العاصمة الفلسطينيّة: قوانين احتلاليّة لتنفيذ الخطط التهويدية!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

بقلم: هاني حبيب

إذا لم يوضع حد للإخلاء القسري وجريمة الحرب المتجددة في الشيخ جراح، فإن حكم محكمة الاحتلال قد يؤدي إلى مشهد بات متكرراً: علم إسرائيلي يحمله عدد من المستوطنين فوق المنازل الفلسطينية التي تم السطو عليها، بينما خيمة قد تكون في الجوار أو على مبعدة منها، تقدمها منظمة دولية ما للفلسطينيين المطرودين قسراً من منازلهم وأملاكهم، وربما بضعة بطّانيات وأدوات محدودة، وهكذا قد يسدل الستار على جريمة جديدة بعد أن يتفرّق الشهود وتعود الأخبار إلى ما قبل الكارثة الجديدة، هذا المشهد الكارثي قد يتكرّر الآن وكذلك في المستقبل إذا ما تم تمرير نكبة جديدة بمناسبة ذكرى النكبة الكبرى التي حلت بالشعب والأرض في الخامس عشر من أيار العام 1948، والتي تقترب بعد أقل من أسبوع.
وقد تبدو الأمور وكأنها شكل من أشكال رد الفعل على احتقانٍ هنا واستفزاز استيطاني من هناك، وإن ما يجري في الشيخ جراح هذه الأيام مجرد ارتباط بمناسبات ذات طبيعة دينية سواء لجهة شهر رمضان ويوم القدس وليلة القدر من ناحية، وللأعياد والمناسبات اليهودية في الجانب الآخر، وهي صورة مزيفة لحقيقة ما يجري باعتباره جزءاً لا يتجزأ من عملية ممنهجة، وما تحويل هذه الكارثة إلى القضاء الإسرائيلي للبت بها، كما سنشهد يوم غدٍ، إلّا محاولة لإضفاء صفة قانونية ولمسات حقوقية للتغطية على عملية التهويد المعلنة منذ عقود طويلة، وبحيث يسخَّر القضاء الإسرائيلي لمنح هذه العملية الغطاء القانوني المطلوب والذي من خلاله يتم تحييد القضاء الدولي بهذا للشأن.
ولهذا الغرض، سنَّت دولة الاحتلال ثلاثة قوانين، الأول صدر بعد عامين فقط من السطو على فلسطين التاريخية عام 1948، وهو القانون الذي أطلق عليه الاحتلال قانون أملاك الغائبين للعام 1950، والذي يقضي بمنح ممتلكات الفلسطينيين الذين تم تشريدهم قسراً من أراضيهم وأملاكهم لتتصرّف دولة الاحتلال بها بالطريقة التي تراها مناسبة لها، وبما أن هؤلاء كونهم «غائبين» قسرياً فلا يسمح لهم عملياً بممارسة حقهم في العودة، هذا القانون أدى إلى تأكيد عدم عودة الفلسطينيين إلى أملاكهم من ناحية، وضمان التغطية القانونية لنهب وسلب أملاكهم وقرصنتها، علماً أن المصطلح المتداول باعتبار ذلك «مصادرة» فهذا المصطلح غير قانوني رغم تداوله، بالنظر إلى أن المصادرة تعترف بالحق وبالتعويض وتتم لمصلحة الصالح العام بينما ما يجري هي عملية نهب وسطو ممنهج ومنظم من قبل دولة الاحتلال وأجهزتها القضائية والقانونية، إضافة إلى أجهزتها الأمنية التنفيذيّة بطبيعة الحال.  
وإذا كان قانون الغائبين يتعلّق بأراضي العام 1948، فإن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة عام 1967، استوجب سن قانون آخر يقضي بالاستيلاء والاستيطان في المناطق المحتلة إثر تلك الحرب، فتم سن قانون «الإدارة والنظام»، والذي يخول سلطات الاحتلال بالسطو على أي مساحة من الأرض ترى الدولة العبرية ضرورة ضمها إلى ما تسمى أرض إسرائيل، خاصة في العاصمة الفلسطينية، بمقتضى هذا القانون تم حل مجلس أمانة «بلدية» القدس المنتخب وطرد أمين القدس روحي الخطيب وإلحاقها ببلدية القدس برئاسة تيدي كوليك.
أمّا القانون الثالث، فيتمثل بالخطة الهيكلية لمدينة القدس حتى العام 2020، والهادف إلى عملية تهويد معلنة وبحيث يتبقى للعرب أقل من 30% من المواطنين الفلسطينيين في القدس الشرقية وأكثر من 70% للمستوطنين اليهود، وذلك تحت شعار «التخوّف مما تسمى القنبلة الديموغرافية.  
واستناداً إلى هذه القوانين الأساسية، التي يتخذها القضاء الإسرائيلي مرجعاً وحيداً لمحاكمه، فإنّ عملية التهويد تجري قدماً في مخططٍ معلن، وليست مجرد رد فعل أو استفزاز هنا أو هناك، لذلك ليس من المستبعد أن نشهد تلك «الخيمة» التي سبق وأن أشرنا إليها في قادم الأيّام.