هبة النفق وحي الشيخ جراح..كلام الفعل وفعل الكلام!

حجم الخط

 كتب حسن عصفور 

بعد ما يقارب 3 أشهر على نجاح تحالف "الإرهاب" في الانتخابات الإسرائيلية يونيو 1996 بقيادة بنيامين نتنياهو، وبداية اغتيال عملية السلام "سياسيا"، بعد اغتيال رئيس الحكومة رابين قتلا، نتيجة توقيعه اتفاق إعلان المبادئ مع منظمة التحرير سبتمبر 1993، انطلقت أول عملية اختيار سياسي من التحالف المعادي للاتفاق عبر قرار "غبي" في سبتمبر 1996 لفتح "نفق تحت المسجد الأقصى".

لم ينتظر الشهيد الخالد المؤسس ياسر عرفات وقتا ليعلن مواجهة القرار، وانطلقت حركة غضب شعبية ومسلحة في مناطق مختلفة من الأرض الفلسطينية، سجلها التاريخ لاحقا بـ "هبة النفق"، وبدأت أول مواجهة عسكرية بين قوات الأمن الفلسطيني وجيش الاحتلال، والذي خسر عما يزيد عن 16 عسكريا في تلك المعارك، التي رافقتها حركة احتجاج أعادت للذاكرة "روح الانتفاضة الوطنية الكبرى.

شارك في الهبة الكبرى، المؤسسة الرسمية والعمق الشعبي، ذهب غالبية أعضاء المجلس التشريعي الى القدس، وعدد من أعضاء "القيادة (اسمها الحق وليس كما راهنا)، ولم يجلسوا منتظرين من يأتي ليشرح بل كانوا جزءا فاعلا من الهبة، التي انطلقت دفاعا عن "مقدس وطني فلسطيني".

أجبرت "هبة النفق" الشعبية – الرسمية حكومة الإرهاب الجديدة على التراجع عن قرارها، فكان أول نصر سياسي منذ تكوين السلطة الوطنية، لتؤسس لمعادلة أن "السلام لا يستند لفعل الخنوع بقدر ما يمنح الفلسطيني قوة مضافة بحثا عن حقوقه".

ذلك كان الدرس الأول من دروس "هبة النفق"، ليس فقط للفاشيين الجدد في تل أبيب، بل لأطراف "تحالف الشر السياسي"، محليا وإقليميا، الذي حاول بكل السبل والأقنعة تدمير "الكيانية الفلسطينية الوليدة"، كل تحت "نقاب وجهه السياسي الخاص".

فيما الدرس الثاني، كان للمؤسسة الرسمية الفلسطينية أن أولى مهامها الدفاع عن القضية الوطنية بكل مكوناتها، ولا يقف عائق أمامها أي كانت ظروف الواقع، واستمرارا لمهام الثورة الفلسطينية نحو تعزيز الكيان واستقلالية الكيان

والدرس الثالث، لدولة الكيان، أن مسألة "التنسيق الأمني" ليس قيدا مطلقا على الدفاع عن الحق، لأن الهدف منها تبادلي وليس عملية إرسال من طرف واحد، كما تحولت لاحقا في ظل مشهد خارج عن "النص الوطني"، وكل تطاول على حقوق الشعب الفلسطيني، سيتم ردعه بكل ما هو ممكن ومتاح.

هبة النفق كانت أول صفعة أمنية – سياسية لرئيس التحالف الإرهابي الجديد، ورغم محاولة تنصله من اتفاق السلام مع منظمة التحرير، ومحاولة فرض لغة تهويدية على بعض مصطلحات منها الضفة والقدس، لم يتمكن من تمرير مخططه، وأجبر على الذهاب عام 1998 الى الولايات المتحدة، فجرت محادثات ثلاثية قادها الخالد أبو عمار فلسطينيا، وكلينتون أمريكيا ونتنياهو مع شارون إسرائيليا، وبعد محاولات التنصل من الاعتراف بالاتفاقات الموقعة، أجبر نتنياهو توقيع ما عرف بتفاهم "واي ريفير"، والخاص بالبدء في نفيذ مراحل إعادة انتشار القوات الإسرائيلية والانسحاب من مناطق ومدن بالضفة

ولأن التوقيع كان مخالفا كليا لفكره السياسي – الأيديولوجي سارع نتنياهو، ومن أرض مطار اللد بالتراجع عن الاتفاق، ما أدى الى فتح مواجهة مع أمريكا فالتي قادت عملية تبكير الانتخابات الإسرائيلية لإسقاطه، فكان أول رئيس حكومة إسرائيلية تسقطه عملية السلام مع منظمة التحرير.

ذلك كان كلام الفعل للرد على محاولة تهويدية أولى لمقدس وطني ديني، فيما تنطلق منذ فترة عملية لإنقاذ سكان حي الشيخ جراح عملية تطهير عرقي عنصري على طريق تهويد المكان، عملية سياقها كان يتطلب انطلاق حركة غضب شعبية واسعة، وأن يقف "رأس السلطة" الفلسطينية بصفته الرسمية ليعلن مواجهة حركة تهويد حي الشيخ جراح، ويطلب من كل أركان مؤسسته أن تعتبر الخطة الإسرائيلية عنوانا لمعركة سياسية أمنية واسعة، تبدأ بأن تتحول حركة عائلات الشيخ جراح ومن يقف معهم من أهل القدس الى مشاركة شعبية، وبحضور شخصيات رئيسية من الحكومة والتنفيذية ومركزية فتح، وجميعهم يمتلكون حق دخول القدس ببطاقات تخولهم ذلك.

من العار الوطني أن تمضي أيام على بدء حراك "أنقذوا حي الشيخ جراح"، دون أن يشارك فيها رئيس الحكومة والوزراء وأعضاء مركزية فتح الذين يذهبون الى كل مكان عدا مدينة القدس، مشاركة ليس للتصوير والسلام بل لنقل الأمر من خبر حدثي الى معركة سياسية رسمية، وتكتمل المصيبة ليس بعدم المشاركة المباشرة، بل باستبدالها عبر "استضافة وفد من أهالي الحي" في رام الله، أو مخاطبة عبر تطبيقات تقنية، كأن الأمر يحتاج الى "شرح وتوضيح".

كان التقدير الأولي ردا على محاولة التطهير العنصري، إعلان صريح بوقف كل أشكال التنسيق الأمني مع دولة الكيان، باعتبار عملها يمس جوهر الطابع الفلسطيني في العاصمة الأبدية، وأحد مظاهر التهويد العام، التي بدأت تترسم عمليا في القدس وفي الحرم القدسي وساحة البراق وحائطها، كما النفق الذي بدأ يعمل وسط صمت كامل.

غياب الفعل الكفاحي العام عن "حي الشيخ جراح" يختصر تماما المشهد الفلسطيني الراهن بما وصل اليه من وهن واهانة...مشهد يرسم خيطا بين فعل الكلام السائد منذ سنوات وبين كلام الفعل الذي كان.

ملاحظة: رسالة المحكمة الجنائية الدولية الى دولة فلسطين لم يعلن عنها رسميا، والسؤال هل حقا هناك رسالة، ولو كانت شو مطلوب من أجهزة "الدولة" تعمل لتنفيذ ما طلب منها من "واجب"..بلاش تسقطوا في الامتحان!

تنويه خاص: وأخيرا أقرت فتح (م7)، انها لن تذهب بقائمة مشتركة انتخابية مع حماس..والصراحة أن التراجع هو إشارة الى أن جرس التأجيل بدء يدق.. ومش تجاوب مع رغبة جموع فتح برفضها!