«شهر الحرب»: ازدياد التوتر على الجبهة الفلسطينية، اللبنانية، والإيرانية

حجم الخط

بقلم: رون بن يشاي*

 

 



شاركتُ، أول من أمس، في جولة سيراً على الأقدام في منطقة حساسة على الحدود مع لبنان. اصطحب قائد اللواء الإقليمي (اللواء 300)، العميد عومر كوهين، أعضاء قيادته في مهمة هدفها التعرف إلى المنطقة الواقعة تحت سيطرتهم «سيراً على الأقدام».
الجو الربيعي والنباتات الخضراء التي نمَت لم تُخفِ المواقع الكثيرة التي أقامها «حزب الله» على بعد مئات الأمتار من خط الحدود. كانت المواقع الإسرائيلية ظاهرة للعيان وأكثر تهديداً، لكن الوضع ذكّرني كثيراً بالهدوء الخادع الذي ساد منطقة قناة السويس بعد وقف إطلاق النار في حرب الاستنزاف وقبل حرب «يوم الغفران». يومها أيضاً كانت الاستعدادات التي جرت على الجانب المصري غير بارزة، لكن في جانبنا كان يمكن رؤية معاقل التهديد التي هوجمت لاحقاً وجرى احتلال معظمها في حرب «يوم الغفران».
«نسير هنا كي نتذكر كل حجر وكل طريق محتملة للتسلل، وكل عائق يمكن أن يُستخدم مخبأ للقوة الخاصة في حزب الله (الرضوان)، ويمكن أن يخرج منه هجوم مفاجئ. العدو يتغير دون توقف ونحن نرى ذلك على الأرض»، يقول لي العميد كوهين، الذي كان قائداً سابقاً لفرقة «دوفدفان»، والذي لديه خبرة في العمليات المفاجئة. ويضيف: «نتابع طوال الوقت (حزب الله)، وعندما يغير انتشاره نرد على ذلك بما يتلاءم. نعرف أنه سيحاول احتلال مستوطنة أو أكثر، وسنفعل كل ما في وسعنا لمنع حدوث ذلك».
إحدى الوسائل هي الكشف عن جيوب معقدة مثل تلك الموجودة بالقرب من السلسلة الجبلية المشرفة على بلدة شلومي. وقفت على هذا المنحدر الجبلي مع قائد فرقة الهندسة ونظرنا إلى حفارات الجيش الإسرائيلي التي تحفر المنحدر الجبلي الذي يمكن الوصول من خلاله إلى المستوطنات هناك. على بعد نحو 100 متر وقف جنود الجيش اللبناني و قوات الأمم المتحدة.
أيُّ خرق للحفارات الإسرائيلية لـ»الخط الأزرق» يمكن أن يؤدي إلى إطلاق نار مثل الذي حدث هنا قبل نحو عشر سنوات وأدى إلى مقتل قائد كتيبة الهندسة، دوف هراري، بالقرب من المطلة. تقف قوات الأمم المتحدة وظهرها لنا ووجهها نحو الجنود اللبنانيين المسلحين لضمان قدرتها على إطفاء الشرارة إذا اشتعلت. لم نذكر بعد التوترات السائدة على طول الحدود بسبب رغبة حسن نصر الله الانتقام لموت اللبناني الذي قُتل عن طريق الخطأ في قصف نُسب إلى سلاح الجو الإسرائيلي في سورية في السنة الماضية. خف التوتر، لكن نصر الله لا يزال ينتظر اللحظة المؤاتية.
في الساحة الفلسطينية أيضاً، وفي الأساس في الضفة الغربية وغزة، تسود توترات مكبوتة. جذور هذه التوترات معروفة بالنسبة إلينا، وهي تتكرر المرة تلو الأُخرى في كل اشتباك. وقع، هذا الأسبوع، هجوم بإطلاق النار أدى إلى إصابة طالبين في «يشيفا إيتمار» بجروح بالغة، وأُصيب طالب ثالث بجروح طفيفة. هذا الهجوم، مثل التصعيد الذي شهدته القدس وغزة في الأسابيع الأخيرة، هو نتيجة لوضع مستمر هو رفض الفلسطينيين للاحتلال الإسرائيلي والقيود المادية التي رافقته، وأيضاً نتيجة الحماسة الدينية – الإسلامية التي تزداد في فترة رمضان.
بالنسبة إلى القيادات الفلسطينية كما بالنسبة إلى إسرائيل، ليس من مصلحتها اندلاع مواجهات لأنها لن تؤدي إلى شيء جيد، والمواطنون يدركون ذلك أيضاً. لكن القادة الفلسطينيين تعلموا مع مرور السنوات توجيه غضبهم مباشرة نحو إسرائيل.
تحل، الاثنين المقبل، ذكرى يوم القدس التي يتظاهر فيها شباب يهود حاملين أعلام إسرائيل في القدس وفي الحي الإسلامي، وأحياناً تحدث استفزازات للمسلمين. وتحل لدى المسلمين في الأسبوع المقبل ليلة القدر التي يصلي فيها عشرات الآلاف من المسلمين في المسجد الأقصى. بالاعتماد على تجربة الماضي هؤلاء يمكن أن يهاجموا يهوداً أو يلقوا الحجارة في اتجاه «حائط المبكى».
فوق هذا كله يخيم قرار تأجيل الانتخابات البرلمانية في السلطة الفلسطينية. حركة حماس الغاضبة على الإنجاز الانتخابي الذي سرقه منها أبو مازن هي أحد الأطراف المحرضة، وعلى ما يبدو هذا التحريض هو الذي أدى إلى إطلاق النار في مفترق تفوح.
لكن كما قلنا، المشكلة ليست الشرارة التي ستشعل الأرض بل الوضع الأساسي الذي لا يتحدث عنه أحد منذ سنوات، ولا يحاول أحد إيجاد حل له. نركز على الأزمة السياسية وعلى وباء كورونا، ولا نرى أن التوترات التي تسود حولنا يمكن أن تشتد في أي لحظة، سواء نتيجة أخطاء عملانية للجيش الإسرائيلي، أو لأن مفاوضات الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة لم تسفر عن شيء، أو نتيجة اضطرار إسرائيل إلى التحرك بقوة كبيرة لوقف البرنامج النووي الإيراني.
عندما قال رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في خطابه عشية ذكرى المحرقة، إن إسرائيل ليست ملزمة بأي اتفاق يجري التوصل إليه بين الدول العظمى وإيران، كانت هذه إشارة تحذير إلى إيران، لكنْ في الأساس تهديد موجّه إلى الولايات المتحدة. ما قصد نتنياهو قوله، وهذا أيضاً فحوى الرسالة التي أرسلها مع مندوبيه إلى واشنطن، إذا اعتقد الرئيس بايدن أنه من خلال اتفاق سيئ هو يقدر على إزالة الموضوع النووي من جدول أعماله ومن جدول الأعمال الإقليمي فإنه على خطأ.
يلمّح نتنياهو إلى أن إسرائيل ستتحرك، ولن يكون هناك خيار أمام الولايات المتحدة وستضطر إلى التدخل. لذا، وبحسب هذه الرسالة، من الأفضل للإدارة الأميركية ألّا تخضع للمطالب الإيرانية، وإظهار المزيد من الصبر إلى أن يوقف الإيرانيون سباقهم نحو موقع دولة على عتبة النووي، ويوقفوا تطوير الصواريخ بعيدة المدى القادرة على حمل رؤوس حربية نووية، وكذلك تطوير صواريخ باليستية وصواريخ بحرية ومسيّرات دقيقة ينقلونها ويصنعونها بوساطة وكلائهم. دون ذلك يمكن أن ينفجر التوتر المكبوت ويتحول إلى حرب.
هذه الإمكانية هي التي يستعد لها الجيش الإسرائيلي في «شهر الحرب» الذي يبدأ بعد أيام معدودة. في التدريب العام للجيش الإسرائيلي تتدرب أذرع الجيش الإسرائيلي كلها على مواجهة حرب كبيرة على عدة جبهات تستمر أسابيع. بعد هذا التدريب سيكون الجيش في حالة جهوزية كاملة تقريباً لمواجهة حرب شاملة إذا نشبت في وقت قريب.

عن «يديعوت»

* محلل عسكري.