هل من كلمة سواء لصون مصيرنا الوطني؟!

image_processing20230801-700669-7pfmr5.jpg
حجم الخط

بقلم جمال زقوت

في وقت تتواصل فيه جريمة الإبادة المفتوحة ضد أهلنا في قطاع، وتتكثف فيه مفاوضات صفقة يتلاعب بها نتنياهو دون رؤية فلسطينية محددة، لم تتوقف المخططات الإسرائيلية لتعميق الأزمة الفلسطينية الداخلية.

 

 ذلك كله لأهداف باتت واضحة لكل فلسطيني. فحتى لو أُجبرَ نتنياهو على عقد صفقة، إلا أنه من الواضح سيواصل، ليس فقط الاستباحة الأمنية للقطاع، والتحكم من خلال المعابر بالإغاثة وبمتطلبات الإيواء، ولاحقاً بالإعمار، بل فإن استراتيجيته ما زالت تنصب على منع نشوء أي كيانية فلسطينية موحدة، كي يتمكن أولاً من تعميق الانقسام، ودفعه إن تمكّن إلى حالة انفصال، كما أن مخططاته لضم الضفة الغربية تتعزز من خلال محاولة مقايضة وقف الحرب، ولو مؤقتاً في غزة، بانتزاع موافقة من إدارة ترامب بضم على الأقل ما سبق وقدمه ترامب له فيما بات يعرف بصفقة القرن. 

 

نتنياهو يدرك أن تنفيذ خطته في الضفة الغربية تستدعي مزيداً من إنهاك الحالة الفلسطينية، وفي هذا السياق تحديداً يمكن قراءة الفخ الذي نصبته حكومة الاحتلال للسلطة الفلسطينية. فهي تدرك حالة الضعف التي تعاني منها السلطة، وهي التي عملت على تعميقها في السنوات الأخيرة عبر مخططات سموتريتش و بن غفير، كما أنها تدرك مدى العزلة الشعبية التي تعاني منها مؤسسات السلطة بفعل عوامل متعددة لا تقتصر على عجزها في الإسهام الجدي لوقف الحرب، بل وفي توفير الحد الأدنى من الحماية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن حرب المستوطنين وقوات الاحتلال بصورة منهجية ومنظمة على مختلف مجالات حياة الناس، وفي كل المناطق دون استثناء. هذا بالإضافة لحالة الفشل الناجمة عن بُنى السلطة الراهنة، وغياب التوافق الوطني على استراتيجيات عمل موحدة ومحددة .

 

لو جرّدنا مواقفنا، وحتى انحيازاتنا الوطنية التي لا تقبل الانحناء، فإن السؤال الذي يطرح نفسه، ويتداوله العامة من مختلف المشارب في الضفة الغربية الذين باتوا يعيشون قلق حد السيف والرعب من المستقبل، وعتمة المصير الوطني في ظل اشتداد حالة الاستقطاب والتعبئة والتحشيد والضحايا هو: هل قوى الأمن الفلسطينية، وفي ظل حالة السلطة هذه، قادرة على تحقيق فرض سيطرتها على المناطق التي فشلت إسرائيل في تحقيقها؟ ولو افترضنا جدلاً أنها نجحت في ذلك في مخيم جنين، فهل سيكون ذلك كافياً لإسرائيل ؟ أم أنها، وفي سياق استراتيجية المزيد من إنهاك كافة الأطراف الفلسطينية وتعميق عزلتها، بما في ذلك الحاضنة الشعبية لقوى المقاومة، ستضاعف من مطالبها للسلطة لتحقيق ذات الأمر في مناطق أخرى لا تنتهي، وبما قد يؤدي إلى انزلاق حاد نحو حرب أهلية، وليس مجرد احتراب محدود؟

 

أما في حال لم تنجح قوى أمن السلطة، وهذا وارد لأسباب متعددة، وربما أيضاً إسرائيلية، فإن حكومة نتنياهو تكون قد حققت الهدف الأهم وهو نزع شرعية المقاومة على يد فلسطينية، بل وتصنيفها في خانة الإرهاب، لتنفيذ ما تسعى إليه الحكومة الفاشية بإطلاق يدها في تدمير مخيمات الضفة الغربية، كما فعلت في غزة، ولكن هذه المرة تحت ذريعة إما الفصل بين الفلسطينيين من احترابهم الداخلي، أو إنجاز ما عجزت قوى أمن السلطة عن تحقيقه. وهذه ما يشكل الحالة التي ترغب بها إسرائيل لترسيخ تمزّق الكيانية الفلسطينية، ليس فقط بين غزة والضفة، بما في ذلك عزل مدينة القدس للاستفراد النهائي بها، بل وبدفع الضفة الغربية نحو كانتونات أو ما بات يطلق عليه "روابط المدن". هذه هي الخطة الإسرائيلية، وهذا هو الفخ الذي نصب لنا.

مقولة السلطة بأن واجبها يتطلب منع جر الضفة الغربية لمآلات تدمير غزة، تستدعي نقاشاً هادئاً ومسؤولاً، حيث أن حكومة الاحتلال التي لم تجد من يوقف مذبحتها الشاملة في قطاع غزة، قد تعتبر أن فرصتها التاريخية للمضي بخطة ما يعرف بالحسم أي التصفية، ستتصاعد في لحظة إنجاز تهدئة ما في القطاع، بعد تركه غارقاً في دمه ودماره. ولكن أليست هذه المخاطر الوجودية، إن كانت مدركة من قبل القيادة المهيمنة على السلطة، بحاجة إلى حوار وطني جدي حول أشكال مقاومة المخططات الإسرائيلية، والتوافق على رؤية وطنية وأطر جامعة كفيلة بمنع الاحتراب الداخلي، وقادرة على استنهاض القدرة الكلية للشعب الفلسطيني لدرء المخاطر المبيتة، وحشد الطاقات لتحقيق المناعة الوطنية وليس المصالح الفئوية الضيقة؟ والسؤال الأهم هو حتى لو افترضنا التوافق على تجميد المقاومة المسلحة، فهل تستطيع أي سلطة مهما كانت قوتها، وفي ظل تسليح حكومة الاحتلال لحوالي مئة ألف مستوطن، وفي حال استمرّت الهجمات الإرهابية منهم ومعهم جيش الاحتلال على المواطنين وبلداتهم ومصادر رزقهم، أن يتمكن من منع أي فلسطيني من الدفاع عن نفسه حتى لو كلفه ذلك حياته؟ أفلا يستحق ذلك مطالبة العالم بإلزام حكومة الاحتلال سحب سلاح المستوطنين وليس تدريبهم وتشجيعهم ومكافأتهم كما تفعل حكومة  الثالوث الفاشي ؟!

 

فجأة، وبعد ماراثونات حوارية حول ما يُسمى بلجنة الإسناد المجتمعي، التي أشرفت عليها القاهرة، عاد الناطقون باسم السلطة يرددون المخاطر التي قد تترتب على هذا الطريق من تعزيزٍ للانقسام وخطر الانفصال الذي تغذيه إسرائيل. وهذا إدراك مهم، وأن يأتي متأخراً خيرٌ من ألا يأتي أبداً. فهل تدرك قيادة السلطة والمنظمة هنا أيضاً أن ما لم تنجح به إسرائيل في اجتثاث جزء هام من الشعب الفلسطيني، فإنها لن تكون قادرة على إقصائه من المشهد بغض النظر عن طبيعة النتائج العسكرية المترتبة على الحرب . هنا يبرز سؤال المليون وهو صالح لمجمل الحالة الفلسطينية في الضفة بما فيها القدس، وليس فقط في القطاع، وكذلك لتجمعات اللجوء الفلسطيني في ظل المتغيرات الإقليمية العاصفة والمتناقضة أحياناً، وهو لماذا تصر القيادة المتنفذة على عدم المضي بخيار التوافق على الرؤية والاستراتيجية والأطر القادرة على العبور بالحالة الوطنية وفقاً لإعلان بكين، الذي، وللتذكير فقط، حظي باجماع الفصائل كافة؟