إسرائيل تحارب «الإرهاب» بالإرهاب؟!

هاني عوكل
حجم الخط

ليس هناك من عاقل على وجه الأرض لا يكفر بالعمليات الإرهابية التي تستهدف مدنيين وضحايا أبرياء سواء في سورية والعراق ولبنان أو حتى فرنسا وروسيا وغيرها من دول العام، فالضحية في فرنسا هي نفسها الضحية في سورية ولبنان ولا ينبغي التفريق في هذا الأمر. غير أن هناك من يحاول اللعب على هذا الوتر بإذكاء نار الفتنة الطائفية والمعتقداتية وتعزيزها، وخلق المزيد من الكره الغربي للإسلام والمقيمين واللاجئين العرب في أوروبا، وتوسيع العداوة وهامش صراع الحضارات مع الدول العربية، وتخرج التصريحات المريبة والكاذبة التي تربط بين الجماعات المتطرفة التي ارتكبت مؤخراً مجازر في باريس وبين الإسلام والمسلمين. إسرائيل من أكثر دول العالم توظيفاً لما يدور من عمليات إرهابية في عدد من المناطق المتوترة التي تشهد نزاعات مسلحة، ففي أحداث باريس الدامية سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى القول إن الحرب على الإرهاب يجب أن تستمر وأن إسرائيل تعاني منه. نتنياهو استغل الهجمات الإرهابية الأخيرة حتى ينطلق من عدة فرضيات، أولها أنه يريد تكاتف العالم ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة كما يقول، ويريد الزج بالفلسطينيين على أنهم «إرهابيون»، إلى جانب أنه حاول استثمار هذا الظرف الدولي الخطير في دعوة اليهود الفرنسيين إلى العودة لإسرائيل والتنعم بمناخ الأمن والاستقرار هناك! تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية هذه تفترض من الغرب أن يتعاطف معه في استمرار إرهابه ضد الفلسطينيين، إذ ليس هناك من هو أبرع من نتنياهو في حرف الحقائق، والعالم كله يدرك أن إسرائيل قبل ولادتها القيصرية كانت تمارس كل أنواع الإرهاب من أجل تحقيق مصالحها في فلسطين. ثمة تساؤلات مشروعة عن عدم قيام الجماعات الإرهابية المتطرفة من «داعش» إلى «جبهة النصرة» و»القاعدة» بعمليات داخل إسرائيل، بالرغم من أن الأخيرة هي الدولة الأكثر تصديراً للإرهاب وهي المتسبب الرئيسي في تعميق معاناة الفلسطينيين وتكريس العنصرية لغة وقولاً. ثمة تعليقات كثيرة على أن إسرائيل أسهمت في إذكاء الفتنة في المحيطين الدولي والعربي، وهناك دلائل كثيرة على تدخل الموساد الإسرائيلي في عدد من الدول العربية مثل سورية والعراق ولبنان وتونس، عبر الدعم التسليحي الذي تقدمه الدولة العبرية لجماعات إرهابية مثل «جبهة النصرة». طبعاً لإسرائيل مصلحة في خلق شيطان كبير يحوم حول الشرق الأوسط، فهي أولاً لا تريد لدول عربية أن تنهض وأن تتحول إلى دول قوية، وثانياً تعتقد أن وجود بلبلة كبيرة في العالم هو أمر مفيد للمخططات الإسرائيلية في توسيع النشاط الاستيطاني غير المشروع وفرض وقائع كارثية على الفلسطينيين. كثيراً ما ارتبط اسم إسرائيل بعمليات غير أخلاقية تتعدى حدود الدولة العربية، ففي لبنان حدث ولا حرج عن تدخلاتها غير المشروعة وجواسيسها التي زرعتهم في أماكن كثيرة، وفي سورية شنت العديد من الغارات لأسباب تعتبرها أمنية. وحديثاً جداً كشفت صحيفة «الشروق» التونسية عن تفكيك الأجهزة الأمنية هناك شبكة تورطت في التخطيط لعملية إرهابية كبرى بالتزامن مع تفجيرات باريس، وأن السلطات التونسية ضبطت أسلحة إسرائيلية دخلت إلى تونس من سورية عبر تركيا ومن ثم ليبيا. مصادر أخرى تقول إن إسرائيل دعمت «جبهة النصرة» بأسلحة عسكرية، في حين ذكرت شبكة «I24 News» الإسرائيلية قبل حوالي العام، أن تل أبيب استضافت عدداً كبيراً من جرحى تنظيمي «داعش» و»جبهة النصرة» داخل أراضيها من أجل العلاج في مستشفياتها. هذا لا يعني أن التنظيمات الإرهابية بريئة مما يجري حول العالم، لكن هناك مصلحة لدى إسرائيل في دعم مثل تلك الجماعات لتبرير صراعها مع الفلسطينيين وقتلهم واستهدافهم بهذه الطريقة الوحشية التي تجري اليوم، ومن أجل بعث حالة من الخوف في العالم ودفع اليهود في مختلف أرجاء المعمورة للعودة إلى إسرائيل لخلق حالة من التوازن الديمغرافي في ظل التوجس من الخزان البشري الفلسطيني وحالة التكاثر الطبيعي. هنا ينبغي التدقيق جيداً في تصريحات وزيرة الخارجية السويدية مارجوت وولستروم التي قالت للتلفزيون الرسمي السويدي بأن هناك الكثير من يسلكون طريق التطرف وأن من يتابع الشرق الأوسط سيرى عدم وجود أي مستقبل للفلسطينيين بفعل الممارسات الإسرائيلية، الأمر الذي يدفعهم إما للقبول بوضع يائس أو اللجوء إلى العنف. حديث وولستروم صادق وواقعي جداً، لأن سلوك الفلسطينيين مبرر وناتج عن يأسهم من الصراع مع إسرائيل التي تعربد وتتصرف في حقوقهم دون رادع أو رقيب، ومثل هذا الوضع الذي أنتجته إسرائيل لا يحقق السلام في المنطقة بل يُولّد الكثير من المعانيات والمزيد من بيئات غير مستقرة. طبعاً كلام وولستروم هذا أغضب نتنياهو جداً جداً، إلى درجة أن الخارجية الإسرائيلية وصفت تصريحات وزيرة الخارجية السويدية بأنها «صفيقة إلى حد مريع»، في حين اتهمت العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية وولستروم بمعاداة السامية وكرهها لإسرائيل وشعبها. إن الطريق إلى محاربة التنظيمات الإرهابية المتطرفة يبدأ بتجفيف منابع الدعم المقدم لها، والتركيز على الأيادي الإسرائيلية الخبيثة في هذا الموضوع، فهي التي تترقب دائماً أي عملية إرهابية تحصل في العالم حتى تعلن جاهزيتها الإفصاح عن المعلومات الاستخبارية والتعاون مع الدول المتضررة، يسبق ذلك بطبيعة الحال شن هجوم إعلامي على العالم الإسلامي ووصفه بالإرهاب. ثم إن هذه الجماعات الإرهابية المتطرفة ليست إسلامية والإسلام بريء منها، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال إطلاق الصفات بأنها إسلامية، حتى وإن كانت تدعي بأنها كذلك، إلا أن كل أفعالها لا تدل أبداً على ذلك، باستثناء أنها تسيء للإسلام وللأمة الإسلامية. إسرائيل تدعي بأنها تحارب «الإرهاب» وهي التي تمارسه كل يوم سواء داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو خارجها عبر مختلف أجهزتها التجسسية، تغذي مع دول أخرى تلك الجماعات الإرهابية التي تستفيد من إرهابها في استكمال المخططات العنصرية. وإن كان لابد من أجل محاربة الإرهاب، أن يجتمع العالم على قلب رجل واحد وأن ينظر بجدية بالغة إلى هذا الفعل الآثم ويتعامل مع تلك الجماعات بحزم شديد، مع الأخذ بالحسبان إسرائيل ونهجها الإرهابي وممارساتها غير الأخلاقية ضد الفلسطينيين ويدها الطولى في أحداث غامضة تدور حول العالم.