الخطر الإيراني: ما يُرى من إسرائيل لا يُرى من أميركا

حجم الخط

بقلم: عاموس يادلين*

 


لإسرائيل والولايات المتحدة هدف استراتيجي مشترك: منع النظام الراديكالي في إيران من الحصول على سلاح نووي. هنا على وجه العموم ينتهي التوافق بين الدولتين. للحليفتين القريبتين مواقف مختلفة تماماً إزاء طريقة تحقيق هذا الهدف المشترك.
هناك خمس وجهات نظر جوهرية فرّقت بين واشنطن والقدس في العقد الأخير:
النظرة إلى التهديد: في إسرائيل يُعتبر حصول إيران على سلاح نووي تهديداً وجودياً. في المقابل لا تعتبر الولايات المتحدة أن حصول إيران على قدرة نووية يشكل تهديداً وجودياً لها.
في خلفية اتخاذ القرارات - صدمات وطنية متعددة. أمام أنظار متخذي القرارات في إسرائيل هناك ذكرى المحرقة النازية، بينما في الولايات المتحدة لا تزال الذكرى الحارقة لحربين لم تنتهيا في الشرق الأوسط حية.
إسرائيل تتطلع إلى تحقيق هوامش أمن واسعة بين القرار الإيراني باختراق نحو القنبلة وبين الحصول على السلاح، بينما الولايات المتحدة، حتى لو لم تُصرح بذلك، «تعيش بسلام» مع إيران على عتبة النووي، ما دامت لم تنتقل إلى إنتاج القنبلة بحد ذاتها.
الإدارة الأميركية تعتقد أن في الإمكان لجم إيران عسكرياً في طريقها إلى القنبلة، ولو في اللحظة الأخيرة. إسرائيل حتى لو ساد فيها الاعتقاد بقدرة الولايات المتحدة على القيام بذلك، فالاعتقاد بحزم الأميركيين واستعدادهم ضئيل. في الخلفية، هناك التجربة المُرة مع كوريا الشمالية.
أخيراً، النظرة السائدة في واشنطن هي أن البديل من الاتفاق مع إيران هو الحرب. في مقابل ذلك، في القدس لا يزالون يؤمنون بأن استمرار الضغط على إيران سيزعزع نظام آيات الله، أو سيفرض عليه اتفاقاً محسّناً أكثر بكثير. تعتقد إسرائيل أن عملية عسكرية لإحباط المشروع النووي كمخرج أخير لن تؤدي إلى حرب. في الخلفية، هناك ذكرى سابقتي إحباط المفاعلات النووية في العراق وسورية، وأيضاً الاغتيال الأميركي لسليماني، أو هجمات جوية موضعية لم تؤد إلى تصعيد نحو حرب شاملة.
تعهد الرئيس بايدن في حملته الانتخابية بالعودة إلى الاتفاق النووي. هذا إرث إدارة أوباما الديمقراطية، وفي الإدارة الجديدة يتولى العديد من الشخصيات، التي كان لها علاقة ببلورة الاتفاق النووي في سنة 2015، مناصب رفيعة المستوى. الجو السائد اليوم في واشنطن هو السعي لإلغاء معظم الخطوات التي نفّذها الرئيس ترامب، أيضاً تلك المتعلقة بإيران. مع ذلك يعلم كبار موظفي بايدن بأن الاتفاق النووي مع إيران استند إلى افتراضات إشكالية، وإلى آمال لم تتحقق، وإلى جزم مغلوط وفقاً له لا توجد أبعاد لإنتاج سلاح في المشروع النووي الإيراني. بالإضافة إلى ذلك، ليس هناك ما يؤكد أن إدارة بايدن تريد تعديل الاتفاق وتعزيزه لقطع طريق إيران إلى القنبلة.
لذا، التحدي المطروح أمام واشنطن هو كيفية العودة إلى «المسار الدبلوماسي»، الذي يركز حالياً في الأساس على العودة إلى الاتفاق النووي لسنة 2015، مع ضمان أن تجري بعد ذلك عملية ستعمل الأطراف في إطارها على الدفع قدماً باتفاق محسّن. هذا في ضوء فهم وحقائق توضحت منذ توقيع الاتفاق، وفي ضوء تعهُّد الإدارة الأميركية بالتشاور مع حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط التي ترى الاتفاق إشكالياً جداً.
التحدي الفعلي الأكثر مباشرة يتضح في مسألة كيفية استخدام عملية العودة إلى اتفاق بالرافعات القوية التي تركتها إدارة ترامب، أي العقوبات والضغط الاقتصادي الأقصى على إيران.
في المقابل، ازداد الضغط من واشنطن جرّاء التقدم الإيراني في مراكمة مواد انشطارية، وذلك بعد تخصيبهم اليورانيوم بكميات وعلى درجات تُقرّب إيران من العتبة النووية. التعبير عن هذا القلق أبداه وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن في مقابلة تلفزيونية هذا الأسبوع، عندما تحدث عن الحاجة المُلحّة إلى العودة إلى الاتفاق النووي بحجة أنه إذا استمر الإيرانيون في خرقه ومراكمة مواد مخصبة سيكونون على مسافة «أسابيع من القدرة على إنتاج مواد مخصبة لسلاح».
من المهم الانتباه إلى تبدل الأدوار. بينما قدرت إسرائيل في السابق أن الزمن الذي تحتاج إليه إيران للوصول إلى قنبلة سيكون قصيراً، أشار الأميركيون على الدوام إلى مدة زمنية أطول بكثير، اليوم يقدّرون في إسرائيل أن مدة زمنية طويلة ستمر بين قرار إيراني باختراق نحو القنبلة وبين صنعها، بينما الأميركيون يزيدون من خطورة الوضع، على ما يبدو لتبرير العودة إلى الاتفاق.
الفارق في وجهات النظر وفي الأولويات والتقديرات الزمنية بين القدس وواشنطن، يتطلب انتباهاً: الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة تسعى خلال السنوات القريبة المقبلة «لإعادة إيران إلى العُلبة»، من أجل التفرغ لإدارة أزمات أكثر أهمية بكثير: أزمات داخلية - وباء الكورونا، الاقتصاد والتوترات الاجتماعية. إلى جانب أزمات خارجية - قضايا المناخ والمواجهة مع الصين، وروسيا، وكوريا الشمالية.
في المقابل، اسرائيل قلقة تحديداً من أن يمنح الاتفاق في المدى البعيد شرعية لمشروع نووي إيراني من دون قيود، وعلى مسافة صفر من القنبلة، من خلال إلغاء العقوبات المفروضة اليوم على إيران. في إسرائيل يتخوفون من تحرير موارد لتمويل النشاطات السلبية والتآمرية لإيران في شتى أنحاء الشرق الأوسط.
معضلة إسرائيل
أمام إسرائيل إمكانيتان:
الأولى، العودة إلى مواقفها في سنة 2015 وتوجيه انتقادات حادة ضد النية الأميركية بالعودة إلى الاتفاق النووي، من خلال مطالبة إدارة بايدن بمواصلة سياسة «الضغط الأقصى» التي استخدمتها إدارة ترامب. أولى مؤشرات هذا التوجه يمكن أن نسمعها في الخطاب الذي ألقاه رئيس الأركان أفيف كوخافي في معهد دراسات الأمن القومي في الأسبوع الماضي. مثل هذه السياسة سيؤدي، في تقديري، إلى إبعاد إسرائيل عن القدرة على التأثير في الموقف الأميركي، وكذلك عن إمكان المساهمة في إجراء تعديل مهم على الاتفاق. وللمفارقة هذا التوجه يمكن أن يشجع الإدارة الأميركية على العودة إلى الاتفاق الأصلي.
الإمكانية الثانية والمفضّل هو التوجه نحو حوار هادئ وبعيد عن الأضواء مع الإدارة الأميركية من أجل إقرار الهدف المشترك - «بألّا يكون لإيران قط سلاح نووي»، وتفحص معاً السياسة التي يجب انتهاجها من أجل تحقيق هذا الهدف لتستمر صلاحيته زمناً طويلاً. من المهم أن تصل إسرائيل مع الأميركيين إلى حديث صريح ومهني بشأن الموضوعات التي من الضروري تعديلها في الاتفاق: إطالة زمن انتهاء سريان مفعوله، ورقابة «في كل مكان وزمان»، ووقف البحث والتطوير النووي، وتوضيح متجدد للنشاط النووي.
الهدف الاستراتيجي لحوار بين إسرائيل والإدارة الأميركية يجب أن يكون بلورة «اتفاق مواز» وتفصيلي يغطي الأجل القصير، وأيضاً الأجل الطويل. يجب التخطيط لعملية مشتركة في حال اتضح أن التقديرات الأميركية المتفائلة حيال الاتفاق كأداة ناجعة لكبح المشروع النووي الإيراني كانت مغلوطة.
الاتفاق الإسرائيلي - الأميركي الموازي يجب أن يتضمن الاتفاق على خطوط حمراء ممنوع أن تتخطاها إيران، ورافعات لتعديل وتحسين الاتفاق، وأيضاً لجم النشاطات الإيرانية السلبية في الشرق الأوسط في ظل الاتفاق النووي. أخيراً، على القدس وواشنطن الاتفاق على تعزيز الخيار العسكري الإسرائيلي وصدقية الخيار الأميركي؛ وهما رافعتان ضروريتان لإنجاح التوجه الدبلوماسي.

عن موقع «N12»

*مدير معهد دراسات الأمن القومي