وجوهٌ شاحبة ، لوَّنَتها أتربةُ الشوارع التي يَجوبونها صُبحة وعَشية بحثاً عن قوت يومهم الذي بالكاد يسد رمق جوعِهم ، أطفالٌ باتت أحلامهم عقيمة وأمانيهم مبهمة ، غزا بريق بَرائتهم شبح مخيف يُطاردهم كالغرباء أينما وَلّوا وجوههم!
طفولةٌ مَؤودة لم يكن ذنب أصحابها سوى أنهم جاؤوا في غُمرة ضباب ملحمة سياسية حامية الوطيس طَوّقت تاريخ بلادهم ، أطاحت على إثرها بِأحلامهم وأمانيهم ، وأمَلهم بالغد في مكان سحيق مظلم،
جَاعلة من مستقبلهم غامض مشوه الملامح لا يقوى أحد على الولوج فيه !
أطفالٌ في مقتبل العمر نَفّذ الواقع حكمه المسبق عليهم، بأن يتجرّعوا مرارة الكد والشقاء قبل أوانِهم، ناضجينَ على إثرِه ألف عمرٍ على أعمارهم..
إنهم أطفال غزة المدينة المُبادة داخل كوكب أموات، الذين يستقلّون الأرصفة في سبيل لقمة عيش مُغمسة بالذل والهوان، مُثقلين بكم هائل من الأمنيات المَخذولة والمُبهمة فعالم أحلامهم بات أشبه بمدينة أشباح مخيفة، يترقبون على الدوام طوق نجاة يَنتَشلهم من غَياهب ظلمات مستنقع الحرمان والضياع الغَارقين فيه منذ نعومة أظَافرهم، مُتَلهفين للخلاص من كل هذا البؤس والشقاء الذي يحملونه على أكتافهم الصغيرة عنوة وإجحافاً ..
يسيرون على غير هدىً مُتخبّطين بين لهيب الفقر وَزمهَريرية العناء والإهمال ، انحشَر فيهم الخوف والأسى بصورة مزمنة كجرذٍ في غرفة المؤن، يترقبون مُضيّ أيام عمرهم التي تسير فوق أرواحهم كشاحنة ثقيلة، أَوجَمت قلوبهم وألجَمتها بقهرٍ وألم يعتصر أكبادهم، مُضيِّقة عليهم الأرض بما رحبت..
أطفالٌ يرتدون عمراً ليس لهم ، فقد ضرب الماضي حاضرهم بجروح بالغة شوهت معالم مستقبلهم ، وما من شيء بات يتسع لمدن أحلامهم وأمانيهم التي حاصَرَها الواقع المرير بسورٍ ضبابيّ موحش يحول بينها وبينهم .
فما هو مصير هؤلاء الأطفال ؟
وهل سَيُنقِذ أحد ما تبقى من طفولتهم المَؤودة، ويضعها في نصابها حيث يتوجب لها أن تكون !
أم بات محتوم عليهم العيش في شقاءٍ أبدي، ما بين ظلم إحتلال لا يرحم وسياسيين غير مبالين !