انطلقت صافرة التغيير، ومؤشراتها واضحة منذ لحظة صدور مرسوم الانتخابات، ومن ثم فتح تحديث السجل الانتخابي، حيث كان الإقبال على التسجيل من أعلى النسب في العالم. لن يُعطّل عملية التغيير تأجيل الانتخابات أو إلغاؤها، فمؤشرات التغيير واضحة في كثير من الأشياء، ومن أبرزها القوائم الانتخابية؛ ليس عددياً فقط، بل كيفياً أيضاً من خلال اتساع أفقها نحو نشوء تشكيلات جديدة، سياسية واجتماعية، إلى جانب القوائم الحزبية. وأحسب أن الانتخابات التشريعية الثالثة قد تفضي إلى ولادة وتشكّل خارطة تنظيمية جديدة هي في طور التشكل.
ومن الوجهة النسوية، لا تبدو الأمور من المعاينة الأولية أنها بخير، وبعد عرض وقراءة الأرقام والمعطيات يمكن الاستنتاج والتعميم، ولعلّ قراءتي تسهم في رفع الستار عن المسكوت عنه، وإطلاق النقاش عما تبلور وتكثف على وقع التجربة المعاشة، مؤخراً.
فمن خلال تمحيص الأسماء العشرة الأولى في القوائم الانتخابية، كنا أمام ترؤس مرشحة واحدة أحد القوائم الحزبية، وأن سبع قوائم قد موْضعت المرشحات في المرتبة الثانية، بينما تموضعت في الترتيب الثالث في 28 قائمة، في حين أن قائمة واحدة أخذت المرأة الترتيب الرابع، بينما ظهرت مرشحات في الترتيب الخامس في أربع قوائم، وست قوائم جاء موقع المرأة فيها في الترتيب السادس، وتموضعت في المركز السابع في 29 قائمة، ووضعت أحد القوائم مرشحة في الترتيب الثامن، بينما أعطت أربع قوائم الترتيب التاسع والعاشر لمرشحاتها. وفي محصلة الأسماء العشرة الأولى تم إدراج 87 مرشحة في الوقت الذي أُدرج فيها 273 مرشحاً من أصل 360 مرشحاً ومرشحة، أي بواقع 24%، وهذا ليس دون دلالة؛ فعديد القوائم لم يصل فيها تمثيل المرأة الحد الأدنى المقر في السجل المركزي وهو نسبة 30%، ومنها قوائم قامت بتوقيع التعهد.
وفي معلومات أخرى ذات دلالة، ظهر عدد مرشحات النصف الأول في القوائم أقل من عددهن في النصف الثاني. حيث فاق عدد مرشحات النصف الثاني في 25 قائمة عدد مرشحات النصف الأول، وتساوت مرشحات النصف الأول مع الثاني في 8 قوائم، وارتفع عدد مرشحات النصف الأول على النصف الثاني في 3 قوائم. وأشير إلى أن عدد المرشحات قد بلغ 405 من أصل 1389 مرشحاً ومرشحة بما يُعادل 29%، حيث تجاوزت 18 قائمة نسبة 30% في عدد المرشحات، أغلبية قوائم اليسار وعدد من القوائم المستقلة، لكن المهم أنه ليس من بينها القوائم المتوقع منها تحقيق نسب عالية في عدد مقاعد المجلس التشريعي. وبالتالي فالتمثيل النسوي يبدو في غالبية القوائم شكلانياً وضمن مفهوم استكمال القائمة، ولاعتبارات لها علاقة بقانون الانتخابات.
ما سبق ليس أرقاماً صماء، بل هي أرقام تُقْرأ ويمكن تحليلها ضمن السياق الواقعي، فترتيب النساء في القوائم يُعبر عن مُعطيات اللحظة التي تعكس الرؤيا لحدود موقع المرأة في النظام السياسي الفلسطيني، من خلال المشاركة في قانون الانتخابات العامة.
أما بخصوص الظهور الإيجابي لنسبة المرشحات في القوائم بواقع 29%، فهو لا ينطبق على كافة القوائم، خصوصاً التي تمتلك حظوظاً كبرى في الحصول على نسب تمثيل عالية في التشريعي، وهو في أحسن الأحوال لا يعدو عن كونه نوايا طيّبة لن تنعكس في النتائج، مستدركة أن الفضل عائد إلى ارتفاع الكوتا للنظام النسبي الكامل أكثر مما يعود للتعديل القاضي بتعديل وتضييق الفئات الخاصة بترتيب النساء بالقانون.
اللافت في موضوع ترشيح المرأة في الانتخابات هو عدم إسهام المنظمات والمكاتب النسائية في تشكيل القوائم، أو حتى انطلاقاً من مسؤوليتها ومهامها باقتراح أسماء مرشحاتها لقائمة الحزب السياسي، وأن العملية تمت ضمن اختيارات ذكورية في الغالب أو مشاركة فردية للقياديات المتنفذات في الأحزاب، أو الحصول على مصادقة البنى النسائية من حيث الشكل، وغالباً دون بذل الجهد لأخذها بالاعتبار. يعني باختصار غُيّبت المرأة عن المشاركة الديمقراطية في اختيار من يمثلها ضمن الأطر والمنظمات النسوية التاريخية المناضلة، إنها نقيصة كبرى تصل حد الكارثة.
عدم مشاركة الأطر الجماعية عموماً سواء من الأحزاب أو الحراكات النقابية والمطلبية في فرز مندوباتها ليس بالأمر الجديد، وهذا أمر يجب تصويبه على قاعدة: كفى لمصادرة الأدوار والتهميش والهيمنة.. وإنْ كنت أرى أن الاستبعاد ينطوي على تقصير نسوي أيضاً في الإمساك بمسؤولياتهن وفرض دورهن المناط بهن، ليس في فرز المرشحات وإنما في ترتيبهن لمقاربة قرارات المجلسين، الحضور الوازن على الأقل.
وممّا أوجد فجوات في الثقة بين المجتمع والطبقة السياسية. المناخ المأزوم يُنتج علاقات وقوائم مأزومة.. وإذا ما أمعنا أكثر في تحليل أسباب ضعف تمثيل المرأة في القوائم الانتخابية، فمن الضرورة أن نأخذ الظروف القائمة حيث تشكلت في مناخ اتسع فيه دور العشائر، وتجاوزها دورها المعتاد في الإصلاح العشائري الذي تطور باتجاه العمل في صيغة الحراكات التي تناسبها فكرياً واجتماعياً واقتصادياً. وقد حققت نجاحات ملحوظة في إفشال بعض القضايا الحقوقية والمطلبية وسحب البساط من قياداتها الوظيفية الطبيعية بسبب موقف الحكومة الفاقد للونه وطعمه ورائحته. لقد أفشل تحالف العشائر مع الأحزاب العقائدية المتطرفة مواءمة القوانين ومنها قانون حماية الأسرة، وأفشل التحالف المذكور مع أصحاب المصالح الاقتصادية وأرباب العمل قانون الضمان الاجتماعي. ليس هذا فحسب، بل اسْتُخْدِم أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير الاجتماعي والاقتصادي ضد مصالحهم، حيث تم استخدام المرأة في مناهضة مشروع قانون حماية الأسرة من العنف وضد اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، مثلما استخدمت الطبقة العاملة ذات المصلحة بقانون الضمان ضد مصلحتها ولصالح مستغليها.
وأخيراً وليس آخراً، التحديات كبيرة، واحتمال خسارات مركبة على المرأة ومؤسساتها أمر وارد، خاصة إذا ما جاءت تركيبة المجلس التشريعي من قوى محافظة وتقليدية.
حلا شيحة عن "طوفان الأقصى": مشهد تاريخي لن يمحى من ذاكرتنا
08 أكتوبر 2023