إسرائيل هاجمت عشرات ناقلات النفط والسلاح في البحر: خسائر إيرانية بالمليارات

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

 

 


كشف التقرير الذي نشر، قبل اسبوع، في «وول ستريت جورنال» القليل من جبل الجليد للحرب الاقتصادية التي تشنها إسرائيل منذ سنتين ونصف السنة ضد إيران. كتبت الصحيفة الأميركية أن إسرائيل أحبطت بصورة ممنهجة تهريبات نفط عبر البحر من إيران الى سورية بوساطة المس بـ 12 سفينة على الاقل. هذا الجهد، قالت مصادر أميركية، استهدف التشويش على نقل بدل النفط المهرب الى «حزب الله» لغاية شراء وسائل قتالية. تستند الصحيفة الى مصادر اخرى، تشمل حسب اقوالها ايضا رجال مخابرات في الشرق الاوسط. ربما يكون مصدر التسريب الاول موجودا في ادارة ترامب، الذي استهدف تحييد ضجة الخلفية، التي حسب رأي الأميركيين، يمكن أن تشوش قريبا على استئناف المفاوضات مع إيران من أجل عودة الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي.
الفحص الذي أجرته «هآرتس» يظهر أن هذا النشر يعكس فقط جزءاً من الصورة الكاملة: يبدو أنه حدثت بضع عشرات من الهجمات التي نجحت في التشويش على حركة الكثير من السفن، وألحقت أضراراً متراكمة بالإيرانيين يقدر حجمها بمليارات الدولارات.
أي إرسالية يمكن أن تشمل مليون برميل نفط أو اكثر، وقيمتها يمكن أن تصل حسب التذبذب في اسعار السوق 50 مليون دولار. تبدأ حركة السفن في موانئ توجد في جنوب إيران وتمر عبر البحر الاحمر وقناة السويس الى البحر المتوسط. كانت هناك ايضا حالات تم فيها ارسال ارساليات عبر الطريق الاطول من خلال الدوران حول افريقيا والعبور في مضيق جبل طارق، ومن هناك نحو الشرق في عرض البحر المتوسط، بهدف التهرب من الاصابة في البحر الاحمر. على الاغلب، الهدف النهائي كان ميناء بانياس في شمال سورية، الذي يوجد بين الموانئ الاكبر منه، ميناء طرطوس، وميناء اللاذقية.
مسار التهريب تم تشخيصه من قبل منظمات استخبارية في الغرب في العام 2018. استهدفت تجارة النفط الالتفاف على قيود التجارة الدولية التي فرضت ايضا على إيران، على خلفية مشروعها النووي. ايضا على سورية ازاء الفظائع التي ارتكبها نظام الاسد خلال الحرب الاهلية هناك.
أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وأجهزة استخبارية أخرى في الغرب، أدركت بأن الإيرانيين وجدوا طريقة لمواصلة تمويل السلاح لـ»حزب الله». نقلت الاموال للمنظمة اللبنانية بالاساس بوساطة رجال أعمال من سورية مقابل نقل النفط الإيراني للنظام في دمشق. يبدو أن السفن اصيبت في نقاط كثيرة ومختلفة على طول مسارها، من البحر الاحمر في الجنوب وحتى الشاطئ السوري في الشمال. ذات مرة اتهمت إيران إسرائيل والولايات المتحدة والسعودية على التوالي، عندما اصيبت سفينة محملة بالنفط بانفجار في البحر الاحمر، امام شواطئ اليمن في تشرين الاول 2019. يمكن الافتراض بأنه في جزء كبير من الاحداث الاخرى تم القيام بأعمال تخريب هادئة من خلال ضرب نقاط حاسمة في أداء هذه السفن، دون أن يرافق ذلك انفجار عبوة أو اطلاق صواريخ. في عدد من الحالات دمرت سفن بصورة لا يمكن اصلاحها واضطر الإيرانيون الى جرها واعادتها الى الميناء الذي خرجت منه. من التقارير يتبين أن الهجمات لم تشمل مساً بالاشخاص الذين كانوا على متن السفن أو اغراقها. وايضا عدم خلق اضرار بيئية.
بسبب أن منفذي العمليات، كما يبدو، كانت لهم مصلحة كبيرة في العمل تحت الرادار وعدم تحويل نشاطاتهم الى نشاطات علنية، لم تتم السيطرة العلنية عليها مثلما فعل سلاح البحرية الإسرائيلي بوساطة قوات كوماندوز بحرية. نشاطات السيطرة على السفن كانت في عمليات ضد سفن سلاح كانت في طريقها من إيران لتنزل حمولتها امام شواطئ غزة أو شواطئ لبنان («كارين إي» في 2002 و»برانكوف في 2009 وكلوز سي في 2014)، أو اثناء وقف عمليات التعاطف (كسر الحصار) لمنظمات يسارية دولية مع الفلسطينيين، على رأسها القضية الفاشلة لسفينة «مرمرة» التركية في 2010.
المبرر القانوني الذي يقف من وراء احباط تهريب النفط يمكن أن يستند الى الادعاء بأن إيران تستخدم العوائد من اجل تمويل تسليح المنظمات الارهابية. حتى، الآن، لم يطلب من إسرائيل أن تعرض اثباتات كهذه. في تموز 2019 أوقفت بريطانيا ناقلة نفط إيرانية في طريقها الى سورية اثناء ابحارها عبر مضيق جبل طارق. ردت إيران بعد اسبوع تقريبا بعملية تهديدية تجاه ناقلة بريطانية في الخليج الفارسي، وسارع البريطانيون الى الافراج عن ناقلة النفط الإيرانية التي احتجزوها.
في نهاية شباط، اصيبت سفينة نقل في خليج عُمان، يبدو بسبب انفجار الغام. السفينة تمتلكها بصورة جزئية شركة تابعة لرجل الاعمال الإسرائيلي رامي اونغر. يبدو هذا اشارات إيرانية اولى إلى قدرتها على الرد على خطوات منسوبة لإسرائيل. مع ذلك، الضرر الحقيقي حتى الآن، قليل، ولم يكن على متن السفينة مواطنون إسرائيليون، وقد نقلت ارسالية سيارات بين السعودية وسنغافورة.
الشهادة لا تكذب
عملية واسعة جدا للمس بسفن النفط، كما هو منسوب لإسرائيل، تحتاج بطبيعة الحال الى جمع معلومات واسع النطاق ودقيق، والى جانبه ايضا جهد عسكري يشمل سلاح البحرية، بما في ذلك اسطول الغواصات والصواريخ وجنود الكوماندوز البحري. عدد شهادات التقدير والامتياز التي وزعت في السنوات الاخيرة في الجيش الإسرائيلي على وحدات السلاح يمكن أن تدل على حجم العمليات. يبدو أن كل هذه العمليات، مثل تقارير عن نشاطات بحرية إسرائيلية ضد تهريب السلاح لـ»حزب الله» وغزة في اطار المعركة بين حربين، تعكس ازديادا كبيرا في النشاطات الهجومية في السنوات الاخيرة. ولكن خلافا للهجمات الجوية، فإن حكومة سورية ووسائل الإعلام العربية تقريبا لا تبلغ عن احداث بحرية.
تكمل الهجمات الواسعة ثورة تدريجية في الرؤية مر بها سلاح البحرية في عهد القائد الحالي، الجنرال ايلي شربيت، الذي سينهي في هذه السنة فترة خدمة استمرت خمس سنوات في المنصب. بعد المس بسفينة الصواريخ «حنيت» في اليوم الثالث لحرب لبنان الثانية في صيف 2006 بدأت الادراكات الجديدة في التبلور. ولكن مرت سنوات كثيرة الى أن قادت الاستنتاجات الى احداث ثورة في بناء قوة إسرائيل البحرية.
اصيبت سفينة «حنيت» امام شواطئ بيروت بصاروخ بر – بحر اطلقه «حزب الله» اثناء تطبيق الحصار البحري الاستعراضي والزائد. اربعة جنود قتلوا من الاضرار التي الحقها صاروخ «سي 802» من صنع الصين. اثبت الضرر أن الجهد الإسرائيلي لتحقيق تفوق بحري بوساطة قدرات كشف وتسليح بحر – بحر متطورة لن يكون له اهمية كبيرة امام «حماس» و»حزب الله». هؤلاء الأعداء لا توجد لهم اساطيل بحرية، وتهديدهم الاساسي يتمثل في الاطلاق من الشاطئ. سفينة «حنيت» اصيبت لأن سلاح البحرية لم يستطع تشخيص التهديد الذي تتعرض له من الشاطئ والتبكير في تدميره. سلاح البحرية، رغم الدقة والقوة التي استخدمها، كان مكشوفاً امام الاعداء المباشرين له، في حين أن انظمة اطلاقهم كانت منيعة تقريبا من الاصابة.
التغيير الذي كان مطلوبا والذي تم تطبيقه في السنوات الاخيرة، شمل اقامة نظام نيران بحري قدرته على المس حتى بأهداف توجد على الشاطئ وتوجيه جزء من الموارد الاستخبارية، بصورة تمكن من جمع معلومات اكثر عن الاهداف التي توجد على الشاطئ. في الوقت ذاته، تطور ايضا الانشغال الإسرائيلي بالدفاع عن المياه الاقتصادية، الذي احتاج الى الدفاع عن مخزونات الغاز، خاصة من هجمات من شواطئ غزة ولبنان. هذه التغييرات سيكون لها تداعيات حتى في حالة الحرب، حيث سيحتاج السلاح الى احباط القدرة الهجومية للعدو من الشاطئ كأحد اهدافه الاولى اثناء الحرب. في هذه الاثناء وفي عهد المعركة بين حربين، يبدو أنه اصبحت لديه خبرة في السنوات الاخيرة بعمليات اوسع نطاقا كجزء من معركة شاملة، ضد تهريب النفط الإيراني الى سورية، تهريب السلاح الى لبنان، وجهود «حماس» لتطوير قدرات الكوماندو البحري لها في غزة.

عن «هآرتس»