يعود يوم المرأة العالمي ليضع الجميع أمام جردة حساب على معيار المطالب والاحتياجات، بعيداً عن البهرجة الاحتفالية، فهو ليس يوماً لإخفاء العيوب والنواقص أو تجميل القوانين المتقادمة أو ترويج الخطابات ذات القشور الذهبية، فيوم المرأة مخصص للمظلومات، وانطلق أصلاً لتسليط الضوء على الفجوات وفراغ المحتوى، يوم لتقديم جردة حساب عن قوائم الأعمال والسياسات والأفعال التي تنتظر على أبواب أصحاب الواجب، والأرقام تتكلم دائماً وأبداً.
والأرقام تطرح نفسها بشكل فجّ وتنأى بنفسها عن الحياد، على عكس الخطاب السياسي الذي يراوح في المكان التقليدي المنحاز للنساء قولاً.. ويتجاهل مطالبهن عملياً، واضعاً نفسه في خانة العاملين ضدهن واقعياً، مع أخذ الاعتبار للفتات الذي رُمِي به بين آذارَين، مُمَثَّلاً برفع الكوتا قليلاً عن طريق تضييق المسافات أمام إدماج المرأة في الترتيب، ومن ثم قام تبني نظام التمثيل النسبي الكامل بما عليه مستكملاً مهمة رفع سقف المشاركة إلى ضعف ما أعطاه النظام المختلط، هذا ما وقع. أما المطالب الأخرى فموقوفة برسم الغرف المُغلقة.
بصراحة تامة، ليست ثمة مفاجأة صُدمت بها المؤسسات النسوية التي ثابرت على القيام بعمليات الضغط دون كلل أو ملل، كانت نتيجتها الوصول إلى إنجاز محدود محسوب لدأبها، إلّا أنه لا يرقى إلى قرارات المجلسين الوطني والمركزي، بل زاد من رصيد بؤس التردد والتلكؤ في تقسيط مريح لدفع ثمن حقوق المرأة.
من حساب الحقل نذهب إلى حساب البيدر، ولأن الانتخابات بمراحلها الأربع تتصدر المشهد الفلسطيني: التشريعية، والرئاسية، والمحلية، مع انتخاب المجلس الوطني، سينشغل المجتمع بأحزابه ومؤسساته المدنية ومستقليه بفعالياتها وتحضيراتها وإجراءاتها.
ومن الزاوية النسوية كذلك، ستنشغل المكونات النسوية في السعي نحو حجز مكان لها في القوائم الانتخابية التي يُتَوقّع لها أن يقفز عددها إلى ضعف القوائم الحزبية المعهودة، سنكون أمام كوكتيل من القوائم الحزبية والائتلافية والمستقلة والجهوية جغرافياً، وربما قوائم الحراكات الشبابية والنسوية، ما يشكل فرصة للنساء للاندماج بها وفق رؤيتها الخاصة وقناعاتها، ومن محاسن المرحلة أن «التابوهات» حول المشاركة أكثر انفتاحاً قياساً بالأعراف المتبعة، بعد زوال احتكار الأحزاب تشكيلها، إن جاز التعبير، بما يمكّن المستقلات والمستقلين وغيرهم من اختيار الانضواء ضمن الاعتبارات الخاصة بكل مرشحة، وفقاً للفرص المتاحة للنجاح والانسجام مع برامجها وشخوصها. ففي نهاية المطاف، فإن رحابة العمل التشريعي متاحة لتشكيل تحالفات تستند إلى الرؤية الفردية والجماعية للأعضاء، عكس الانضواء في مؤسسات السلطة التنفيذية وقيودها.
وفي تفاصيل مكملة، ستحصل النساء على حصة تتراوح: ما بين 33 عضوة تقريباً في حال التزمت القوائم بالتمثيل المعهود للمرأة ضمن الحدود الدنيا للقانون، وما بين 39 عضوة في حال تبنت القوائم قرار وهدف المجلسين الوطني والمركزي بالوصول إلى تحقيق نسبة 30% من إجمالي العضوية. في كلا الحالتين لن تصل النساء إلى تشكيل الكتلة الحرجة بما يمكنها من التأثير في القرار الكلي، والأمر يعود إلى عدم تجانس العضوات الناجحات وهو أمر طبيعي، فالنجاح سيكون إجمالاً حليفاً للأكثريات وهي التيارات الفكرية التقليدية والمحافظة إلى جانب التيار الوسطي والأقليات ممثلة بالتيار الديمقراطي، وغيرها، ما سيدفعها إلى نسج التحالفات مع قوائم منحازة فكرياً إلى مبدأ العدالة والمساواة، ومستعدة للقتال من أجل تجسيدها في القوانين والتشريعات التي تقع في مركز مهام المجلس التشريعي، دون أن نتغاضى عن التحالف مع شخوص وأفراد متقدمين فكرياً سيظهرون في جميع القوائم.
وفي لغة الأرقام، يُشير آخر استطلاع رأي عام، أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في كانون الأول الماضي 2020، إلى حصول حركة «فتح» على 38% من المقاعد، مقابل حصول حركة «حماس» على 34% منها. وأظهر الاستطلاع أن القوائم الأخرى ستحصل على 10% للقوى الديمقراطية، وأن الـ 18% من المستطلعين لم تحسم توجهها بعد.
وعليه، فإن حركة «فتح» ستحسم فوز 12 عضوة، بينما ستحسم «حماس» 10 مقاعد للمرأة، وستحسم قوائم الأحزاب الديمقراطية بين 3-4 مقاعد، بينما ستذهب 6-7 مقاعد للقوائم الأخرى. ما يعني أن تمثيل المرأة سيكون ما بين 32-33 مقعداً، مع استيعاب أن بعض القوائم ربما تخرج عن الترتيب لتلبية نسبة 30% وتنفذ تعهداتها المقطوعة للاتحاد العام للمرأة، بينما ستلتزم قوائم أخرى بالترتيب الوارد في القانون رقم 1 للعام 2007 وتعديلاته، وموضعة المرأة في آخر مربوط الفئة. هذا مع التأكيد أن بورصة الانتخابات ستتغير هبوطاً وصعوداً مع تبلور القوائم انطلاقاً من طبيعتها وبرنامجها وشخوصها وتحالفاتها وتاريخها، ومع بدء الحملات الإعلامية. وكل شيء مرتبط بالتفاعل مع الانتخابات، حيث ما زال التشكك بإجرائها قائماً، رغم التسجيل غير المسبوق الذي يتراوح بين 100% إلى 89%، والتي تشكل توطئة للتفاعل والالتحام الجماهيري مع الانتخابات بعد 16 عاماً من احتباسها.
وأخيراً وليس آخراً، وفي الثامن من آذار، يمكن القول: إن المرأة الفلسطينية التي صقلتها التجربة، وتعززت قدرتها على المكاشفة في الحقائق دون تغليفها بالخطابات المُفرَّغة من مضامينها الحقوقية، اليوم قدرتها أفضل من أي وقت مضى على التفاوض على تشكيل وموضعة ترتيبها في القوائم، واعية لجميع أشكال الممارسات الإقصائية التي تنظر إلى المرشحات في إطار استكمال القائمة، والوقائع تشير إلى أن أدوات الحزبيات والمستقلات الضاغطة والتفاوضية قد صقلتها التجربة القاسية المختبرة على صعيد حقوق المرأة ودورها، قد انعكست إيجاباً على امتلاكهن الخبرة والاحترافية.
وحديث الانتخابات، شرح يطول!
خطايا ستة في استخدام الرصاصة الأمنية حلا لـ "المشهد الجنيني"
16 ديسمبر 2024