يجب مواجهة محكمة الجنايات الدولية سياسياً لا قانونياً

حجم الخط

بقلم: أمنون لورد*

 


عندما طُرح التقدير أن قرار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، الذي يسمح لها بالتحقيق مع إسرائيل، هو نتيجة وصول إدارة جو بايدن، كان هناك أطراف في واشنطن اعتبرت أن هذا هو السبب فعلاً. فقد تأجل القرار موضوع البحث مدة سنة تقريباً، وفجأة صدر في توقيت قريب من صعود الرئيس الجديد.
محكمة الجنايات الدولية في لاهاي هي كيان سياسي، وعندما كان هناك ضغط سياسي وتهديدات بفرض عقوبات شديدة ضدها وضد أصحاب المناصب المركزية فيها، فإن الإجراءات ضد إسرائيل توقفت.
في استطاعة إسرائيل محاربة هذا الكيان المدمر بوسائل سياسية فقط. من الأخطاء التي ارتكبتها إسرائيل ويجب أن تمتنع عن القيام بها هي معالجة الموضوع على المستوى القانوني، أي المستشار القانوني للحكومة والمستشار القانوني لوزارة الخارجية اللذين يتعاملان مع المشكلة التي تواجه إسرائيل كأنها إجراء قانوني، ويقومان بتحضير الردود القانونية. حان الوقت لوقف ذلك. إذا كان هناك دور للجهات القانونية فيجب من الآن فصاعداً تجنيد الأدوات القانونية في خدمة النضال السياسي الدولي.
هذا يعني أنه يتعين على الأطراف القانونية المعنية ضمن إطار حملة دعائية جريئة إعداد ملفات تعرض (السجل الإجرامي) لكبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية الذين كانت لهم صلة بـ "الإرهاب". هذه الملفات يجب كشفها في الساحة الدولية ووسائل الإعلام. بالإضافة إلى ذلك، يجب على إسرائيل عدم التعاون مع محكمة الجنايات الدولية التي لا تعترف بصلاحياتها وهي ليست عضواً فيها.
المدعية العامة بنسودا لا تزال في منصبها وهي لم تنتظر الباكستاني الذي سيحل محلها. لكن هوية المدعي العام هنا ليست مهمة. ما يجري هو إجراء بيروقراطي سياسي تلقائي، سيؤدي في نهاية الأمر إلى توجيه لوائح اتهام. من جهتها يجب على حكومة إسرائيل الإعلان أن الإسرائيليين الذين سيتعاونون مع إجراءات لاهاي ستتم مقاضاتهم جنائياً.
يمكن القيام بخطوة كهذه لردع أصحاب المناصب الرسمية؛ لكن هل يمكن تحقيق مثل هذه الخطوة إزاء أشخاص يترأسون منظمات معادية لإسرائيل تناضل قانونياً وسياسياً؟ هذا سؤال آخر.
ممنوع تكرار الأخطاء التي حدثت قبل بضعة أعوام، عندما سمحت إسرائيل بدخول أطراف من محكمة الجنايات الدولية في لاهاي إلى إسرائيل لتشرح لهم الأخيرة موقفها من الموضوع. لكن يبدو أن محكمة الجنايات الدولية لن تكون بحاجة إلى تحقيق على الأرض، الأمر الذي يجب منعه بالتأكيد؛ منظمات فلسطينية وإسرائيلية أو دولية، أو السلطة الفلسطينية نفسها قادرة على تقديم مواد اتهام في لاهاي.
الإجراء ليس عاماً ضد إسرائيل، بل من المفترض أن يكون شخصياً وضد أشخاص محددين. وستستغرق ترجمة المواد المقدمة إلى المحكمة إلى لوائح اتهام وقتاً.
لكن يجب أن نأخذ في الحسبان أنه في نهاية الإجراء سيكون هناك أيضاً لوائح اتهام. شخصيات إسرائيلية، مثل إلكين، من الذين نظموا موضوع المعالجة الحكومية لمشكلة لاهاي، يعتقدون لسبب ما أنه يجب القيام بخطوات دراماتيكية في مجال تطوير الاستيطان في الضفة الغربية رداً على الإجراءات القانونية ضدنا. لكن على سبيل المثال البروفيسور آفي بيل الذي عمل سنوات على الموضوع يقول إنه لا يرى أي صلة بين الأمرين.
أي عملية استيطانية لن تردع الفلسطينيين عن مواصلة مساعيهم في الساحة القانونية الدولية. أيضاً يعتقد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أن هذا التوجه لن يكون له أي تأثير، ويرى فيه موقفاً ديماغوجياً. في مقابل ذلك المطلوب تعامُل سياسي مع النضال ضد محكمة الجنايات الدولية، كما ثبت في أيام ترامب.
في نهاية الأمر عندما تقدَّم لوائح اتهام فإنها ستكون عديمة التأثير كون المتهمين لن يظهروا أمام المحكمة، ولا يمكن محاكمتهم من دون حضورهم. ستصبح حركة بعض الشخصيات الإسرائيلية في دول معينة مصدر إزعاج دائم، لكن يمكن التعايش معه. ما سيحدث هنا هو أن الإجراء سيفتح أبواب ملاحقة لا تنتهي من جانب اليسار الدولي، والفلسطينيين ومساعديهم في إسرائيل. وسيزداد العداء للسامية، ومعه سيزداد شعور الإسرائيليين بالحصار.


عن "إسرائيل اليوم"
*محلل سياسي