أمام عجز دولة الاحتلال الإسرائيلي عن تقديم صورة أيّ انتصار لجبهته الداخلية، في مقابل إنجازات المقاومة الفلسطينية التي استطاعت تحقيق انتصار عسكري وسياسي معنوي، يُوغل في مجازره بحق المدنيين العزل إرضاءً لجمهور المتطرفين، وسط الحديث عن وساطات دولية لإنجاز التهدئة.
وفي مقابل ذلك يقف التعنت الإسرائيلي في تضمين ملف القدس المحتلة بإلغاء إخلاء بيوت حي الشيخ جراح ووقف الاقتحامات للمسجد الأقصى، عقبةً أمام إنجاز أيّ تهدئة؛ نظرًا لاشتراط المقاومة الفلسطينية وقف كافة الانتهاكات في القدس.
ما سبق ذكره يطرح تساؤلات عن فرص إتمام التهدئة في قطاع غزّة خلال الساعات أو الأيام القادمة؟ وهل سينجح الوسطاء وخاصةً مصر في فرض التهدئة؟
إخفاقات نتنياهو
الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب، رأى أنّ الأمور أكثر تعقيدًا من أنّ يُحيط أيّ مراقب بما يجري بالفعل من وراء الكواليس حول إمكانيات التوصل إلى التهدئة، وذلك في ضوء عامل أساسي وهو أنّ القيادة الإسرائيلية ونتنياهو تحديدًا يُريدون تقديم إنجاز مُهم للرأي العام الإسرائيلي؛ لكي يُبرر له تورط دولة الاحتلال في هذه الحرب.
وأضاف حبيب في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "بالتالي ليس هناك من إنجاز حقيقي يُوفر لنتنياهو مثل هذا التبرير، إلا إذا كانت الهجمة الهمجية على البنية التحتية والإنسانية والعملية الدموية المستمرة، للضغط على المقاومة، تُوفر له هذا المبرر"، مُردفاً: "لكنّ هذا الأمر مستبعد لأنّ المقاومة تضع أهدافاً رسمتها وتتمسك بها، في دعم ما يجري بالشيخ جراح والعاصمة الفلسطينية المحتلة".
أما الكاتب والمحلل السياسي حسن عبدو، بيّن أنّ ما يُعيق تحقيق التهدئة هز رفض الاحتلال الاستجابة لمطالب المقاومة، ربط الهدوء في غزّة بوقف الاعتداء في القدس المحتلة والأقصى، وإلغاء إخلاء الشيخ جراح؛ التي يُريدها الاحتلال عاصمة موحدة عبر التهويد والأسرلة.
وتابع عبدو خلال حديثه لوكالة "خبر": "المقاومة تُؤكد أنّه لا معنى للهدوء في غزّة بدون القدس؛ لذلك نحن أمام موقف شديد تتمسك به بأنّ الهدوء يبدأ من القدس بوقف اقتحامات الأقصى ووقف إخلاء بيوت حي الشيخ جراح".
من جهته، أوضح الكاتب والمحلل السياسي محمد حجازي، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر"، أنّ المقاومة حققت إنجازًا عسكريًا وسياسيًا ومعنويًا في الضربة الأولى خلال الثلاث أيام الأولى من المعركة، مُعتقدًا أنّ الحفاظ على إنجاز المقاومة يتطلب عدم إطالة أمد المعركة مع الاحتلال الذي يُوغل في مجازره بحق العائلات الفلسطينية.
إسرائيل تخضع لضغوط تخدم مصالحها
وبالحديث عن الدور المصري في فرض التهدئة على إسرائيل، قال حبيب: "إنّ الدور المصري فاعل ومؤثر؛ لكن بالمقابل رأينا أنّ دولة الاحتلال لا تخضع للضغوط إلا وفقًا لمصالحها وعندما تُكسر شوكتها".
ورأى حبيب، أنّ دولة الاحتلال لا تزال تراهن على تحقيق إنجاز مهم، إلا إذا كانت تعتبر الدم الفلسطيني المباح في قطاع غزّة بأداتها التدميرية هو الإنجاز والمبرر، مُعتقداً أن الضغط عامل ثانوي على ضوء رؤية نتنياهو لمصلحته ومستقبله السياسي.
أما عبدو، فتمنى أنّ يكون التغيير في الموقف المصري ليس شكليًا وإنّما عميقًا واستراتيجيًا؛ لأنّ إسرائيل هي من تواجه مصر في ملف النيل؛ بدعمها الموقف الأثيوبي بصواريخ بطاريات لحماية سد النهضة؛ وبالتالي مواجهته تتم من العدو الحقيقي لها في شمالها وليس في المؤامرة التي تحاك لها في أدغال أفريقيا.
وتقدم في ذات الوقت بالشكر لمصر على موقفها من سيارات الإسعاف الفلسطينية باعتبارها مدرعات للجيش المصري تستوجب الرد، إذا تعرضت لتهديد إسرائيلي، بالإضافة لموقف الخارجية المصرية الرافض للاقتحامات وتهجير سكان حى الشيخ جراح.
تهدئة من طرف واحد
وفيما يتعلق بالسقف الزمنى المتوقع للعملية العسكرية في ضوء صعوبة مباحثات التهدئة، رأى عبدو، أنّ الاحتلال قد يلجأ إلى تهدئة من طرف واحد؛ حتى يهرب من إعطاء المقاومة فرصة لرسم مستقبل القدس؛ لأنّ تدخلها يعني أنّ السيادة الفلسطينية تفرض نفسها على القدس.
وأضاف: "وبالتالي تلجأ المقاومة من طرفها للتهدئة دون اتفاق مبرم بين الطرفين".
من جانبه، لفت حبيب، إلى أنّه من الصعب التوصل إلى سقف زمني؛ لأنّ كل الأمور مفتوحة على احتمالات عديدة، حيث إنّه من المتوقع إنجاز تهدئة جزئية خلال ساعات، أو استمرار التصعيد لأسابيع؛ خاصةً في ضوء ما يتوفر لدى نتنياهو من فرص لضمان مستقبله السياسي وإمكانيه هروبه من المحاكم تجاه الدم الفلسطيني في قطاع غزّة.
أما حجازي، رأى أنّ نتنياهو مهزوم عسكريًا وفاشل أمنيًا في ظل ضعف قدرته أمام صواريخ المقاومة؛ وبالتالي يحاول التغول في دم الفلسطينيين لمصالحه الحزبية الضيقة أمام خصومه السياسيين.