«الهبة» ... ومعركة الإعلام

الدكتور-عبدالناصر-النجار-نقيب-الصحفيين-الفلسطينيين
حجم الخط

في الحقيقة أن معركة الإعلام لا تقلّ أهمية عن المقاومة الشعبية الجارفة التي تعمّ فلسطين، وخاصة في مناطق الاحتكاك مع الاحتلال والمستوطنين، وهي معركة تحدّد مصير الفعل الجماهيري المنتفض من أجل الخلاص من الاحتلال واعتداءات إفرازاته الاستيطانية التي تعتبر جرائم حرب يمارسها إرهابيون بحماية قوات الاحتلال.
أهمية المعركة الإعلامية تكمن في قدرتها على تعبئة الرأي العام، وتشكيل جبهة داخلية موحدة، قادرة على التصدي والمواجهة على الرغم من الدماء التي يقدمها الشباب الفلسطيني.
منذ اليوم الأول كانت هناك روايتان: فلسطينية واحتلالية، وبصرف النظر عن مقولة تفوق الاحتلال في وسائل الإعلام، وخاصة العالمية منها، فإن هذا الإعلام بدا مشوشاً ومرتبكاً وهو ينقل رواية الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وعلى رأسها الجيش و"الشاباك".
لاحظنا أن الإعلام الإسرائيلي في نقله عمليات الإعدام الميدانية تمترس خلف الرواية العسكرية الإسرائيلية، بل كان جزءاً من تحريض الشارع الإسرائيلي والقيادة الإسرائيلية على الفلسطينيين والتي جاءت على شكل إعطاء ضمانات للجنود القتلة بأنهم لن يحاكموا إضافة إلى تعليمات إطلاق الرصاص بهدف القتل العمد حتى بمجرد الاشتباه.
الإعلام الإسرائيلي المدافع عن إرهاب المستوطنين، كان حاملاً وناشراً لرواية المستوطنين، وخاصة في عمليات الاغتيال والإعدام الميداني، وهذا ما تؤكده أحداث الخليل... حيث سجلت كاميرات الصحافيين أو المواطنين عمليات الإعدام في مناطق تل الرميدة والدبويا، وهما بؤرتان استيطانيتان، وكشفت عن أنها جاءت دون مبرر، بل أن المستوطنين بعد حادثتي قتل في المنطقة كانوا يضحكون بجانب جثامين الشهداء... بمشاركة جنود الاحتلال.
الأخطر في الرواية الإسرائيلية أن بعض وسائل الإعلام الفلسطينية تنقل هذه الرواية دون التأكد من صحتها متذرعة بإنها مأخوذة عن الصحيفة الإسرائيلية أو الموقع الإسرائيلي... وكثيراً ما نقلت وسائل إعلام فلسطينية الرواية الإسرائيلية لينكتشف بعد ذلك زيفها وكذبها... دون إمكانية لتصحيح الخطأ.
وبناءً عليه، فإن كل وسائل الإعلام الفلسطينية مطالبة بعدم أخذ أو التعامل مع الرواية الإسرائيلية إلاّ إذا لم تتوفر الرواية الفلسطينية المقابلة أو تم التأكد من مصدر المعلومة وصدقيتها... في الجانب الفلسطيني، فإن وسائل الإعلام انقسمت في نقل الأحداث. البعض منها في سبيل السبق الصحافي أو زيادة عدد المتابعين، قام بنقل معلومات خاطئة ومنافية لأخلاقيات العمل الصحافي ومنها ـ على سبيل المثال ـ ذكر أسماء مواطنين على اعتبار أنهم استشهدوا وتبين لاحقاً أنهم على قيد الحياة... ما سبب لعائلة هؤلاء الأشخاص حالة اكتئاب نفسي وصدمة كبيرة.
وبناءً عليه، فإن صدقية الإعلام ومهنيته يجب أن تكون في رأس سلم الأولويات... لأن المعلومة الصحيحة والصادقة هي التي تشكل رأياً عاماً قوياً موحداً قادراً على الصمود والمواجهة.
إن محاولة التهويل عند بعض محطات الإذاعة بشكل خاص أو الفضائيات الحزبية، سبب نوعاً من الخوف لدى العديد من المواطنين وجعل بعضهم يخشى مغادرة منزله أو الذهاب إلى أعماله.. خاصة عندما يتعلق الأمر باعتداءات المستوطنين الإجرامية.
ومن بين بعض المساوئ في معركتنا الإعلامية التي نخوضها مع هذا الاحتلال محاولة بعض وسائل الإعلام تغليب المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية... وهو أمر خطير... لأن المقاومة الشعبية في أساسها انطلقت لغايات سياسية وطنية جامعة وليس من أجل حزب أو فئة أو حركة بحدّ ذاتها.
ولكن، أيضاً، في معركة الإعلام الحالية.. هناك لاعب أساسي جماهيري ربما له التأثير الأول، وهو وسائل الاتصال الاجتماعية، وخاصة "الفيس بوك" و"تويتر" وغيرها... والتي يعتمد عليها الشباب بشكل أساسي في نقل المعلومات ونشرها...
المشكلة أنه بقدر أهمية هذه الوسائل فإن صدقية المعلومات وصحتها في كثير من الأحيان تحتاج إلى تدقيق.. وتحتاج إلى مصدر إعلامي له علاقة بالمعلومة.. ولكن هذا لا يحدث في كثير من الأحيان.
وحتى لا تكون وسائل الإعلام الاجتماعية سيفاً ذا حدّين يجب خلق ثقافة إعلامية بين طلبة المدارس والجامعات محصّنة بأخلاقيات العمل الصحافي بحدها الأدنى وذلك من أجل أن نسجل نقاط انتصار في معركة الإعلام وليس العكس.
إذن هي معركة الإعلام تحتشد فيها فلسطينياً عناصر متعددة من وسائل الإعلام التقليدية إلى وسائل الإعلام المجتمعي إلى المواجهة الالكترونية المعلوماتية...
كثير من الفلسطينيين انخرطوا في هذه المعركة لسبب واحد هو عدم خسرانها مهما كلفنا ذلك من ثمن!!!