لم يعد مفيدا الدعوة لطرد السفير الإسرائيلي في عمان، ولا استدعاء السفير الأردني في إسرائيل، وهذه المطالبات على أهميتها، ونبل أصحابها، إلا أنها ليست حلا كافيا لما نراه.
لجنة فلسطين النيابية جددت موقفها مؤخرا من مطالبتها بطرد السفير في عمان، واستدعاء السفير الأردني في إسرائيل، ولا احد يشكك في دوافع أعضاء اللجنة، مثلما ان هذه المطالبة سمعناها مرارا من النواب، وغيرهم، في فترات مختلفة، بسبب التوترات في القدس، او تجاوزات الإسرائيليين، التي شهدناها، ومن بينها حادث استشهاد أردنيين في السفارة الإسرائيلية هنا في عمان، او مقتل قاض اردني على الجسر مع فلسطين.
الأردن اتخذ قرارات شبيهة، وكان أحيانا يستدعي سفيره في إسرائيل، واحيانا يطالب السفير الإسرائيلي في عمان بالمغادرة، او يستدعيه لتسليمه رسالة احتجاج حادة اللهجة.
لن تهتم إسرائيل بكل هذه الدعوات، والسبب ان هناك ما هو اهم من وجود السفير الإسرائيلي في عمان، وذلك على ثلاثة مستويات، أولها وجود اتفاقية وادي عربة ذاتها، التي لم ينجح احد في الغائها، وثانيها استمرار العلاقات الاقتصادية مع الإسرائيليين، من شراء الغاز، الى طلب الماء، الى التصدير والاستيراد، وكل المؤشرات تدل على زيادة التبادل التجاري مع الإسرائيليين، وليس تراجعه، وثالثها استمرار العلاقات الفنية بين الطرفين.
هذا يعني ان طرد السفير الإسرائيلي في عمان، على دلالاته واهميته، اجراء سياسي، يعبر عن موقف مؤقت، لكنه لا يمنع كل اشكال التطبيع، ولا يوقف جريان العلاقات مع إسرائيل.
هناك تيار في الأردن، يصنف نفسه بالبراغماتي، يقف ضد طرد السفير الإسرائيلي في عمان، ويبرر العلاقات مع الإسرائيليين بالقول إن لعنة الجغرافيا تلعب دورا هنا، كما ان وجود علاقات، يساعد الشعب الفلسطيني، ويخفف الاخطار عن المسجد الأقصى، ويمنع استعداء الاميركيين والأوروبيين ضد الأردن، وهذا التيار يرى ان مهادنة الإسرائيليين وإدارة الموقف بهدوء، خير بكثير من التصعيد، خصوصا ان لدى إسرائيل أوراقا كثيرة.
لكن هذا التيار يتناسى عامدا ان موقع الأردن الجغرافي، والسياسي، موقع مهم جدا يهدد إسرائيل أساسا لو كان هناك من لديه القدرة على توظيف موقع الأردن، وجعله في خانة الأقوى الذي يهدد الاحتلال، بدلا من الظن بأن الاحتلال هو الأقوى وانه القادر على تهديد الأردن، خصوصا، ان أي ثغرة او خلل في امن الأردن، واستقراره السياسي والاقتصادي، سيكون مكلفا على امن الإقليم، وبهذا المعنى لا بد ان يقلق الإسرائيليون والأميركيون والاوروبيون على استقرار الأردن، وعلى كلفة ما تفعله إسرائيل، بدلا من مطالبة الأردن بالهدوء ومراعاة الواقع، فهذا سوء توظيف لموقع الأردن على الخريطة.
ما يراد قوله هنا، ان المطالبة بطرد السفير الإسرائيلي في عمان، نبيلة ووطنية، وتعبر عن موقف يفهم الخطر الإسرائيلي، لكنها أيضا معالجة سطحية لكل الملف، اذ ماذا سيفيد طرد السفير، ما دامت معاهدة وادي عربة قائمة، والعلاقات الاقتصادية مستمرة، وهذا يعني ان أي معالجة للملف الإسرائيلي يجب ان تكون شاملة، وليست على شكل رسالة دبلوماسية.
المشهد الذي نراه اليوم، خطير جدا، فالأزمات تعصف بالأردن، سياسيا، واقتصاديا، والتحولات الاجتماعية خطيرة، وكل بلد عربي مجاور لفلسطين المحتلة يتم تدميره، فهذه كلفة جوار الاحتلال الذي لا يريد لجواره ان يبقى قويا، وقد رأينا ما حدث في سورية، العراق، لبنان، ودول ثانية، فيما الأردن، يتم اضعافه واغراقه بالديون، والأزمات.
لا يمكن ان تكون العلاقة مع إسرائيل، مؤشرا على النجاة في المنطقة، والاقليم، واذا كانت هذه العلاقة، قبل اتفاقية وادي عربة، او بعدها، سببا في تجنب الشرور الإسرائيلية، في فترات طويلة، وفقا لما يظنه البعض الا اننا اليوم، ندخل توقيتا مختلفا، لأن المشروع الإسرائيلي طرأت عليه تغيرات كبرى، سواء عبر التمدد الإقليمي، او تغير الأولويات، او رغبة الإسرائيليين بتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردنيين والفلسطينيين.
التيار البراغماتي الذي يبرر العلاقات مع إسرائيل، لا يريد ان يدرك، ان هذه العلاقة تهدد استقرار الأردن، بشكل عميق، ولم تعد مهادنة الاحتلال، كافية لصد شرور هذا المشروع، ونحن اليوم ندخل المرحلة الأخطر في المشروع الإسرائيلي، وملامحه بشـأن الأردن، أيضا.
وهكذا لا يكفي طرد السفير الإسرائيلي في عمان.
عن "الغد" الأردنية