ما الذي يجعل الشخص يهودياً، ليس بالاسم فحسب، وإنما يكون يهودياً جيداً وموثوقاً به اليوم؟ في أوساط الحريديم، أن تكون يهودياً حقيقياً يعني التمسك بالقانون الديني.
وفي الفضاءات اليهودية اليسارية يعني هذا مناصرة القضايا التقدمية. لكن هذه البيئات هي الاستثناء.
في المركز الواسع للحياة اليهودية، حيث تكمن القوة والجدارة، يعني أن تكون يهودياً، قبل كل شيء، دعم وجود دولة يهودية. وفي معظم المجتمعات اليهودية على وجه الأرض يعد رفض إسرائيل تجديفاً أعظم من الكفر بالله.
ونادراً ما يتم توضيح السبب، غالباً لأنه يعد واضحاً في ذاته أن معارضة وجود دولة يهودية يعني المخاطرة بتعرض اليهود إلى محرقة ثانية؛ أنه شأن يعرِّض الشعب اليهودي لخطر وجودي.
في العصور السابقة، كان يُطلَق على اليهود المحرومين دينياً، المطرودين من الملّة، اسم «أبيكورسيم»، أي غير المؤمنين.
واليوم، يطلق عليهم اسم «كابوس»، أي المتعاونين مع النازيين. ومن خلال خدعة خفة يد تاريخية يتم بموجبها تحويل الفلسطينيين إلى نازيين، أصبح الخوف من الفناء يحدد ما يعنيه أن تكون يهودياً حقيقياً.
وقد نشأتُ مع هذه الافتراضات، وهي لا تزال تحيط بي. إنها تتغلغل في المجتمعات التي أصلِّي فيها، وهي ترسل أبنائي إلى المدرسة، وتجد طريقها إلى العديد من أصدقائي المقربين.
وعلى مر الأعوام، تعلمتُ كيف أعيش في هذه الفضاءات بينما كنت أستنطقُ علناً أفعال إسرائيل.
لكن استنطاق وجود إسرائيل كدولة يهودية هو نوع مختلف من الإساءة، أشبه بالبصق في وجوه الأشخاص الذين أحبهم وخيانة المؤسسات التي تضفي على حياتي معنى وبهجة.
وإلى جانب ذلك، لطالما كان وجود دولة لليهود شيئاً ثميناً وعزيزاً بالنسبة لي أيضاً. ولذلك التزمت باحترام خطوط حمر معينة.
لكن الواقع، للأسف، لم يفعل. مع مرور كل عام، أصبح من الواضح أن الدولة اليهودية تشمل السيطرة الإسرائيلية الدائمة على الضفة الغربية.
ومع كل انتخابات جديدة، وبصرف النظر عن الأحزاب التي تدخل الحكومة، واصلت إسرائيل دعم المستوطنات اليهودية في منطقة يفتقر فيها الفلسطينيون إلى الجنسية والمواطنة، والإجراءات القانونية الواجبة، وحرية الحركة، والحق في التصويت للحكومة التي تهيمن على حياتهم.
وقامت إسرائيل ببناء طرق سريعة لهؤلاء المستوطنين اليهود حتى يتمكنوا من التنقل بسهولة عبر الخط الأخضر، الذي نادراً ما يظهر على الخرائط الإسرائيلية، بينما يعاني جيرانهم الفلسطينيون ويُوقَفون طويلاً عند نقاط التفتيش.
والضفة الغربية هي موطن لواحد من أقوى السياسيين في إسرائيل، واثنين من قضاة المحكمة العليا، وأحدث كلية للطب في إسرائيل.
تعهد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بضم أجزاء من الأرض التي سيطرت عليها إسرائيل بوحشية وبشكل غير ديمقراطي لعقود.
وبمشاهدة كل هذا وهو يتكشف، بدأت أتساءل، لأول مرة في حياتي، عما إذا كان ثمن وجود دولة تفضل اليهود على الفلسطينيين باهظاً للغاية. فبعد كل شيء، إنهم الناس - كل الناس - وليس الدول هم الذين خلقوا «بتسيلم إلوهيم»، على صورة الله.
الحقيقة المؤلمة هي أن المشروع الذي كرَّس له الصهاينة الليبراليون، مثلي، أنفسهم لعقود من الزمن - دولة للفلسطينيين منفصلة عن دولة لليهود - قد فشل.
لم يعد حل الدولتين التقليدي يقدم بديلاً مقنعاً لمسار إسرائيل الحالي، بل إنه يعرض، بدلاً من ذلك، أن يصبح وسيلة للتمويه على هذا المسار وإخفائه وتمكينه.
وقد حان الوقت ليتخلى الصهاينة الليبراليون عن هدف الفصل بين اليهود والفلسطينيين واعتناق هدف تحقيق المساواة بين اليهود والفلسطينيين.
وهذا لا يتطلب التخلي عن الصهيونية. إنه يتطلب استعادة فهم لها نُسِيَ إلى حد كبير.
إنه يتطلب التمييز بين الشكل والجوهر. وليس جوهر الصهيونية وجود دولة يهودية على «أرض إسرائيل».
إنه وجود وطن يهودي في «أرض إسرائيل»؛ مجتمعٍ يهودي مزدهر يقدم لليهود الملاذ ويثري العالم اليهودي بأسره. وقد حان الوقت لاستكشاف طرق أخرى لتحقيق هذا الهدف - من الكونفدرالية إلى الدولة الديمقراطية ثنائية القومية - والتي لا تتطلب إخضاع شعبٍ آخر.
حان الوقت لتصور وطن يهودي، يكون وطناً فلسطينياً، أيضاً.
لقد ميز اليهود بين الشكل والجوهر في مراحل حرجة أخرى من تاريخنا. لما يقرب من ألف عام، كانت العبادة اليهودية تعني تقديم القرابين إلى «الهيكل» في القدس. ثم، في العام 70م، بينما كان الهيكل على وشك السقوط، تخيَّل الحاخام يوشانان (يوحنان) بن زكاي بديلاً.
طلب من الإمبراطور الروماني ذلك الطلب الشهير: «أعطني يافني وحكماءَها» (1).
ومن أكاديميات «يافني» ظهر شكل جديد من العبادة، يقوم على الصلاة والدراسة.
واتضح أن التضحية بالحيوانات لم تكن ضرورية لكونك يهودياً، وأن أياً منهما لا يدعم وجود دولة يهودية.
ومهمتنا في هذه اللحظة هي تخيل هوية يهودية جديدة، لا تعود تساوي بين المساواة للفلسطينيين والإبادة الجماعية لليهود؛ واحدة ترى أن تحرير الفلسطينيين هو جزء لا يتجزأ من تحريرنا نحن. هذا ما تعنيه «يافني» اليوم.
يتطلب فهم سبب موت حل الدولتين الكلاسيكي فهم كيفية نشوء تجسده الحالي: من الهزيمة الفلسطينية.
خلال معظم القرن العشرين، سعى الفلسطينيون إلى إقامة دولة خاصة بهم على كامل الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. ولكن، بحلول سبعينيات القرن الماضي، بدأ المثقفون الفلسطينيون يعترفون علناً بفشل هذا الكفاح الطويل.
وفي تنازل مرير للواقع، اقترحوا أن يسعى الفلسطينيون بدلاً من ذلك إلى إقامة ما سموه «دولة صغيرة» في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
وفي العام 1988، عندما اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، أصبح هذا موقفها الرسمي، وحتى حركة حماس الإسلامية - التي لم تعترف بإسرائيل - تبنت مراراً فكرة «الدولة المصغرة» كأساس لإرساء هدنة طويلة الأمد.
ولكن منذ البداية، كان الفلسطينيون واضحين بشأن ما يحتاجون إليه مقابل هذا التنازل التاريخي. وكتب المؤرخ الفلسطيني، وليد الخالدي، في مقالته الرائدة في العام 1978 بعنوان «التفكير في ما لا يمكن تصوره» أن «حجر الزاوية» في التسوية «هو مفهوم السيادة الفلسطينية. ليس نصف سيادة، أو شبه سيادة، أو سيادة مقلَّدة، وإنما دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة» (حتى يومنا هذا، يعارض الفلسطينيون بأغلبية ساحقة وضع أي قيود على سيادة أي دولة فلسطينية تنشأ في المستقبل).
وثمة مطلب ثانٍ لقبول «الدولة المصغرة» هو عدم تقليص الطموحات الإقليمية ومساحة الأراضي الفلسطينية أكثر مما حدث: بعد أن قبلوا بنحو 22 في المائة من مساحة الأرض الواقعة بين النهر والبحر، شعر الفلسطينيون بأنهم قد تنازلوا مسبقاً عما فيه الكفاية.
لو أن إسرائيل قبلت هذه المبادئ خلال مفاوضات السلام العديدة التي جرت مع الفلسطينيين، فإنه ما مِن ضمان لانتهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.
سوف يظل اللاجئون الفلسطينيون يريدون العودة إلى ديارهم في إسرائيل نفسها (على الرغم من أنه قيل في الأعوام الأخيرة إن زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، محمود عباس، قبل بوضع محدِّدات كبيرة على هذا الحق).
وربما كان الفلسطينيون الذين يعيشون داخل إسرائيل كمواطنين (يطلق عليهم أحياناً «عرب إسرائيل») سيظلون منزعجين من العيش في دولة يهودية.
ومع ذلك، ربما كان وجود دولتين سيشكل بداية لحل أكثر ديمومة. ويغلب أن لا نعرف أبداً، لأن إسرائيل عملت، في العقود التي انقضت منذ قبول الفلسطينيين بدولة في الضفة الغربية، على جعل تحقيق ذلك مستحيلاً.
أعادت إسرائيل تعريف «الدولة» الفلسطينية لتشمل مساحة لا تني تتناقص وسيادة تقل باطّراد، لتنتهك بالتالي المطلبين الأساسيين لقيام الدولة الفلسطينية الصغيرة.
وفي العام 1982، حذر نائب رئيس بلدية القدس السابق، ميرون بنفينيستي، من أنه تبقى «خمس دقائق لمنتصف الليل» بشأن حل دولتين، لأن 100.000 مستوطن يهودي سيقيمون قريباً في الضفة الغربية والقدس الشرقية - وهو رقم اعتبره غير متوافق مع إمكانية قيام دولة فلسطينية قريبة من خطوط العام 1967. ولكن، مع استيطان المزيد من اليهود في الضفة الغربية، طالبت إسرائيل بأن تضم الدولة الفلسطينية المزيد والمزيد من المساحات المقتطعة من الأراضي الإسرائيلية.
بحلول العام 2000، عندما تجاوز عدد المستوطنين في القدس الشرقية والضفة الغربية 365.000 نسمة، اقترح رئيس الوزراء حينذاك، إيهود باراك، أن تقوم إسرائيل بضم 9 في المائة من الضفة الغربية، وتعويض الفلسطينيين بتُسع هذه المساحة من الأراضي داخل إسرائيل. وبحلول العام 2020، مع اقتراب عدد المستوطنين من 650 ألفاً، اقترح دونالد ترامب - بالتشاور مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - أن تضم إسرائيل ما يصل إلى 30 في المائة من الضفة الغربية، وتعويض الفلسطينيين بحوالى نصف مساحة هذه الأراضي بأراضٍ داخل إسرائيل، الكثير منها صحراء.
في الوقت نفسه، أوضح القادة الإسرائيليون أن الدولة الفلسطينية لا يمكن أن تتمتع بأي شيء يشبه السلطات السيادية.
واقترح باراك أن تقبل دولة فلسطينية تنشأ بتواجد القوات الإسرائيلية على طول حدودها الشرقية مع الأردن لمدة 12 عاماً.
وذهب نتنياهو أبعد من ذلك، معلناً أنه من أجل «امتلاك كيانهم الخاص الذي يعرِّفه ترامب على أنه دولة»، يجب على الفلسطينيين «الموافقة على السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة في كل مكان».
وبعبارة أخرى، يمكن للفلسطينيين إنشاء كيان تسميه الولايات المتحدة دولة، بما أنه ليس كذلك في واقع الأمر.
يعزو المعلقون أحياناً هذه المواقف الإسرائيلية المتشددة إلى الآثار المخيبة للآمال التي يخلفها العنف الفلسطيني. ولكن، على مدار الأعوام الخمسة عشر الماضية، وفي ما يعود إلى حد كبير إلى التنسيق الأمني الفلسطيني مع إسرائيل، انخفض عدد الإسرائيليين الذين قتلوا على يد فلسطينيين بشكل كبير: هابطاً من أكثر من 450 في العام 2002، في ذروة الانتفاضة الثانية، إلى متوسط أقل من 30 في العام الواحد منذ انتهاء الانتفاضة الثانية في العام 2005 (عدد الفلسطينيين الذين قتلوا على يد إسرائيل أعلى بكثير).
ومع ذلك، انخفض الدعم الإسرائيلي لقيام دولة فلسطينية بشكل مطّرد. وعلى مدى العقد الماضي، في حقبة من السكون الفلسطيني النسبي، تسارعت وتيرة نمو المستوطنات، وجعل الناخبون الإسرائيليون نتنياهو، المعارض مدى الحياة للسيادة الفلسطينية، رئيس الوزراء الأطول خدمة في تاريخ بلادهم.
ويتحدث الاقتصاديون عن «التفضيل المكشوف» - فَهم ما يريده الناس ليس بما يقولونه، وإنما بما يفعلونه.
وكما جادل الصحافي الإسرائيلي نعوم شيزاف، فإن التفضيل المكشوف لليهود الإسرائيليين واضح: دولة واحدة يفتقر فيها ملايين الفلسطينيين إلى الحقوق الأساسية.
مع انحسار احتمالية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، تبنت أعداد متزايدة من الفلسطينيين فكرة الدولة الواحدة التي يتمتعون فيها بحقوق متساوية.
في العام 2011، وفقاً لبيانات أطلعني عليها خبير استطلاعات الرأي الفلسطيني، خليل الشقاقي، فضل ضعف عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وجود دولتين على دولة واحدة. وهذا العام، أصبح الخياران متعادلين فعلياً. وتحظى فكرة دولة واحدة متساوية بشعبية خاصة بين الشباب الفلسطينيين.
في العام 2019، وفقاً للشقاقي، فضل الفلسطينيون الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و22 عاماً دولة واحدة بهامش 5 في المائة.
يجادل المدافعون عن الفصل بين اليهود والفلسطينيين بأن دولة واحدة متساوية هي أقل واقعية من دولتين؛ لأنها لعنة بالنسبة للسكان الذين يملكون القوة الكبرى: اليهود الإسرائيليين. لكنّ هذا يفوِّت الفكرة.
اليوم، يبدو كلا خياري الدولتين والدولة الواحدة المتساوية، غير واقعي. والسؤال الصحيح ليس أي رؤية هي الأكثر خيالية في هذه اللحظة، وإنما أي رؤية هي التي يمكن أن تولد حركة قوية بما يكفي لإحداث تغيير جوهري.
حل الدولتين - الذي أصبح يعني فلسطين مجزأة متشظية تحت السيطرة الإسرائيلية بحكم الأمر الواقع - لم يعد مقبولاً. إنه لم يعد يوفر الأمل. وعندما يلتقي القهر والقمع باليأس، يمكن أن تكون النتيجة غضباً عدمياً.
في العام 2015، اندلعت «انتفاضة طعن» في القدس الشرقية والضفة الغربية، ولم تكن تلك الاعتداءات، التي نفذها شبان فلسطينيون صغار، منسقة؛ ولم تعبر عن أي مطالب سياسية يمكن تمييزها. وقد وصفها الصحافي الإسرائيلي، غيرشوم كورنبرغ، بـ»اليأس المعبَّر عنه بالسكاكين».
وإذا تفكك حل الدولتين من دون بديل مقنع، فقد يكون هذا هو المستقبل المرتقب: نوبات من العنف المرعب، وإنما غير المنسَّق.
وقد أدى الإعلان عن «خطة السلام» التي وضعها ترامب - بقبولها الضمني بالضم الإسرائيلي - إلى زيادة الدعم الفلسطيني لـ»الكفاح المسلح».
وإذا اندلع الكفاح المسلح، فإن الإسرائيليين ويهود الشتات الذين يدعمون مسبقاً سياسات تمارس العنف ضد الفلسطينيين، سوف يفسرون رد الفعل الفلسطيني العنيف على أنه ترخيص لممارسة وحشية لا تنتهي.
اليوم، يجد القادة الإسرائيليون الوضع الراهن مقبولاً. ولكن، عندما يكشف عنفٌ فلسطيني أنه ليس كذلك، فإن هؤلاء القادة - بعد أن جعلوا الفصل مستحيلاً - يمكن أن يقتربوا أكثر من استخدام سياسات الطرد الجماعي.
وليس هذا الاحتمال بعيداً كما قد يبدو. ثمة إسرائيليون بارزون - من المؤلف توم سيغيف إلى مؤرخ الهولوكوست يهودا باور إلى مراسلة «هآرتس» أميرة هاس إلى الكاتب الفلسطيني -الإسرائيلي سيد قشوع - يحذرون من ذلك منذ أعوام. يقول ما بين ثلث ونصف اليهود الإسرائيليين بشكل متكرر لمنظمي استطلاعات الرأي إنه يجب تشجيع الفلسطينيين، أو إجبارهم، على مغادرة البلاد.
وفي العام الماضي، عندما سأل «المعهد الإسرائيلي للديمقراطية» اليهود الإسرائيليين عما ينبغي فعله مع الفلسطينيين في «المنطقة ج»، التي تضم أكثر من نصف الضفة الغربية، إذا ضمت إسرائيل تلك الأراضي، كان الجواب الأكثر شيوعاً هو أنه ينبغي إبعادهم منها فعلياً.
ووفقاً لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية «بتسيلم»، فإن السياسة الإسرائيلية المطبقة مسبقاً في القدس الشرقية - التي تلغي إقامة الفلسطينيين إذا غادروا المدينة لفترة طويلة من الزمن - «موجهة للضغط على الفلسطينيين لكي يغادروا».
وفي وقت سابق من هذا العام (2020)، تضمنت خطة ترامب فكرة دافع عنها لفترة طويلة وزير الدفاع والخارجية السابق، أفيغدور ليبرمان، والتي تعيد إسرائيل بموجبها رسم حدودها لإيداع ما يقرب من 300 ألف مواطن فلسطيني في إسرائيل خارج البلد.
هذا هو المكان الذي تتجه إليه إسرائيل بينما يموت حل الدولتين. ولن يكون الضم نهاية الخط. إنه مجرد محطة على الطريق إلى الجحيم.
عن «تيارات يهودية»
* أستاذ الصحافة والعلوم السياسية في مدرسة نيومارك للصحافة بجامعة مدينة نيويورك. وهو أيضاً محرر مسهم في «تيارات يهودية»، وهي نشرة إخبارية أسبوعية. ساعد أميتاي أبوزاغلو، وإليوت كوهين، وفيليب جونسون في البحث من أجل إنجاز هذا المقال.
هوامش
(1) حسب الرواية اليهودية، قبل نحو ألفي عام، وبالتحديد في أواسط القرن الأول للميلاد، كانت الإمبراطورية الرومانية تسيطر على مناطق واسعة من الشرق الأوسط، بما فيها أرض إسرائيل ومملكة يهوذا. وكان الرومان قد فرضوا على اليهود قوانين قاسية، الأمر الذي أدى إلى تمردهم على الرومان في العام 66م. وفي العام 70م حاصر الرومان المدينة المقدسة (أورشليم)، ساعين لإخماد التمرد، وهنا تبدأ قصة الحاخام البارز يوحنان بن زكاي.
كان بن زكاي من أكبر وأبرز القادة الدينيين في (أورشليم) حينذاك، عندما كان المجتمع اليهودي منقسماً ومشتتاً. واختلفت الطوائف اليهودية خلال الحصار حول إذا ما كان يجب الاستسلام للرومان أو مواصلة الكفاح ومحاربتهم، حتى أن مجموعة متطرفة أحرقت جميع مخازن الطعام التابعة للمدينة كي تجبر سكان (أورشليم) على محاربة الرومان. ولما رأى الحاخام يوحنان بن زكاي كل ذلك، عرف أن الرومان سيحتلون (أورشليم) ويحرقون الهيكل، الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان مركز العبادة الأساسي للدين اليهودي. ويقول التلمود البابلي (كتاب غيتين 56) إن بن زكاي استطاع الهروب من (أورشليم) في تابوت، ثم توجه إلى الحاكم الروماني في البلاد وطلب منه في حال تدمير (أورشليم) الحفاظ على مدينة «يافني» وعلى حكمائها وقادتها الدينيين، فوافق الحاكم على ذلك. ويعد بن زكاي بمثابة منقذ الديانة اليهودية من التدمير الكامل على يد الرومان، مع تحويل نقطة التركيز للدين اليهودي ليتحول من دين العبادة في الهيكل في أورشليم تحديداً، من خلال تقديم القرابين، إلى دين شرعي يومي ملائم لكل أتباعه أينما كانوا.
و»يافني» اليوم هي مدينة أقامتها سلطات الاحتلال في فلسطين على أنقاض قرية «يِبنا» الفلسطينية المهجرة التي تقع إلى الجنوب الغربي من الرملة والجنوب من یافا وتبعد عنها 24كم. كانت حتى العام 1931م ضمن قضاء غزة، وتم الاستیلاء على أراضیها البالغة حوالى 5200 دونم وأقیمت على أراضیها مستوطنة (مدینة التطویر یافني).