هل تكون الانتخابات الإسرائيلية الرابعة كسابقاتها؟

حجم الخط

بقلم أنطـوان شلحـت 

 

من غير الواضح بعد أي حكومة إسرائيلية يمكن أن تُقام في ضوء النتائج النهائية لانتخابات الكنيست الـ24 التي جرت يوم 23 آذار الحالي، وكانت الرابعة خلال أقل من عامين. كما لم يتضح بعد فيما إذا جولة الانتخابات الرابعة هذه هي الأخيرة، أم أنها ستكون كسابقاتها وتؤدي إلى جولة انتخابات خامسة على خلفية الأسباب ذاتها. ولعلّ ما يبدو واضحاً حتى الآن هو أنه ليست هناك أغلبية لحكومة يؤلفها معسكر الأحزاب المؤيد لاستمرار حكم بنيامين نتنياهو والذي يضم الليكود وأحزاب اليهود الحريديم المتشددين دينياً و”الصهيونية الدينية”، وفي الوقت نفسه ليست هناك أغلبية لحكومة يؤلفها معسكر الأحزاب المناهض لاستمرار حكمه.

كما يبدو واضحاً أن هناك حزبين فقط لم ينتميا إلى أي معسكر طوال الحملة الانتخابية، وهما “يمينا” برئاسة عضو الكنيست نفتالي بينيت، والقائمة العربية الموحدة برئاسة عضو الكنيست منصور عباس. بناء على ذلك فإن أياً منهما لن ينكث وعوده إذا ما قرر السير مع نتنياهو أو الانضمام إلى خصومه.

كذلك من الواضح أن نتنياهو حاول الاستفادة إلى أقصى الحدود من فتحمرافق الاقتصاد، وانخفاض أعداد المرضى بفيروس كورونا، وتلقيح أغلبية السكان، وعودة الدراسة والتجارة، لكنه لم يحظَ بالنصر الذي كان يتمناه. وفي المقابل، لم ينجح خصوم نتنياهو أيضاً في استغلال تقصيره في عام الوباء لإطاحته من الحكم، بالأساس على خلفية شبهات الفساد التي تحوم حوله.

وقد اتسمت الانتخابات الإسرائيلية بعدة خصائص تستلزم الوقوف عندها.

ومن أبرزها نشير إلى ما يلي :

(*) ازدياد عدد القوائم الفائزة التي استطاعت تجاوز نسبة الحسم (3.25%)، حيث فازت 14 قائمة في مقابل 8 قوائم فازت في الانتخابات السابقة التي جرت في آذار 2020. وهذا يدل على حالة تفكك في المشهد الحزبي الإسرائيلي، فالقائمة المشتركة للمجتمع الفلسطيني في الداخل تفككت إلى قائمتين، وقائمة “يمينا” للصهيونية الدينية تفككت إلى اثنتين، وانشق جدعون ساعر عن حزب الليكود وأقام حزباً جديداً (“تكفا حداشا – أمل جديد”)، وتفكك تحالف “أزرق أبيض” الذي كان يضم ثلاثة أحزاب هي “مناعة لإسرائيل” و”يوجد مستقبل” و”تلم” إلى حزبين (“أزرق أبيض” و”يوجد مستقبل”)، وتفكك تحالف حزب العمل- ميرتس إلى قائمتين من جديد (العمل وميرتس). وهذا يدل على أن التكتلات التي كانت في الانتخابات السابقة كما التفكك في الانتخابات الحالية لم ينقذا إسرائيل من معضلتها السياسية الموجودة فيها منذ انتخابات نيسان 2019. كما يدل على أن أحزاباً صغيرة وفيّة لدربها ولا تطمس هويتها الأيديولوجية يمكنها أن تحظى بتأييد جمهور الناخبين الذين يتماهون مع وجهة نظرها، فكل الأحزاب الصغيرة التي كان هناك شك في أنها ستنجح في تجاوز نسبة الحسم فعلت ذلك بنجاح، وتحديداً عندما خاضت الانتخابات لوحدها.

(*) زيادة قوة الأحزاب التي تعتمد، وفقاً لما يؤكد عدد من المحللين، على ما يسمى بـ”اليهودية الصرفة”، على غرار أحزاب اليهود الحريديم والصهيونية الدينية. وأصبح لهذه الأحزاب معاً أكثر من 22 مقعداً في الكنيست الحالي. ولا بُدّ من أن نشير هنا إلى أن حزب “الصهيونية الدينية” الذي يشمل حركة “عوتسما يهوديت (قوة يهودية)” التي تضم أتباع حركة “كاخ” التي أسسها الحاخام مئير كهانا، استطاع الحصول على 225 ألف صوت، أي 5.1% من الأصوات، وقد عمل نتنياهو كثيراً على تركيب قائمة هذا الحزب خوفاً من خسارته وضياع عشرات الآلاف من أصوات اليمين، كما حدث في دورات الانتخابات السابقة. واستطاع الحزب تحقيق إنجاز انتخابي كبير بحصوله على ستة مقاعد في الكنيست، ليُعاد بذلك تمثيل حزب كهانا القديم/ الجديد في الكنيست لأول مرة منذ ثمانينيات القرن العشرين الفائت، حيث كان مئير كهانا نفسه عضواً في الكنيست ومُنع حزبه (كاخ) من خوض الانتخابات في العام 1988. وفي العام 1994 أعلن عنه كمنظمة إرهابية، وهو مُدرج ضمن لائحة المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا. وتؤكد عدة تحليلات أن فوز قائمة “الصهيونية الدينية” ينطوي على شرعنة للكهانية، فضلاً عن أنه لم يأت تقريباً على حساب الحزبين الحريديين، شاس ويهدوت هتوراه. وبالتالي فإن نحو 20 بالمئة من الناخبين اليهود انتخبوا أحزاباً أصولية يهودية، وهم فعلوا ذلك بمباركة وتشجيع من رئيس حكومة إسرائيل. وسبق أن أشرنا إلى أن الكهانية تشكل تياراً في إسرائيل، ولا يجوز قياس تأثيرها بقوتها الانتخابية.

(*) تواترت على أعتاب هذه الانتخابات التحذيرات من مغبة أن يؤدي الاستعصاء السياسي إلى ما يشبه الفوضى والانهيار. ويقارن عدد من المحللين بين الأزمة السياسية التي تسببت بهذا الاستعصاء وترافقت خلال الانتخابات مع أزمة فيروس كورونا، وبين الأزمة التي ترتبت على حرب تشرين/ أكتوبر 1973 وتسببت بأزمة ثقة عميقة بالقيادة الإسرائيلية في ذلك الوقت. وفي الوقت نفسه يشير هؤلاء إلى أن الأزمة الحالية أضيف إليها المزيد من الانقسام القبلي والإثني وإلى حدّ ما الأيديولوجي، ناهيك عن أنها تزامنت مع تبدّل الإدارة في الولايات المتحدة وانتهاء ولاية إدارة كانت متماهية مع سياسة اليمين الإسرائيلي بزعامة نتنياهو.

(*) بطبيعة الحال يحتاج ما حدث في أوساط الفلسطينيين في إسرائيل إلى وقفة أوسع من هذه بكثير، ونقصد بالأساس تفكيك القائمة المشتركة وما يعكسه ذلك من دلالات وتغيّرات قد يكون بعضها بنيوياً. وقد ساهم ذلك إلى حد كبير في تراجع نسبة التصويت في المجتمع الفلسطيني بشكل ملفت، مما انعكس على نسبة التصويت العامة في إسرائيل كلها. لكن يبقى الأمر الأكثر أهمية في هذا المحور كامناً في الخلفيات الواقفة وراء هذا التفكيك، وإلى أي حدّ كان نتيجة لمحاولة نتنياهو توسيع موطئ قدمه في صفوف مجتمعنا والتسبب بالحؤول دون قيام فرصة إقامة حكومة تستند إلى تأييد 61 عضو كنيست بالاعتماد على أعضاء الكنيست العرب.