مئير دغان لم يمر بتجربة كهذه. في 2001 كانت له جولة سياسية قصيرة في ادارة الانتخابات في حزب الليكود لدى اريئيل شارون. وقد كان رجل الظل وخلفه كان تاريخ أمني ليس أعظم منه: منذ ايام وحدة «ريمون» التي صفت الارهاب في قطاع غزة، حرب الايام الستة، حرب الغفران، لواء 188، اصابة بالغة، وسام الشجاعة، عدد لا يحصى من حروب المواجهة، وبعد ذلك كانت له سنوات بطولية في الموساد. للأسف ليس بالامكان التحدث بالتفصيل عما حدث فيها.
مئير دغان هو واحد من المقاتلين الاكثر شجاعة في تاريخ دولة اسرائيل. هو جنرال احتياط، بطل اسرائيل، جريح من جرحى الجيش الاسرائيلي ورئيس هيئة محاربة الارهاب. لا يخاف الموت وهذا ما يعرفه المحيطين به في هذه الايام. لم يتحدث في حياته أمام خمسين ألف شخص. نظرت اليه أمس، نحيف، مكفهر اللون، يرتجف وواعي لأهمية هذه الساعة المصيرية. يقف بما تبقى له من قوة أمام الجمهور دامعا ويمسح دموعه وينظف حنجرته المختنقة ويتكلم من أعماق قلبه.
حتى الرصاصة الاخيرة
من يتابع دغان يعرف أنه في مهمة، بموازاة الحرب من اجل الدولة يخوض الحرب من اجل الحياة، احتمالاته ليست مرتفعة في أي معركة من هذه المعارك لكنه سيحارب حتى الرصاصة الاخيرة. اثناء حديثه وصلني رد عضو الكنيست ياريف لفين، رئيس لجنة الخارجية والامن في الكنيست. «الثرثرة اللامسؤولة لمئير دغان تسبب ضررا كبيرا للامن وللدولة. فهو يعمل من خلال دوافع سياسية واضحة ومن خلال الكراهية لرئيس الحكومة التي تعميه عن رؤية الواقع... دغان يتجرأ على الاضرار بصورة منهجية بالجهود الاسرائيلية وبأمننا جميعا...»، كتب لفين.
المرة الاخيرة التي التقيت فيها مع لفين كانت في الانتخابات لرئاسة الدولة. كان ذلك بين الجولة الاولى (التي نجح فيها ريفلين وشتريت) والجولة الثانية الحاسمة. تم ارسال لفين حينها في مهمة سرية من سيده نتنياهو. لقد ذهب الى غرف اعضاء الكنيست ليهدوت هتوراة من اجل محاولة اقناعهم في اللحظة الاخيرة للتصويت لشتريت، وضد مرشح حزبه، رجل ارض اسرائيل والليكود رؤوبين ريفلين. لماذا؟ لأنهم في عائلة نتنياهو لا يحتملون ريفلين. لفين في حينه حاول بلغة لطيفة نفي هذا النبأ لكنه عرف أنه صحيحا. لسذاجتي اعتقدت أن لفين سيرفض في المرة القادمة مهمات هابطة كهذه، حتى لو كان المرسل هو نتنياهو، وقد كنت مخطئا. لفين الذي أمضى خدمته العسكرية كقائد في معهد اللغة العربية في وحدة 8200، حسب «ويكيبيديا»، لا يستطيع الاقتراب مما قدمه مئير دغان لأمن الدولة حتى لو عاش ألفي سنة متواصلة. لكنه تلقى أمرا وانقض على رجل مثل دغان الذي يفوق السبعين سنة، وكل من يعرفه يدرك أنه ليست لديه أي طموحات سياسية وأي اعتبار غريب. الامر الوحيد الوحيد لدغان ليخسره هو الدولة التي هو واصدقاءه بنوها بدمائهم وأجسادهم.
قُل لي يا عضو الكنيست لفين: لماذا «يكرهون» الى هذه الدرجة رئيس الحكومة؟ تقريبا كل من كان قريبا منه في الغرف وفي الجلسات السرية. عند جميعهم نفس الرأي. حاولتم تشويه ديسكن مع تعيينه أو تعيينه رئيسا للموساد. كذب فظ. حاولتم تشويه اشكنازي بواسطة مندوبي وسائل الاعلام والسلطات الاخرى. بالمناسبة، رأي من يتسلمون هذه المناصب اليوم لا يختلف كثيرا عن رأي أسلافهم. لم نتحدث بعد عن يادلين. من الجيد أنه الآن في الحياة السياسية. وهناك قائمة طويلة تضم اولئك الذين خدموا ضد رغبتهم تحت مسؤولية نتنياهو في الولاية الاولى (امنون لبكين شاحك)، لماذا في نهاية المطاف يصل كل هؤلاء الاشخاص من اليسار واليمين والوسط الى نفس الفهم فيما يتعلق بالطريقة التي يقودنا فيها رئيس الحكومة نتنياهو.
على الأقل لم يحاولوا أن يجعلوا من مئير دغان يساريا يكره اسرائيل. حتى مناورات ياريف لفين يجب أن نجد لها حدود. هكذا اعتقدت. عندها وصلني رد الليكود. نعم تخمينكم صحيح أن مئير دغان يساري.
مطلوب زعيم يقول الحقيقة
في يوم الجمعة الماضي نشرت «يديعوت احرونوت» (ناحوم برنياع) وثيقة تنازلات نتنياهو في المسار السري للمفاوضات مع الفلسطينيين. كان رد نتنياهو على هذا النشر هو الرد الثابت: «موني موزيس!». هكذا تسير الامور، إما أن يكون موني موزيس أو مني نفتالي أو كلاهما أو أن المسؤول هو «اليسار».
ما العمل؟ من يصدر «يديعوت» هو في الحقيقة موزيس، لكن الوثيقة حقيقية والنبأ صحيح. هذا المسار السري كشف منذ فترة من أمير تيفون في «واللاه». التفاصيل معروفة لصحفيين كثيرين (وأنا منهم)، وعدد منهم اطلعوا على جزء منها. الآن الأميركيون أعطوا لبرنياع الشيء الحقيقي، وهو قام بما وجب عليه القيام به، «نشره».
من الجهة الاخرى، توجد لنتنياهو قضية هنا. من وجهة نظره الضيقة فهو لم يتنازل عن شيء. ومن اجل فهم ذلك يجب علينا فهم نتنياهو. هو موجود هنا من اجل اضاعة الوقت وخداع الجميع وليقاتل وليوافق وبعد ذلك يعتذر، وليرسل مبعوثين تكون مهمتهم تمديد المفاوضات حتى الثانية الاخيرة وعندها يختفي أو يتراجع أو يختلق شيء ما. هكذا وقع في حينه على اتفاق «واي» وحينئذ عاد الى البلاد وقام بتفجيره. هكذا أجرى المفاوضات حول اعادة الجولان مع الاسد الأب والابن. في الحالتين (اسألوا رون لاودر) وافق على الانسحاب من الجولان، وفي الحالتين تراجع. هكذا ايضا أرسل الرئيس بيرس للتفاوض مع أبو مازن، وتم تزويد بيرس بنفس الموافقات، وحينها قبل لحظة من التوقيع مع أبو مازن في عمان، تراجع بيبي، وهكذا فعل هذه المرة ايضا.
هذه هو دوره، ببساطة يكذب عليهم، يأخذهم في نزهة حتى البئر وحينها يختفي. المشكلة هي أنه يمكن خداع عدد من الناس لبعض الوقت لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس طوال الوقت. ليس هناك في العالم شخص يثق بكلمة واحدة لنتنياهو، هذه هي المشكلة الأصعب بالنسبة الينا. سمعنا ذلك بصورة واضحة في المحادثة المسجلة المعروفة بين ساركوزي (الصديق الحقيقي لاسرائيل) وبين اوباما. نحن نسمع ذلك تقريبا بطريقة غير مباشرة من كل زعيم في العالم. خط الاعتماد لنتنياهو انهار، شيكاته أصبحت بلا رصيد بحيث أعلن عن حسابه أنه محدود. من اجل إسماع كلماته للشعب الأميركي كان عليه سلوك طريق التفافي الى الكونغرس وأن يتشاجر مع البيت الابيض بطريقة لم يسبق لها مثيل وأن يستغل ما تبقى له من اعتماد من اجل أن يعود الى البيت وقد حظي بتصفيق كبير لكن بدون نتيجة حقيقية.
اسرائيل والعالم يحتاجون الى زعيم يقول الحقيقة، أن يقرر ما هو على استعداد لتنفيذه ويقوم بتنفيذه، وأن يبلور موقفا حول الطريق الذي سيسير فيه ويسير، واذا كان غير مستعد فليقل ذلك. هناك ألف طريقة لخلق اعتماد عالمي بدون اعادة المناطق. يمكن نقل عبء الاثبات الى الطرف الآخر، كما فعل اولمرت. يمكن تجميد البناء خلف الجدار في المستوطنات المعزولة. يمكن التفكير خارج الصندوق. يمكن القول «نعم، ولكن» للمبادرة العربية. الامر الوحيد الذي لا يمكن الاستمرار فيه هو الكذب، ونتنياهو يتمسك بذلك. لماذا؟ لأن مهمته الحقيقية هي البقاء رئيسا للحكومة وتمكين السيدة نتنياهو من الاستمرار في اعادة القناني بارتياح. لو لم يكن يفكر بنفسه لكان قد هاجم البنية التحتية للمنشآت النووية الايرانية بدلا من القاء الخطابات حولها.
عن «معاريف»
لماذا يعد المشروع الإسرائيلي في القدس بلا مستقبل؟
02 أكتوبر 2023