هزيمة نتنياهو: يأس وانتخابات محتملة

أشرف العجرمي.jpg
حجم الخط

بقلم: أشرف العجرمي

حاول رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، استباق تشكيل الحكومة الجديدة - التي يتعثر في تشكيلها بعد مرور نصف المدة الممنوحة له وهي أربعة أسابيع من بداية تكليف الرئيس له باعتباره الحاصل على أكبر عدد من الذين أوصوا عليه من أعضاء البرلمان «الكنيست»، بحسب التقاليد القانونية - بتحقيق إنجاز سياسي مهم، من خلال تركيب اللجنة المنظمة لعمل «الكنيست» بحصوله على أغلبية فيها تمكنه من السيطرة على البرلمان سواء في تحديد رؤساء اللجان البرلمانية، أو حتى في سن القوانين واتخاذ القرارات المختلفة، بما يخدم مصالحه ومصالح حلفائه في اليمين المتطرف. ولكنه تلقى هزيمة نكراء بعد تصويت الحركة الإسلامية «القائمة العربية الموحدة» ضده، ولصالح خصومه والائتلاف المعارض له برئاسة «هناك مستقبل» الذي يقوده يائير لبيد.
رئيس «القائمة الموحدة»، منصور عباس، برر التصويت ضد نتنياهو بأن الأخير اتفق مع رئيس «يمينا» نفتالي بينت على حساب «القائمة»، وأنه لم يكلف نفسه حتى عناء الاتصال به وإبلاغه عن الاتفاق الذي جرى في اللحظة الأخيرة قبل التصويت. كما أن عباس استنكر الهجوم الحاد ضد «الحركة الإسلامية» الذي يشنه حلفاء نتنياهو في «الصهيونية- الدينية» بزعامة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، والذي يصورها كداعمة للإرهاب، ويرفض بأي حال الانضمام إلى حكومة مدعومة من «القائمة» لأنها مناقضة لمبادئهم الأيديولوجية. في وقت لم يفعل نتنياهو أي شيء ضد هذا الهجوم والموقف المتطرف ضد الحركة. ولهذا قررت دعم خصوم نتنياهو وتوجيه ضربة قوية له ورسالة توضح بشكل حازم أنها ليست في جيب أحد من المعسكرين.
تصويت «الحركة الإسلامية» ضد نتنياهو لا يعني، حسب ما قاله عباس، أنها قد وقفت بشكل نهائي ضد الائتلاف معه. بل هي تحاول تحديد شروط واضحة للموافقة على الانضمام لهذا الطرف أو ذاك، والموضوع برمته يتعلق بالثمن الذي يمكن لكل طرف أن يدفعه مقابل الحصول على دعم «القائمة العربية الموحدة». ويبدو أن نتنياهو كان يبني موقفه على أن عباس وحركته في جيبه ويستطيع الاطمئنان إلى تصويتها وقتما يشاء، وقد أخطأ في حساباته وعليه أن يدفع الثمن.
حزب «يمينا» يستنكر عدم حماس نتنياهو وطاقم حزبه «الليكود» المكلف بالتفاوض معه لاستكمال تفاصيل الاتفاق الائتلافي مع الحزب. ويشعر بينيت ورفاقه أن نتنياهو أصيب بالإحباط واليأس من إمكانية تشكيل حكومة يمينية تعتمد عل الأحزاب الأصولية وكتلتي «يمينا» و»الصهيونية  - الدينية» بدعم من «الحركة الإسلامية» من الخارج. والسبب هو رفض «الصهيونية- الدينية» القاطع لهذا الخيار، وهو ما شكل صدمة كبيرة لنتنياهو الذي لم يتوقع أن يقابله سموتريتش وبن غفير بهذا الجحود بعد أن كان السبب في دخلوهما الكنيست، بعد أن دعا الناخبين للتصويت لصالحهم على حساب «يمينا» وحتى على حساب «الليكود». ويبدو أن محاولات نتنياهو لثني هذا الثنائي العنصري «الكهانستي» المتطرف عن موقفه من «الحركة الإسلامية» قد باءت بالفشل، وهو كان يعتقد أنه يستطيع الاستعانة ببعض الحاخامات لممارسة الضغط عليهما.
اليأس بدأ يتسرب إلى «الليكود» بأسْره، حتى أن بعض زملاء نتنياهو يقترحون عليه أن يعتذر عن تشكيل الحكومة ويعيد التفويض إلى رئيس الدولة، ليمنحه بدوره إلى لبيد، ليضبط الأخير وهو غير مستعد وقد يؤدي هذا إلى فشله في تركيب حكومة، ما قد يفتح المجال لانضمام آخرين إلى حكومة اليمين أو الذهاب لانتخابات مبكرة جديد، الأمر الذي قد يمنحه فرصة ومزيداً من الوقت. ولكن ما يقلق نتنياهو ليس التفكير بفرص لبيد الذي ستكون صعوبة تشكيل الحكومة لديه أكبر من تلك التي تواجه نتنياهو نفسه، بل بدء الحديث في أوساط «الليكود» عن ضرورة تنحي نتنياهو وتسليم يسرائيل كاتس زعامة الحزب، وبالتالي تجنيب البلاد خوض انتخابات جديدة؛ لأنه في هذه الحالة يمكن لكتلة جدعون ساعر «أمل جديد» أن تنضم لحكومة برئاسة «الليكود» من دون نتنياهو، حتى أن «هناك مستقبل» وربما «أزرق- أبيض» يمكنهما المشاركة في هذه الحكومة التي لن تكون مضطرة للأحزاب العربية ولا لكتلة «الصهيونية - الدينية».
إحباط نتنياهو يدفعه لطرح بدائل عن حل «الكنيست»، بإقرار قانون انتخاب رئيس حكومة مباشرة من الشعب، على غرار ما حصل في الماضي في إسرائيل عندما انتخب أيهود باراك مباشرة من المصوتين كما حصل في سنوات 1996، وفي عامي 1999 و2001 نتنياهو وشارون على التوالي، وهي تجارب كانت فاشلة ولم تؤد إلى استقرار في الحكم، ما أدى إلى تعديل القانون والعودة إلى الشكل السابق وهو المعمول به حالياً. ونتنياهو يدرك أنه الأقوى بين المرشحين لرئاسة الحكومة، وهو حتى الآن يحظى بموقع متقدم على سواه في كل استطلاعات الرأي التي أجريت في إسرائيل، وعملياً لا يوجد منافس له في هذا الموقع. ولكن هذه الفكرة مرفوضة من المعسكر المناوئ له وربما «القائمة الموحدة» هي من يستطيع تقرير مصير مشروع القانون هذا الذي دعا إليه نتنياهو، وتقدم به رئيس حركة «شاس» الأصولية للكنيست؛ لإقراره كحل مؤقت لأزمة الحكم، بديلاً عن الانتخابات العامة الخامسة غير المستبعدة؛ بعد فشل نتنياهو في التكليف بتشكيل حكومة.