في قراءة سريعة لملف أعمال "لقاء القاهرة" الفصائلي نكتشف أنه الأكثر حملا بقضايا مثقلة جدا برؤى التباين فيها هو المظهر الأكبر، لا تقتصر على بعض ما جاء في مراسيم الرئيس محمود عباس وقراراته الأخيرة، ما طالب جوهر الدستور (القانون الأساسي)، الأمر الذي أدى لغياب هوية النظام السياسي وطبيعته، الى جانب ما تركته "مجزرة القضاء" من آثار لا تقل خطورتها على تيه النظام، ومعها المحكمة الدستورية "سرية التشكيل والمهام"، ومعها محكمة الانتخابات التي خرت عن قانونيتها الأصل، وموقف سياسي غموضه أغرب من وضوحه.
ودون الإشارة الى ما هي آليات تسليم السلطة هنا أو هناك في حال خسارة طرفها لمن سيفوز، وتلك مسألة ربما تستحق الكثير من الوقت العقلي لبحثها، كونها مفتاح تشكيل المشهد ما بعد الانتخابات في حال حدوثها، ولم تبرز "مطبات صناعية" لمنعها، او اعاقتها وتأجيلها لزمن آخر، ولن تكون "الذرائع" غائبة لو كان الأمر عدم انتخابات، لمخاوف طرفي الأزمة من نتائجها، التي ستطيح بحكمهما الخاص، أي كان قرار الصندوق الانتخابي...فلا فوز لفتح ولا فوز لحماس مفردا، تلك هي الحتمية الوحيدة التي يمكن تسجيلها قبل الاقتراع العام.
بالتأكيد، لن يتمكن "لقاء القاهرة" من تسوية ما على طاولة البحث من جدول أعمال يضم عناوين تحتاج أشهرا للبحث الحقيقي، لو أن الأصل هو بناء سليم لما أسموه في لقاءات سابقة بـ "البيت الفلسطيني"، وربما سوابق العمل والحوارات الوطنية، في زمن الخالد الشهيد أبو عمار، كيف كانت "القيادة الفلسطينية"، برموزها التاريخية تلتقي لفترة طويلة بحثا عن "حلول" لأي أزمة طارئة، وليس لقاءا لمدة 48 ساعة.
ولأن الأمر لا يبحث ماض بل مستقبل، فالنقطة الأولى التي يجب بحثها، هو آلية استكمال البحث ما بعد لقاء القاهرة عبر شكل جديد، دون مساس بالتمثيل الشرعي، كي لا يستغله البعض للتعطيل، وهناك من الآليات التي يمكن الاتفاق عليها، لو أريد عدم اغلاق الأمر باتهام هذا أو ذاك بأنه سبب الفشل، وتعود "ريما الى عادتها القديمة"، التي لا تخدم سوى العدو القومي لفلسطين شعبا وقضية
جدول أعمال لقاء القاهرة، يحمل ملفات عدة، من السياسي الى القضائي، وما بينهما، ولكنه غيب أحد أبرز الملفات التي لا يمكن أن يكون هناك "نظام سياسي فلسطيني" دون أن يتم وضع قواعد واضحة حولها، كي لا يصبح كلام القاهرة ممحيا برصاص فرقة غاضبة لسبب ما، غالبا لا يكون وطنيا.
بحث مصير "الأجنحة المسلحة" في قطاع غزة تحديدا، يستحق كثيرا من العمل والجهد، ودون توافق حقيقي على تلك المسألة المركزية، لن يكون هناك أي توافق لبناء "نظام جديد" أو تطوير القائم سواء كان سلطة بحكم ذاتي انتقالي، او دولة تحت الاحتلال.
ولكي لا يقال تلك مسألة مرتبطة بـ "مقاومة الاحتلال"، ولا سبيل لبحثها، فالأمر يتركز فقط في قطاع غزة، وكلها أجنحة لا تمارس المقاومة لا المسلحة ولا غيرها، سوى لو قامت دولة الكيان بعملية عسكرية ضد القطاع، وغير ذلك لا شيء سوى حالات استعراضية في مناسبات ما، أو استخداما في عمليات قمع وإرهاب داخلية، خاصة جناح حماس المسلح.
منذ عام 1994 وحتى نوفمبر 2004، كانت حركة الرد على العدوانية الإسرائيلية تقوم بها قوات السلطة الأمنية والعسكرية، وجسدتها أول معركة مباشرة خلال هبة النفق عام 1996، التي أربكت كثيرا المشهد السياسي، ثم المواجهة الكبرى من 2000 – 2004، رغم بعض عمليات نفذتها أجنحة عسكرية، لكن الأساس كانت مواجهة القوات الرسمية للسلطة.
بعد انتخاب الشهيد عبد العزيز الرنتيسي رئيسا لحماس في غزة 2003، وهو الشخصية التي كان لها مواقف متطرفة جدا من السلطة والاتفاقات الموقعة، بادر في مهامه الأولى الى عقد سلسلة اجتماعات مع ممثلي السلطة وفتح، لبحث مستقبل العلاقة بين حركة حماس والسلطة، والحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع، ان الرنتيسي كان أول قيادي فلسطيني يتقدم برؤية شاملة لوحدة "الأجنحة العسكرية" في إطار رسمي تابع للسلطة - الدولة، دون حسابات صغيرة.
وبلا تفاصيل، هناك وثيقة متوفرة عند شخصيات فلسطينية، يكمن الرجوع اليها، لأنها الوثيقة الأهم، بل والوحيدة التي تم صياغتها، ونالت موافقة مبدئية من الشهيد الخالد أبو عمار، وثيقة كانت أول "بشرى سياسية" بأن الشراكة الشاملة قد دقت ساعتها لإزالة كل متفجرات صناعية تم وضعها في طريق التحرر الوطني للنيل من القضية الفلسطينية.
ولأن الأمر ليس تفصيلا فلم تنتظر دولة الكيان كثيرا، لتغتال القيادي الحمساوي الذي كسر "طابو" ما كان يسمح به قبله، رغم الدور الكبير والرؤية الخاصة للشهيد المهندس إسماعيل أبو شنب كرمز وحدوي من قيادة حماس، والذي أيضا تم اغتياله ما قبل الرنتيسي، في رسالة لا تحتاج تفسيرا.
تلك الوثيقة يمكنها أن تشكل القاعدة الجديدة لبحث مصير قضية لا بد منها، وأي هروب سيقود الى فشل كبير.
ملاحظة: مجددا، مطلوب من الرسمية الفلسطينية ألا تركن على قرار الجنائية الدولية، كما فعلت في قرارات تاريخية سابقة والنتيجة بدل ما ناكل عنب طعمونا حصرم...الحركة بركة يا "قيادة الصدفة"...دولة العدو لم تنم من يومها!
تنويه خاص: سلاما لروح ماري هيوز التي رحلت عن عالم الحضور...إنسانة اختارت فلسطين لتجسد من خلالها عمق ايمانها بقضايا الشعوب...أمريكية قررت أن تختلف جذريا عن قادة بلدها العدوانية...تكريمها واجب وضرورة!