تتزاحم التساؤلات والشكوك لدى الشارع الفلسطيني مع انطلاق جلسات الحوار الوطني بمشاركة 14 فصيلاً في العاصمة المصرية اليوم الإثنين، في مسعي لتذليل العقبات التي عطلت إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني؛ نتيجة 14 عامًا من الانقسام الداخلي بين الفصيلين الأكبر في الساحة الفلسطينية فتح وحماس؛ لكنّ الضغوط الدولية والإقليمية تدفع نحو التزام الفصيلين بإجرائها وسط شكوك بتوفر إرادة داخلية بتتابع العملية الانتخابية وصولاً للرئاسة ومن ثم المجلس الوطني، حسب مراقبين.
توافقات سياسية
الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب، رأى أنّ المطلوب من جلسات الحوار الوطني في القاهرة، هو توافقات ذات منحنى سياسي بالدرجة الأولى، وتوافقات على كافة الملفات المتعلقة بالاستعصاءات الناجمة عن حالة الانقسام.
وأضاف حبيب في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": " مطلوب أيضاً إيجاد آليات فعالة تؤدي إلى سيولة عملية انتخابية تؤدي لنتائج مقبولة من قبل الأطراف وضمان التزام كافة الأطراف بنتائج هذه الانتخابات".
من جهته، بيّن رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، صلاح عبد العاطي، أنّ المطوب من أجل إنجاح حوارات القاهرة، هو أنّ تُشكل الانتخابات العامة مدخلاً لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة والاتفاق على خارطة طريق سياسية وقانونية وقضائية تضمن نزاهة وديمقراطية العملية الانتخابية.
وقال عبد العاطي في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنّ المطلوب من الحوار الوطني، هو توفير البيئة السياسية لإجراء الانتخابات، بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورفع العقوبات عن قطاع غزّة، وضمان إطلاق الحريات العامة، وتوفير مناخ وبيئة تُجرى فيها الانتخابات بحرية ونزاهة".
وتابع: "يجب الاتفاق أيضاً على برنامج سياسي للانتخابات؛ إنّ كانت ستتم على أساس انتخاب دولة أم سلطة؟"، داعياً إلى أنّ تكون سلطة خدمية تنقل من خلالها الوظائف السياسية لمنظمة التحرير؛ كمدخل لمرحلة انتقالية للشعب الفلسطيني بالإضافة للاتفاق على البرنامج السياسي وقرار السلم والحرب.
تحييد المحكمة الدستورية
وأردف عبد العاطي: "مطلوب حسم تعديلات القانون الانتخابي باعتبار أنّه يتعارض مع القانون الأساسي، سواءً في شروط المرشحين أو محكمة الانتخابات، مع أهمية انتخاب مجموعة من القضاة والتوافق على قضاة يتمتعون بالنزاهة والاستقلالية، وتحصين قرارات المحكمة من رقابة القضاء في قطاع غزة والضفة الغربية باعتبار أنّه لا يوجد قضاء مستقل".
وأشار إلى أهمية تحييد المحكمة الدستورية وإعادة تشكيلها أو تعطيل أعمالها لحين إجراء الانتخابات الثلاثة؛ أيّ لحين نظر المجلس التشريعي في إعادة تشكيلها؛ مُستدركاً: "لابد من توفير كل الضمانات لتحييد أجهزة الأمن والسلطة عن التدخل في العملية الانتخابية، إلا في حدود القانون وحفظ الأمن للعملية الانتخابية، والاتفاق على ميثاق شرف لإجراء العملية الانتخابية الثلاث والالتزام بنتائج الانتخابات واحترامها".
ودعا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بغض النظر عن النتائج، مع ضرورة مد النواب بـ"شبكة أمان " في ظل اعتقالات الاحتلال والتوافق على منع إجراء الانتخابات بدون "القدس أو غزة"، لضمان وحدة الأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى تخفيض سن الترشح بما يضمن تشكيل جيل واسع من الشباب.
واستدرك عبد العاطي: "نحن في مرحلة تحرر وطني يتطلب جعل الانتخابات جزء من برناج كفاح لمتابعة النضال والعودة وتقرير المصير وإقامة دولة مستقلة".
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي محسن أبو رمضان، أنّ المطلوب من الحوار الوطني، هو توفير المناخات المناسبة، وتذليل أيّ عقبات قد تعترض إجراء الانتخابات على التوالي لكل من المجلس التشريعي ثم الرئاسة ثم المجلس الوطني، وكذلك السماح بحرية الدعاية الانتخابية وعدم التدخل بها.
وأضاف أبو رمضان في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "لا بد من ضمان نزاهة العملية الانتخابية، والاتفاق على تشكيل محكمة قضايا الانتخابات من خلال قضاة يتسمون بالنزاهة والمصداقية والحيادية بعيداً عن الولاء لهذا الحزب السياسي أو ذاك"، مُردفاً: "مطلوب مبادرات من أجل توسيع مساحة الحريات ووقف الاعتقالات والملاحقات أو غيرها من المسائل التي تحد من حرية الرأي والتعبير".
كما دعا إلى مراجعة القرار الذي اُتخذ بشأن السلطة القضائية والتعديلات التي حدثت بشأنها؛ حتى يكون القضاء عادل ومستقل بعيد عن هيمنة السلطة التنفيذية، وكذلك تعديل قانون 2007 رقم 1 الخاص بالانتخابات؛ كي تضمن الانتخابات مشاركة الشباب بتخفيض سن الترشيح للتشريعي إلى 23 بدلاً من 28، والرئاسة إلى 30 بدلاً من 40.
ونوّه إلى أهمية أنّ تكون كوتة المرأة بنسبة 30% للقوائم في المجلس التشريعي، إلى جانب مراجعة القرار الذي يحرم العاملين في الوظيفة العمومية من حق الترشيح ويُجبرهم على الاستقالة، بالإضافة لمدراء منظمات العمل الأهلي، من أجل إتاحة المجال لحرية المشاركة في العملية الانتخابية.
لا نجاح ولا فشل
وبشأن حظوظ نجاح جلسات الحوار الوطني، قال أبو رمضان: "إنّ حظوظ نجاح الحوار عالية؛ ليس بسبب القضايا المعقدة؛ لكن إذا توفرت الإرادة بإمكان تعديل المسائل بشكل سريع وفوري؛ وبسبب وجود إرادة دولية وإقليمية ضغطت على الحالة الفلسطينية أو طلبت منها إعادة تجديد الشرعية، وبالتالي أصبح الجميع معني بهذه الانتخابات".
ونبّه إلى أنّ الجميع يُحاول أنّ يُبدي درجة من المرونة من أجل تذليل أيّ عقبات، إلا إذا حدث ما لا يُحمد عقباه وهذا غير متوقع، لأنّ الحركتين الكبيرتين متفقتين على العديد من الملفات رغم بعض الملاحظات على القضايا الإجرائية والقانونية والفنية.
واستدرك: "لكنّ بالخط العام هناك اتفاق على إإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني لتحقيق الشراكة السياسية وتعزيز تمثيل الجميع في مكونات العمل السياسي والوطني في بنية المجلس التشريعي من خلال الانتخابات".
أما عبد العاطي، قال: "إنّنا أمام 50% من من احتمالات النجاح باعتبارها حاجة للكل الوطني ويُحدد ذلك ارتقاء الكل للمستوى الوطني، لكنّ ما لا يُشجع احتمالات النجاح هو عدم إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعدم رفع العقوبات عن غزّة واستمرار تقييد الحريات".
واستطرد: "لا نُريد انتخابات تُعيد تكريس حالة الانقسام، وإنّما نتطلع لانتخابات تُعيد بناء النظام السياسي على قاعدة مشاركة الكل الوطني"، مُشيراً في نفس الوقت إلى صعوبة هيمنة رئيس السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية ومنظمة التحرير، وسيطرة حماس على غزّة.
ولفت عبد العاطي، إلى وجود ضغوط فلسطينية حقيقية لإجراء الانتخابات وضغوط دولية خارجية؛ للتخلص من الواقع الصعب والمعقد الذي أفرزه الانقسام والمتغيرات الإقليمية؛ مع أهمية الرهان على دور مصر في إنهاء الانقسام من خلال الانتخابات.
من جهته، رأى حبيب، أنّ هناك تعقيدات وألغام عديدة وخلافات ذات طبيعة مبدئية، بالإضافة للخلافات المعروفة والمعهودة فيما يتعلق بملف المصالحة، وبالتالي يوجد الكثير من الشكوك في إمكانية نجاح حوارات القاهرة في إزالة العقبات.
وختم حبيب حديثه، بالقول: "يُرافق هذه المخاوف الإجراءات التي اُتخذت مؤخرًا من قبل الرئاسة الفلسطينية والمتعلقة بالقضاء والتنقلات القضائية، والتي تضمنت لغماً جديداً يُضاف للألغام السابقة".