"الاستحمار" الأمريكي دفاعا عن "عنصرية إسرائيل"...ونصيحة برينان الذكية!

حجم الخط

كتب حسن عصفور

 بشكل متلعثم حاولت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن تتبرأ من أحد أهم التقارير الأممية التي نشرت منذ سنوات طويلة، خاصة في زمن "الانحدارية" الرسمية العربية والفلسطينية، ونشوة للحركة الصهيونية وكيانها إسرائيل، كاشف للحقيقة التي تغرق كيانا عنصريا بالفكر قبل الممارسة.

تقرير "هيومن رايتس ووتش"، تجاهلت قيمته التاريخية غالبية المكونات الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية، كونها خارج نطاق الحس الوطني"، وغارقة بالبحث لترتيب سباقها لتعزير "التهويدية المعاصرة"، عبر أشكال مختلفة، ولكن المؤسسة الرسمية الأمريكية قدمت خدمة إعلامية للشعب الفلسطيني بأنها تبقى التقرير "التاريخي" على طاولة النقاش الإعلامي العالمي (خارج الفلسطيني – العربي)، بحكم بحثها عن كيفية إعلان "البراءة" منه وما به وصفا دقيقا، خاصة وأن المؤسسة التي أصدرته لا يمكن اعتبارها مؤسسة معادية للكيان، كونها أحد أهم أدوات الولايات المتحدة في أواخر القرن العشرين وبداية الحادي والعشرين، التي استخدمتها لمحاربة "خصومها" دولا وأفكارا.

الخارجية الأمريكية، قررت إنّها "لا تعتقد أنّ أفعال إسرائيل تُشكّل فصلًا عنصريًا"، وتهربت بالحديث كعادتها النفاقية بدعوة الطرفين الى عدم القيام بما يؤجج الصراع، دون أي تعريف ماذا تعني النشاطات الاستيطانية في الضفة والقدس، وعلى أرض فلسطينية وفقا لاتفاق إعلان المبادئ عام 1993، ومعه كل قرارات الشرعية الدولية منذ 1947 وحتى تاريخه.

ما أقرته "هيومن رايتس ووتش" باعتبار إسرائيل دولة فصل عنصري (أبارتهيد)، لم يأت في سياق كلمة أمام مؤتمر إعلاني – انتخابي، بل في سياق تقرير تفصيلي حدد كل ملامح أسس تلك السياسة الممارسة ضد شعب وأرض وسكان أصليين، ممارسة وقوانين، يمكن لأي خبير من الإدارة التي يقود خارجيتها يهودي ومعه طاقم يهودي أيضا، مراجعة سريعة لعدد من قوانين الكيان أولا، وتعريف الاستيطان والبعد القانوني له، وهل يمكن اعتباره جريمة حرب أم لا...ولنتجاهل غيرها من جرائم لم تعد سرية.

الدفاع الرسمي الأمريكي عن لا عنصرية الكيان في إسرائيل، لا يمثل مفاجأة سياسية أبدا، فتلك جزء من منظومتها الفكرية – الأخلاقية وسياستها العدوانية ضد غير الأمريكي، وإسرائيل أسست كرأس حربة استعماري في المنطقة، وستبقى الى حين أن يتم كسر أنيابها السامة، ولكن أن يذهب الاستغباء لعدم قراءة تقرير لمنظمة هي أصلا منتج "أمنى" أمريكي، والهروب من حقائق التقرير التفصيلي لكل ما يحدث فوق أرض فلسطين، فذلك ليس سوى "استحمار" صريح.

ولأن الأمر يستحق الذهاب بعيدا في مواصلة تبيض قيمة تقرير فضح عنصرية الكيان، فقد نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالة لرئيس المخابرات الأمريكية السابق (2013 – 2017) جون برينان، دعا فيها الرئيس الأمريكي جو بايدن الى مشاهدة "الهدية" فيلم فلسطيني وثائقي فاز بجائزة بريطانية مرموقة شهر أبريل 2021، يحكي عن معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، معتبرا أن الفيلم يستحق المشاهدة.

وقال برينان في مقالته النصيحة للرئيس ألأمريكي، إن الفيلم هو سرد قوي ومفجع عن آلام الرجل الفلسطيني يوسف وياسمين ابنته الصغيرة أثناء عبورهما نقطة تفتيش للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية مرتين في يوم واحد، ووصف ما شاهده بأم عينيه، كمواطن طالب، من معاناة الفلسطينيين في منتصف السبعينات على يد قوات الاحتلال على المعابر والحواجز.

وفي تدقيق سياسي تجاهلته خارجية بايدن، أشار رئيس المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي ايه) برينان، الى (أن العقبة الرئيسية للسلام تتمثل في تراجع اتجاه الاهتمام الذي أبدته الحكومة الإسرائيلية في السعي إلى حل الدولتين، فيما قاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حملة توسع كبيرة في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية).

ونبه إلى أن (هذا التوسع (الاستيطاني) أدى إلى مزيد من الجدران الخرسانية والحواجز الأمنية ونقاط المراقبة، مما تسبب في تقليص المساحات التي يمكن للفلسطينيين العيش فيها ورعي مواشيهم ورعاية بساتين الزيتون وحدائق الخضروات.)

بلغة أخرى، يقول برينان، الذي يعلم تفاصيل المشهد القائم، ان الفصل العنصري هو الحقيقة الثابتة لكل من يريد أن يرى، بعيدا عن غوغائية أصبحت بلا قيمة أو أثر.

نصيحة برينان الى بايدن، في جوهرها نصيحة الى "المكونات الفلسطينية"، سلطتان وأرقام فصائلية، بأن يقرأوا التقرير الأمريكي ويعيدوا مشاهدة "الهدية"، عل بعضا من "بلادة الفكر" تصاب بحراك ما ...

تقرير "هيومن رايتس ووتش" + فيلم "الهدية" الفلسطيني + مقالة برينان، تصلح لأن تكون جزءا من يوميات الرئيس محمود عباس وكل فريقه السياسي (أحزابا وقوائم انتخابية)، علها تحرك الساكن فيهم من حرارة اقتربت الى درجة التجميد نحو بقايا وطن يرتعش قهرا!

ملاحظة: مفيد لقيادة حماس قبل عناصرها أن تستمتع بقراءة بيانها في يناير 1996 حول الانتخابات الفلسطينية الأولى لبرلمان سلطة قادها الخالد الشهيد المؤسس، وبيانها يوم 28 أبريل 2021عن انتخابات تلعق الأرض لتجري، وتقارن من خان من؟!

تنويه خاص: ما حدث للصحفية الشابة رواء مرشد من رجال أمن حمساويين يجسد معنى الانحدار الأخلاقي من مؤسسة تجاهلت قيمة المرأة الصحفية الفلسطينية، قبل أي شيء آخر...تزداد الفضيحة مع بيانهم الذي كشف أن "البلادة باتت جينا لبعضهم...ياااه!