في حال انطلاق الحكومة الإسرائيلية الجديدة، على ما يبدو الأسبوع المقبل، لن تكتسب صفتها اليمينية بامتياز فقط من تصريح رئيسها الأول، نفتالي بينت، بأنها أكثر يمينيةً من الحكومة الحالية بدرجات، ولا من تصريح أحد أعضاء الكنيست من حزب بينت، “يمينا”، لمتظاهرين من اليمين أمام منزله، بأن هدّئوا من روعكم، فهذه الحكومة ليست ذاهبة نحو خطة فك ارتباط جديدة (كما كان عام 2005) ولا نحو “اتفاق أوسلو” آخر، بل أيضًا ستكتسب صفتها هذه، بالأساس، من وجود قاعدة يمينية عريضة لها مؤلفة من ثلاثة أحزاب يمين، هي “يمينا” المذكور، و”أمل جديد” بزعامة جدعون ساعر الذي انشقّ عن الليكود، و”إسرائيل بيتنا” بزعامة أفيغدور ليبرمان، ولها مجتمعةً 20 عضو كنيست، يُضاف إليهم 25 عضوًا من حزبي “يوجد مستقبل” (17 عضوًا) بزعامة يائير لبيد الذي سيتولى رئاسة الحكومة بعد عامين، و”أزرق أبيض” (ثمانية أعضاء) بزعامة بيني غانتس.
في الواقع، إن من يروّج تهمة اليسار تجاه حزب لبيد هو بنيامين نتنياهو، في حين أن الأول لا يدع مناسبة إلا ويردّ فيها هذه التهمة ويؤكد أنه وسطي. وفي مناسبة قريبة – نهاية 2020 – شرح لبيد أن الوسط الذي يقصد تأطير نفسه ضمنه، مغاير كليًّا لليمين الذي يتبنى قيمًا قومية، ولليسار الذي يتبنى قيمًا تقدمية وليبرالية.
وبرأيه ليبرالية اليسار، استحالت في الممارسة الإسرائيلية إلى ديانة من حقوق الإنسان الكونية، ما أدى إلى تركه الساحة الصهيونية وإلى قيامه بأفعال تناقض فكرة الدولة اليهودية. إنه يحاول إذًا إنتاج نفسه كحزب وسط، على الرغم من أن أفكاره السياسية والاقتصادية يمينية.
أشرنا مرارًا إلى أن الأساس الأيديولوجي لحزب لبيد يشي بأنه انطلق من داخل الإجماع الصهيوني اليهودي على هوية الدولة، التي لا ينبغي أن تكون يهودية في هويتها وتوجهاتها الثقافية فحسب، بل أيضًا عليها أن تكون ذات أغلبية يهودية ودولة قومية للشعب اليهودي بأي مكان.
وتظهر يمينية الحزب في الجانب السياسي من برنامجه، حيث جاء: لا يوافق الحزب على الاتهامات الذاتية التي يُطلقها جزء من الجمهور الإسرائيلي في مسألة السلام، فنحن نعتقد أن الفلسطينيين رفضوا مرة إثر مرة يد إسرائيل الممدودة إلى السلام. ويقترح الحزب تبني “حل الدولتين”، ولكن ليس بدافع الاعتراف بحقوق الفلسطينيين القومية، بل لغاية الحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية ذات أغلبية يهودية، ويعتبر المستوطنين صهيونيين حقيقيين، حيث يشير البرنامج إلى أن “السلام هو الحل المعقول الوحيد للتهديد الديموغرافي ولأفكار مثل دولة كل مواطنيها ودولة ثنائية القومية”.
أما بالنسبة إلى شكل الحلّ النهائي الذي يقترحه، فيتمثل بـ”حل الدولتين”، من دون العودة إلى خطوط 5 حزيران1967، وعبر الإبقاء على الكتل الاستيطانية في الضفة، والإبقاء على القدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل، وحل مشكلة اللاجئين في الدولة الفلسطينية فقط، وأن تمتلك إسرائيل الحق في محاربة “الإرهاب” حتى داخل الدولة الفلسطينية التي ستُقام.
ويوضح برنامج الحزب السياسي أنه لا يقدم تصورًا مختلفًا منذ تأسيسه، عمّا طرحه نتنياهو في “خطاب بار إيلان”، غير أن الأخير يريد من الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، بينما يريد لبيد انتزاع ذلك على أرض الواقع.
في الجانب الاقتصادي ينادي حزب لبيد بزيادة المشاركة في سوق العمل من طرف قطاعات غير فاعلة في المجتمع الإسرائيلي، ويؤكد أن على الدولة الاهتمام بالطبقة الوسطى، لكونها الطبقة المنتجة في السوق.
ويبرز الطابع اليمينيّ في مطالبته بالتراجع عن دولة الرفاه واستبدالها بدولة المساعدات، التي تميز الأنظمة النيوليبرالية الاقتصادية اليمينية. كذلك يؤيد نظام الخصخصة.
أمّا بالنسبة إلى التعامل مع فلسطينيي الـ48، فينطلق الحزب من تقسيمة قديمة ــ جديدة يقسّم فيها العرب إلى متطرفين ومعتدلين، نازعًا الشرعية عن خطابهم الوطني، وما تحالفه مع القائمة الموحدة إلا لأنها جاءت بأجندة مدنية أساسية (وليس جوهرية حتى)، ولأنه مضطر إلى ذلك، لتشكيل حكومته، ولم يكن ذلك ليحدث لولا شرعنتها من طرف نتنياهو.
عن “عرب ٤٨”