اليسار العميق: تقرير من داخل «المشرحة» !

حجم الخط

بقلم: دان شيفتن

 

 


ينازع اليسار العميق الموت وهو جدير بالقتل الرحيم انتخابيا. بل إنه غير قادر على أن يستوضح لماذا كف عن أن يكون ذا صلة بالمجتمع الإسرائيلي. فهو يعزو بؤسه وفشله التاريخي للتحريض من اليمين او للوعي الكاذب لمن يزعم انه كان يفترض ان يؤيد رسائله ولا يفهم لماذا فقد ثقة التيار المركزي. وهو يتحدث باسم قيم منشودة وينفي حقيقة أن السياسة التي يروج فها والجلد الذاتي الذي يتغنى به لا يساهمان بتعزيزها. وهو يتشوش بين حقوق الطبع اللامعة لكليشيهات تدفئ القلب وبين استراتيجية سياسية تفحص بنجاعتها. وهو لا يغضب او يتحدى. هو ببساطة باعث على الشفقة.
في هذا الجناح من الحركة الصهيونية كان محفلان. كلاهما أخطأ، ولكن الفرق بينهما دراماتيكي. كما أنه كانت للكثير من اعضاء الحرس الفتي هذيانات عن العدالة الاجتماعية للعمال والسلام العالمي في ضوء «شمس الشعوب» التي تشرق من الكرملين وعن السلام اليهودي العربي في دولة ثنائية القومية. هناك كان الحديث يدور عن حركة بناءة ساهمت كثيرا في بناء الأمة والمجتمع، وتجندت بكل قوتها لحمايتها. في حديث مع يعقوب حزان، احد زعمائها الباعثين على الالهام، بعد الصحوة من ستالين ومن النخبة الفلسطينية، لم يغضب حين وصمت حركته في عهد هذياناتها: اليدان يدا يعقوب والصوت صوت عسو.
الى جانب اليسار البناء تطورت ايضا ظاهرة تطهرية صغيرة من سليلي «حفظ السلام»، بقيادة رئيس الجامعة العبرية، يهودا ماغنس، ممن اشترطوا التحقق السياسي للصهيونية بموافقة العرب. آرثر روفين، احد مؤسسيها البارزين، فهم عقم ومخاطر هذا الفهم وانسحب من «حلف السلام» بألم منذ الثلاثينيات. ومساهمة روفين المميزة للمشروع الصهيوني تنشأ عن استعداده للوقوف بشجاعة امام الفجوة التي بين شعارات ترفع المعنويات وبين ما هو مطلوب لضمان مستقبل الشعب اليهودي. ماغنس، بالمقابل، أدمن على تطهره. بعد أن فشل في اقناع اليهود في القدس، حاول ان يحبط في واشنطن اقامة الدولة اليهودية في العام 1948.
لم يتدهور «ميرتس» الى الدرك الاسفل لماغنس، ولكنه يتسكع معه في تأييده لـ «بتسيلم»، ولـ «نحطم الصمت»، وللمحكمة الدولية في لاهاي، وفي آماله بتجنيد اوروبا وادارة بايدن ضد الاجماع القومي الواسع في إسرائيل. بعد ان تكبد فشلاً ذريعاً ومتواصلاً في ما وراء مجالات الطائفة الصغيرة للمؤمنين به في الجمهور الإسرائيلي، فهو يسعى ليفرض بضغط خارجي على الاغلبية الساحقة في إسرائيل واقعاً امنياً وقومياً كل اليهود تقريباً ممن سيتعين عليهم أن يتعايشوا معه يرونه خطيراً على مستقبلهم.
هو لا يقول بالفم الملآن ان إسرائيل هي دولة ابرتهايد تعيش على جرائم الحرب. هو فقط يؤيد، يستعين، او يتعاطى بتسامح مع من يدعي ذلك. من كان حزباً صهيونياً يخشى على الصورة الاخلاقية للدولة، فقد طريقه. عندما رد يائير غولان، أحد زعمائه الذي يعرف الواقع من تجربته، التهمة على إسرائيل بجرائم الحرب، وصف رئيس الحزب نيتسان هوروفيتس صياغات غولان بأنها عسكرية. تحفظ هوروفيتس على الطيبي بسبب موقفه في مواضيع المثليين («مقرف»)، ولكنه لم يستبعده بسبب إرث عرفات، مثلما استبعد (كما ينبغي) بين غبير بسبب إرث كهانا.
يرفض «ميرتس» التصدي لحقيقة انه فقد ثقة الجمهور المحب للحل الوسط في إسرائيل، حين واصل الترويج لخطوات عديمة المسؤولية الامنية وعديمة الفرص السياسية حتى بعد «حرب الارهاب» في «الانتفاضة الثانية» بدعم المجتمع الفلسطيني، وكذا بعد رفض اقتراحات اولمرت بعيدة الاثر في العام 2008. بحماسته للتعويض عن فشله في أوساط هذا الجمهور ارتبط، بشكل مباشر وغير مباشر، بمحافل تسعى الى نزع الشرعية عن الدولة اليهودية. يتشكل مؤيدوه من فسيفساء محبي الخير الذين يحتاجون الى الإشفاء بالعمل الاخلاقي، «سذج» محبي «حلول» غير موجودة، ومدمنين على الموضة المهنية او الاجتماعية، ونرجسيين يقعون في حب صورتهم كأولياء على خلفية شعبهم السوداء. هذا يكفي لطائفة سياسية، وليس لحزب يرغب في أن يخط طريقاً.

عن «إسرائيل اليوم»