحافي جمال الخاشقجي. وقد نجح في جعل السعودية تصرح رسميا بأنه لا توجد أي مقاطعة، ووزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، قال لوكالة «رويترز» بأن «العلاقات بين السعودية وتركيا ممتازة».
سمحت تركيا في الوقت نفسه، بخطوة استثنائية، لشركة النفط السعودية «أرامكو» بإنشاء مصنع لمنتجات النفط في أراضيها. وفيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي أسمع أردوغان تصريحا متفائلا قال فيه، إنه «يأمل أن يفتح في 2021 صفحة جديدة في علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة». كجزء من هذا الانقلاب الدبلوماسي أيضا يتوقع أن تحصل إسرائيل على قطعة من كعكة تركيا. فهي ستحظى قريبا بسفير جديد لتركيا، اوفوك اولوتاش، الذي تم تعيينه في السابق لكنه ينتظر تذاكر السفر. إضافة الى ذلك، شركة السفن التركية «مجموعة يلدريم» تنوي التنافس على شراء ميناء حيفا.
ظهر أردوغان الذي تطاول على اتحاد الإمارات عندما وقعت على اتفاق التطبيع مع إسرائيل، اكثر تصالحا فيما يتعلق بإقامة العلاقات مع المغرب. «يوجد لكل دولة الحق في إقامة علاقات دبلوماسية مع من تريد»، أعلن وزير خارجيته، مبلوط شاوشاولو. والآن، هو يسمع نغمة لطيفة عن استعداده لإعادة علاقات تركيا وإسرائيل الى سابق عهدها، عندما أكد بأنه في مجال الاستخبارات يوجد تعاون وثيق. بهذا صادق أردوغان بصورة غير مباشرة على التقارير حول زيارة رئيس المخابرات التركي، هكان فيدان، لإسرائيل والالتقاء مع رئيس «الموساد» يوسي كوهين.
ولكن إذا كانت تصريحات أردوغان قبل بضع سنوات يتم النظر اليها كبشرى سياسية مهمة، وكانت تلزم إسرائيل بالإسراع لقطف ثمارها، فإن الخارطة الجيوسياسية الجديدة تملي ردا اكثر حذرا. في حركة التفافية تاريخية، إسرائيل وجدت نفسها في وضع يجب فيه عليها التشاور مع أصدقائها الجدد، بالأساس مع اتحاد الإمارات، ولكن أيضا مع السعودية ومصر، وتنسيق المواقف معها حول العلاقات مع تركيا. وافتراض هذه الدول كان أنه بينها وبين إسرائيل يربط ليس فقط المصالح الاستراتيجية لكبح إيران، بل أيضا الإدراك بأنها ترى بنفس المنظار العلاقة مع تركيا. ومثلما هو الأمر مع الدول العربية، أيضا علاقات إسرائيل مع اليونان وقبرص، وبعد ذلك مع الاتحاد الأوروبي، لم تكن منفصلة عن علاقتها مع تركيا.
هل تستطيع إسرائيل أن تواصل كونها عضوة في منتدى الغاز لشرق البحر المتوسط، الذي فيه مصر والأردن وفلسطين واليونان وقبرص، ومؤخرا، اتحاد الإمارات، هي أعضاء، في الوقت الذي فيه هي تعزز علاقتها مع تركيا. هل جهاز الأواني المستطرقة، العربي الإسرائيلي، لا يجبر إسرائيل على اختيار محور ولائها؟. هذا التردد لم يكن موجودا على جدول الأعمال في فترة ولاية ترامب، لكن، الآن، إسرائيل مطلوب منها أن تفحص ماذا ستكون سياسة بايدن تجاه تركيا قبل المسارعة الى منح أردوغان شهادة التأهيل، في الوقت الذي فيه هي نفسها لا يمكنها أن تكون واثقة من أن هذه الشهادة سيتم الاعتراف بها من قبل الرئيس الأميركي.
لا تنفصل الرياح الجديدة التي تهب من قصر الرئاسة الفاخر الذي بناه أردوغان لنفسه في أنقرة، عن الأزمة الاقتصادية العميقة التي تغرق فيها تركيا منذ سنتين واكثر. فالسياحة مدمرة والأسعار المرتفعة وتقليص الاستثمارات الخارجية ونسبة البطالة المتزايدة ووباء كورونا، كل ذلك يجبر تركيا على أن تجد لنفسها مصادر تمويل أخرى، وبالأساس مستثمرون يمكنهم توفير أماكن عمل لملايين العاطلين عن العمل. عقوبات أميركية على بيع السلاح التركي الذي فيه توجد أجزاء أميركية وقيود للتجارة مع أوروبا إذا تمت المصادقة عليها في مؤتمر الاتحاد الأوروبي في شهر آذار، يمكن أن تمس بصورة كبيرة بالاقتصاد التركي ووضع صعوبات أمام قدرتها على الحصول على القروض من مؤسسات التمويل الدولية.
يمكن أن يفشل منتدى الغاز لشرق البحر المتوسط مخطط تركيا من اجل التحول الى مركز إقليمي لتسويق الغاز في أوروبا وإفساد توقعاتها في الحصول على العمولة من نقل الغاز، وبعد ذلك تسويق الغاز الذي ستعثر عليه في البحر الأبيض المتوسط. تركيا اكتشفت في الواقع حقل غاز ضخما في البحر الأسود، لكن ستمر فترة طويلة الى حين البدء في استخراجه وتسويقه. وحتى ذلك الوقت ستواصل كونها معتمدة على الغاز الذي تستورده من روسيا. تركيا تحتاج الى عملية إعادة تأهيل عميقة في علاقاتها مع جاراتها ومع الولايات المتحدة ومع أوروبا قبل أن تستطيع الانتقال من حالة دولة متهمة الى دولة عظمى إقليمية رائدة.

عن «هآرتس»